المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ذكريات ديك مهذب


ندى الزهر
11-16-2009, 02:22 AM
الســلام عليــكم أصدقائي
اسمحوا لي أن أعرفكم بنفسي أولاً؛ أنا الديك الأحمر الجميل " كـوكـو"..
هم يقولون عني مهذب؛ بينما أنا لا أفعل إلا ما يجب أن يفعله أي مخلوقٍ مستقيمٍ مؤمنٍ بالله الخالق
حسناً أصدقائي،، تريدون معرفة حكايتي من أولها؟ سأخبركم أحبتي فأنصتوا:
ففي يومٍ من أيام الربيع الجميلة، ألهمني الله ووهب لي القدرة لأكسر قشرة البيضة بمنقاري الصغير وأخرج منها للدنيا
وعندما خرجت وجدت أن إخواني الخمسة قد سبقوني بالخروج وأني آخرهم وأصغرهم
أسرعت فوراً أحتمي بحضن أمي ودفئها،، والتي ضمتني إليها بمحبةٍ وسعادة
كنت يا أصدقائي صغيراً جداً تلك الأيام
استيقظ في الصباح الباكر مع أمي وأبي وإخواني، ثم نخرج للحقل مسرعين في حبورٍ وسرور
وهناك؛ تنقب أمي لنا عن الحب فتعطيناه لنأكله، وتكتفي هي ببعض الحشائش التي لا تستطيع أفواهنا الصغيرة قطعها
وعند المساء.. مع غروب الشمس؛ نسرع إلى منزلنا الصغير
حيث نستبق إلى أمي التي تضمنا بين جناحيها، وتظل تحكي لنا حتى ننام
وهكذا حياتنا سهلةٌ وجميلة، نتكل على الله وقد خرجنا صباحاً جائعين لنطلب الرزق
ثم نعود مع المساء وقد شبعنا وارتوينا، ونحن نحمد الله الرازق ونشكره ونسبحه كثيرا

ومرت أيامٌ وأسابيع
وذات ليلةٍ يا أصحابي؛ استيقظت من نومي على صوتٍ غريبٍ في الخارج!!..
سمعت بعده أمي تقول بأنها خائفة، بينما أبي يطمئنها ويخبرها أنه سمع العم علي يغلق علينا الباب بعد الغروب
عندها خرجت أنا من بين إخوتي النائمين وسألت أمي عن مصدر الصوت الغريب فأمرتني أن أصمت وأعود للنوم
عدت لمكاني وأنا أرتجف، وأدعو الله أن ينجينا، وبقيت كذلك حتى ابتعد الصوت وانقطع..
ثم لم انتبه، إلا مع صياح أبي فجراً، وخطوات العم علي وهو يفتح لنا الباب ثم يذهب بعيداً..
وقد سألت أمي يوماً عن سر استيقاظ العم علي كل صباح وذهابه بعيداً والظلام لا يزال حالكا!..
فأخبرتني أنه يذهب للمسجد يؤدي الصلاة التي هي واجبة على المسلم، يصليها فيرضي ربه ويحبه الله ويسعده
في ذلك الصباح أصدقائي
قام أبي بالخروج أولاً؛ ثم نظر حول منزلنا وبعدها أمرنا أن نتبعه
وقد سألت أمي عما حدث، فإذا بها تخبرنا وتحدثنا عن حيوانٍ ماكرٍ اسمه "الثعلب"!..
وأنه يدخل منازل الدجاج فيأكلها ثم يهرب
عندها ارتفع صراخ إخوتي لكنها طمأنتهم، وأخبرتهم أن العم علي –ذلك العجوز الطيب- لم ينس أبداً أن يغلق علينا الباب كل مساء
شعرنا جميعاً بالعرفان والمودة للعم علي، وأحببناه كثيراً ودعونا له.

