gulfkids
05-13-2008, 12:43 AM
وكنتُ صماء كفيفة
بقلم : سهير عبد الحفيظ عمر
ضمن برنامج تدريبي لتأهيل عاملين في مجال الصم المكفوفين كان لابد من معايشة خبرة الصمم وكف البصر لنصف ساعة ..كنا مجموعتين نتبادل الأدوار؛ الأولى هم الصم المكفوفون الذين سدت آذانهم ، وغميت أبصارهم بوسائل اصطنعها المشرفون ، ولم تنجح في حجب السمع أو البصر كليا ، والثانية هم الشركاء الذين يقومون بالرعاية أو المشاركة في الخبرة والتفاعل ، ومهمتهم رعاية الشريك الكفيف الأصم وإبعاده عن كل ماقد يسبب له الأذى ، وأيضا محاولة التواصل معه ، ولم يكن مسموحا لنا باستخدام اللغة المنطوقة مطلقا ، وفيما عدا ذلك يسمح بأى وسيلة يمكن للشريكين التواصل من خلالها ، وتضمنت الخبرة التى عشناها معا صعود السلم إلى سطح البناية الذي كان مساحة واسعة تحوطها أسوار منخفضة ، وتتناثر به بعض الأشياء الملموسة .
بداية عشت دور الشريك ذي الحواس ..ذهبت لزميلتي المنتظرة خارجا بلاسمع أو بصر ..سلمت عليها ..عرفتنى .. امتدت يدي إلى يدها كى نبدأ التحرك ..خطوة واحدة وجذبت يدها بعنف ..تسمرت بمكانها ..أحتويها بجسدي ..أحاول طمأنتها وإفهامها إننا سنصعد سلما ..بعد جهد توهمتُ أنها فهمتنى وبدأنا وأنا ممسكة بيديها ..تستمر محاولاتى لإحتوائها .جذبت يدها منى بعنف أكثر ..صدمنى ماحدث ..لم تفعل ذلك ؟!! بغضب مكتوم أتساءل داخلي لم تعاملنى بهذا العنف ؟!! و قالت هي فيما بعد عن تلك اللحظة ( شعرتُ بأمومتها لي.. فعلا شعرت بالأمان ، لكنها أرادت تقييدي ألم يكفني قيد الصمم وكف البصر ؟ ) وقفتُ للحظة ..مدت يدها اليسرى تتحسس الجدار ..في لحظة استبصار سمحتُ ليدها اليسرى أن تمتد وأن ترى بها ماتريد ..بدأت تطمئن ..صعدنا معا السلم ..مشينا بهدوء على أرضية سطح البناية ..أنتشي متوهمة وجود لغة مشتركة بيننا ؛ ناضلتُ كثيرا لكي تتعرف على ( مجسم لسمكة ) وتوهمتُ فهمها ..ثم علمتُ بعد انتهاء الورشة أن مافهمته شريكتي الصماء الكفيفة كان أن المجسم لفأر !!!!
حين تبادلنا الأدوار..كنت أعلم حدود المكان ، وأننى قد أتعرض لخبرة مفاجئة لبحث رد الفعل كما كانت بيني وشريكتي بعض الإشارات اللمسية الناجحة التى اتفقنا على معان لها من خلال خبرتنا المشتركة : المشي ..صعود السلم ..الموافقة على عمل ما أو رفضه ..الكرسي ..وجود حجر يجب تجاوزه .. بدأتُ بوضع سدادات الأذن ..احتواني صمت مخيف ..تذكرت ولديّ فاقدي السمع ..رفعت بصري للسماء ..فاجأتني طائرة تعبر ..أختنق بألمي ..لم يسمح الوقت بالمزيد من التأمل ؛ وضعوا غمامة عيني ، اختفت صلتي بكل ما أعرف ..امتدت يدي باحثة عن بعض الأمان في شريكتي ..أدرك يدا ..من خلال ملمس كم الجاكيت أعي أنها شريكتي ..فهمت أننا سنسير ..الفضاء يمتد بلا نهاية ، والخوف يحتويني بلا اطمئنان ..أحاول التمسك بأقرب شيء ..لا أجد سوى الأرض..سحبتني شريكتي بلاهدف . لا أعرف إلى أين نمضي ؟ أشحذ خبراتي للتعرف على المكان ..هاهو السور ..لكنها تعود بي إلى اللاهدف ..تمسك يدي وتحركها ..لا أفهم أى شيء ..أحاول ... أناضل كي أعي ماتريد إبلاغي به ..أفشل ..أستسلم ..تقودنى مسلوبة الإرادة..يمر الوقت بطيئا ..متى سننتهى ؟ ماذا سيحل بي ؟ الكون حولي خوف يمتد..ألتمس الأمان في أى شيء ..أتشبث بالأرض لحظة ..أجلس وأقوم..شريكتى لاتعي خوفي ..أستخدم كل أسلحتى لقتل الوقت حتى ننتهي..أدعى أنى متعبة ، وأريد الجلوس على الكرسي ، في الحقيقة أردت الاحتماء...كنت أعى أنى قد أتعرض لخبرة مفاجئة كدفع الكرسي ذي العجلات للتحرك لكننى آثرت أن أمر بخبرة أعلمها وإن كانت مؤلمة ..تظل أفضل من المجهول ..أخذتنى إلى منضدة عليها بعض الأشياء ..وضعت في يدي خيطا يبرز من اسطوانة صلبة ..أدركت أنها شمعة ..نفختُ أمثل عملية إطفاء الشمعة لتعرف شريكتى أنى نجحت في التعرف على ماأعطتنى..فوجئت بها تأتي بإشارات غريبة..أتأمل..أركز جيدا ..ماذا تريد ؟ وماذا تعنى ؟ !! تستمر محاولاتها بلا ملل ..فهمت أخيرا أنها ترمز لاستخدام الشمع في الاحتفال بسبوع المولود كعادة مصرية للسبوع ،وحينها تجهمت بشدة ...شعرت بغضب وضيق حقيقي ..تمنيت لو استطعت أن أضربها ..أسئلتي بداخلي تتوالد : تعرفتُ على ما أرادت ؟ أنجزتُ مهمتى ..ماذا تريد منى ؟ لم لاتعطينى بقية الأشياء ؟ ترى ماذا على المنضدة أيضا ؟ هي ترى تجهم وجهي ..أدركته لكنها لم تفعل شيئا تمتد يدي رغما عنى تريد نزع الغمامة ، وسدادات الأذن ..تمنيت أن أقذفهما من أعلى البناية إلى حيث لايمكن أن يجدهما أحد ..تذكرت أنى في مهمة مؤقتة ..لكن الوقت يمر ولاينتهي ..أجلس مستسلمة لما لاأعرف ..أتمتم حين نزعوا غمامتى : الحمد لله الذي عافانا ، تثور دموعي وكأنها تطهرنا من وزر عجزنا عن التواصل مع ممن فقدوا السمع والبصر ؟
وأكتفي الآن بسؤال سأعود إليه : أليس من حق الكفيف الأصم أن يكون له شريك كفء ؟ !!!!
بقلم : سهير عبد الحفيظ عمر
ضمن برنامج تدريبي لتأهيل عاملين في مجال الصم المكفوفين كان لابد من معايشة خبرة الصمم وكف البصر لنصف ساعة ..كنا مجموعتين نتبادل الأدوار؛ الأولى هم الصم المكفوفون الذين سدت آذانهم ، وغميت أبصارهم بوسائل اصطنعها المشرفون ، ولم تنجح في حجب السمع أو البصر كليا ، والثانية هم الشركاء الذين يقومون بالرعاية أو المشاركة في الخبرة والتفاعل ، ومهمتهم رعاية الشريك الكفيف الأصم وإبعاده عن كل ماقد يسبب له الأذى ، وأيضا محاولة التواصل معه ، ولم يكن مسموحا لنا باستخدام اللغة المنطوقة مطلقا ، وفيما عدا ذلك يسمح بأى وسيلة يمكن للشريكين التواصل من خلالها ، وتضمنت الخبرة التى عشناها معا صعود السلم إلى سطح البناية الذي كان مساحة واسعة تحوطها أسوار منخفضة ، وتتناثر به بعض الأشياء الملموسة .
بداية عشت دور الشريك ذي الحواس ..ذهبت لزميلتي المنتظرة خارجا بلاسمع أو بصر ..سلمت عليها ..عرفتنى .. امتدت يدي إلى يدها كى نبدأ التحرك ..خطوة واحدة وجذبت يدها بعنف ..تسمرت بمكانها ..أحتويها بجسدي ..أحاول طمأنتها وإفهامها إننا سنصعد سلما ..بعد جهد توهمتُ أنها فهمتنى وبدأنا وأنا ممسكة بيديها ..تستمر محاولاتى لإحتوائها .جذبت يدها منى بعنف أكثر ..صدمنى ماحدث ..لم تفعل ذلك ؟!! بغضب مكتوم أتساءل داخلي لم تعاملنى بهذا العنف ؟!! و قالت هي فيما بعد عن تلك اللحظة ( شعرتُ بأمومتها لي.. فعلا شعرت بالأمان ، لكنها أرادت تقييدي ألم يكفني قيد الصمم وكف البصر ؟ ) وقفتُ للحظة ..مدت يدها اليسرى تتحسس الجدار ..في لحظة استبصار سمحتُ ليدها اليسرى أن تمتد وأن ترى بها ماتريد ..بدأت تطمئن ..صعدنا معا السلم ..مشينا بهدوء على أرضية سطح البناية ..أنتشي متوهمة وجود لغة مشتركة بيننا ؛ ناضلتُ كثيرا لكي تتعرف على ( مجسم لسمكة ) وتوهمتُ فهمها ..ثم علمتُ بعد انتهاء الورشة أن مافهمته شريكتي الصماء الكفيفة كان أن المجسم لفأر !!!!