عذراً أيها الأصدقاء
فقد نسيت أن أعرفكم على أخي "زوزو"
وقد كان "زوزو" أكثر إخوتي مرحاً ونشاطاً، وطالما أضحكنا بحركاته الرشيقة المسلية
فأحياناً يمد رقبته الصغيرة يقلد أبي في أذانه، ولكن لا يسمع منه للأسف سوى صوتٍ مبحوحٍ مضحك
وربما عبث على أحد إخوتي ليضحك منه، رغم تأنيب أمي له وتحذيرها

وفي ضحى يومٍ مشمس
ومهرجنا "زوزو" كعادته يلهو ويلعب ويشدو، إذا بظلٍ كبيرٍ يمر على الأرض!!.
فرفعت أمي رأسها سريعاً لتبصر (الحدأة) تحلق فوقنا وتنظر إلينا بشراسةٍ ونهم..
أسرعت أمي تدعونا لنختبئ تحتها من هذا الخطر، فانطلقنا جميعاً، بينما "زوزو" مستمرٌ في لهوه ولعبه
يسخر من لون (الحدأة) الأسود، ولا يسمع لنداء أمي
وما هي إلا لحظات، وانقضت عليه بشراسة
و.. حدث الأمر الخطيـــر!..
.

ندى الزهر
11-16-2009, 02:23 AM
رحل "زوزو" وتحول إلى طعامٍ للحدأة
بكينا عليه كثيراً، وسالت دموعنا الغزيرة على مناقيرنا الصغيرة
ليلتها؛ استيقظت لأسمع أمي الحنونة تبكي بصوتٍ خافت، وأبي يواسيها بصوتٍ حزين
بعد هذه الحادثة الشديدة؛ علمت أن في الدنيا أخطاراً ومصاعب
وأن من لم يسمع كلام الناصحين –وأمه وأبيه خاصة- سوف يندم، كما تعلمت ألا أسخر من أحدٍ أبدا..

ومرت الأيام أصدقائي.. وبدأت وإخوتي نكبر وننمو رويداً رويدا
وأثناء ذلك؛ كنت أطالع حياة العم علي وأحواله، وأراقب ما يحيط به
فقد كان يعيش في منزله الجميل وحيداً، ماتت زوجته قبل عامٍ كما أخبرتني أمي
وله أقارب في قريةٍ مجاورةٍ يأتون لزيارته دائما، وأرى أنه يحبهم كثيرا، ونحن نسعد بهم معه إذا جاؤوا
فقد كان أطفالهم يأتون ليطعموننا القمح بأيديهم، ويلعبون معنا برفق..
أما أهالي قريته فلم نكن نراهم
وقد سمعت العم علي يخبر أحد أقاربه عنهم، ويقول أنهم اشتغلوا بالزراعة وكسب الأموال
وتركوا من أجلها صلة الرحم وزيارة الجار، والتي أمرنا الإسلام بها!..
وأمي دائماً تحذرنا منهم، وتذكرنا يوم أن أتى للحقل بعض أطفالهم وجعلوا يرموننا بالحجارة
ولولا أن سمع العم علي صياحنا وخرج لينقذنا ويطردهم لقضوا علينا..

وللعم علي أحواضٌ صغيرةٌ يهتم بها كثيرا
وقد زرع فيها بعض الحبوب والورود والرياحين، وأمي تنهانا دائماً أن نعبث بها
فالرجل الذي يعاملنا بإحسانٍ يجب أن نحسن إليه وألا نفعل ما يزعجه

واليوم أصدقائي حدث أمرٌ غريب
فقد استيقظنا كالعادة مبكرين وخرجنا للحقل، ونحن بانتظار العم علي الذي ينهي إفطاره ثم يخرج لأحواضه يسقيها ويشذبها
بينما نتسابق وإخوتي إليه ونظل نتقافز ونشدو حوله معبرين عن حبنا الكبير له
ولكن مر الوقت ولم يخرج العم علي من منزله، انتظرناه حتى أشرقت الشمس وارتفعت ولم يطلع بعد...
شعرنا بالقلق الشديد عليه وظللنا نراقب منزله طيلة الصباح!..
وعندما أذن لصلاة الظهر، ولم يسرع العم علي للمسجد كعادته، أيقنت أن أمراً قد حدث له...

ولم اشعر بنفسي إلا وقد تسللت لمنزله أبحث عنه، وانظر في كل مكان..
وأخيراً رأيته مستلقياً على فراشه تبدو عليه آثار المرض والتعب الشديد!..
سرت نحوه وهو مغمضٌ عينيه، وعندما أحس بحركتي فتح عينيه، فلما رآني ابتسم ومسح بيده على ظهري بلطف
شعرت بالفرح الشديد وقد رأيته سالماً، وزاد فرحي لما رأيته سعد بوجودي بجانبه
لكن كل ذلك لا يغني
فقد بقيت المشكلة الكبيرة التي لا أستطيع حلها
وهي كيف أستطيع أن أحضر له من يهتم به ويأخذه ليعالجه؟..
.
.

ندى الزهر
11-16-2009, 02:24 AM
رجعت لأهلي أخبرهم بالخبر المؤلم
وما كان بيد طيورٍ ضعيفةٍ مثلنا إلا الدعاء والرجاء
ثم لم ننتبه؛ إلا وقد ولجت للمنزل سيارة أحد أقارب العم علي والذي يكثر من زيارته
دخل الرجل للمنزل، وبعد قليلٍ خرج منه يحمل العم علي للمستشفى
ونحن نتابع رحيله بحزن...

ومع حلول الظلام؛ دخلنا للمنزل ووالدي ينظران للباب في خوفٍ ورجاء
فتذكرت أن الذي كان يغلق علينا الباب ليلاً قد رحل، وأننا قد نصبح طعاماً للثعالب المخيفة!.
لكن سرعان ما سمعنا خطوات شخصٍ ما، دخل منزلنا ليتأكد من وجودنا، ثم أغلق علينا الباب
ونحن نحمد الله على فضله
وندعو للعم علي ولقريبه هذا الذي أنقذه، واهتم بنا بعده..

ومضت الأيام والعم علي يراوح في مرضه بين المنزل والمستشفى
لا نكاد نراه في المزرعة، وإنما أقرباءه الذين يعودونه ويهتمون به وبنا
وفي هذه الفترة الصعبة؛ تجرأ أولاد القرية الأشرار، وبدأوا يدخلون علينا المزرعة ويطاردوننا
وقد علمتنا أمي أن نطير ونرتفع على أغصان شجرة التين الكبيرة
فنبتعد عنهم وننجو من شرورهم

ثم تعرفنا على الفار "فرفور"
والذي أصبح يدخل المزرعة ليأكل من نباتاتها
وقد كرهناه أنا وإخوتي عندما رأيناه يتوجه لأحواض العم علي ويأكل ما فيها
فسارع أبي وأمي لينصحاه بتركها، وأخبراه أنها لرجلٍ صالحٍ عطوفٍ لا ينبغي أن نؤذيه
فاستجاب لنصحهما وعاد ليأكل من حشائش المزرعة الأخرى
ثم عاد مع الأيام صديقاً لنا عزيز

وذات ظهيرةٍ حارةٍ يا أصدقائي
وبينما نحن نستمع لـ"فرفور" يحكي مغامراته مع القطة السوداء
دخل الأولاد الشريرون للمزرعة دون أن نسمعهم
وقد تمكن إخوتي من الفرار بصعوبةٍ وتسلق الشجرة، بينما لم نقدر أنا وأخي الكبير
ووقعنا بين أيديهم الغليظة!..
حاولت أمي مهاجمتهم وتخليصنا منهم لكنها لا تستطيع..
وحملوني وأخي متوجهين بنا بعيداً عن المزرعة، ونحن نصيح فيجاوبنا أهلي بالبكاء والصياح

و.... كان المنظر مخيفاً ومحزنا
.
.
ســـنعود