حين تبادلنا الأدوار..كنت أعلم حدود المكان ، وأننى قد أتعرض لخبرة مفاجئة لبحث رد الفعل كما كانت بيني وشريكتي بعض الإشارات اللمسية الناجحة التى اتفقنا على معان لها من خلال خبرتنا المشتركة : المشي ..صعود السلم ..الموافقة على عمل ما أو رفضه ..الكرسي ..وجود حجر يجب تجاوزه .. بدأتُ بوضع سدادات الأذن ..احتواني صمت مخيف ..تذكرت ولديّ فاقدي السمع ..رفعت بصري للسماء ..فاجأتني طائرة تعبر ..أختنق بألمي ..لم يسمح الوقت بالمزيد من التأمل ؛ وضعوا غمامة عيني ، اختفت صلتي بكل ما أعرف ..امتدت يدي باحثة عن بعض الأمان في شريكتي ..أدرك يدا ..من خلال ملمس كم الجاكيت أعي أنها شريكتي ..فهمت أننا سنسير ..الفضاء يمتد بلا نهاية ، والخوف يحتويني بلا اطمئنان ..أحاول التمسك بأقرب شيء ..لا أجد سوى الأرض..سحبتني شريكتي بلاهدف . لا أعرف إلى أين نمضي ؟ أشحذ خبراتي للتعرف على المكان ..هاهو السور ..لكنها تعود بي إلى اللاهدف ..تمسك يدي وتحركها ..لا أفهم أى شيء ..أحاول ... أناضل كي أعي ماتريد إبلاغي به ..أفشل ..أستسلم ..تقودنى مسلوبة الإرادة..يمر الوقت بطيئا ..متى سننتهى ؟ ماذا سيحل بي ؟ الكون حولي خوف يمتد..ألتمس الأمان في أى شيء ..أتشبث بالأرض لحظة ..أجلس وأقوم..شريكتى لاتعي خوفي ..أستخدم كل أسلحتى لقتل الوقت حتى ننتهي..أدعى أنى متعبة ، وأريد الجلوس على الكرسي ، في الحقيقة أردت الاحتماء...كنت أعى أنى قد أتعرض لخبرة مفاجئة كدفع الكرسي ذي العجلات للتحرك لكننى آثرت أن أمر بخبرة أعلمها وإن كانت مؤلمة ..تظل أفضل من المجهول ..أخذتنى إلى منضدة عليها بعض الأشياء ..وضعت في يدي خيطا يبرز من اسطوانة صلبة ..أدركت أنها شمعة ..نفختُ أمثل عملية إطفاء الشمعة لتعرف شريكتى أنى نجحت في التعرف على ماأعطتنى..فوجئت بها تأتي بإشارات غريبة..أتأمل..أركز جيدا ..ماذا تريد ؟ وماذا تعنى ؟ !! تستمر محاولاتها بلا ملل ..فهمت أخيرا أنها ترمز لاستخدام الشمع في الاحتفال بسبوع المولود كعادة مصرية للسبوع ،وحينها تجهمت بشدة ...شعرت بغضب وضيق حقيقي ..تمنيت لو استطعت أن أضربها ..أسئلتي بداخلي تتوالد : تعرفتُ على ما أرادت ؟ أنجزتُ مهمتى ..ماذا تريد منى ؟ لم لاتعطينى بقية الأشياء ؟ ترى ماذا على المنضدة أيضا ؟ هي ترى تجهم وجهي ..أدركته لكنها لم تفعل شيئا تمتد يدي رغما عنى تريد نزع الغمامة ، وسدادات الأذن ..تمنيت أن أقذفهما من أعلى البناية إلى حيث لايمكن أن يجدهما أحد ..تذكرت أنى في مهمة مؤقتة ..لكن الوقت يمر ولاينتهي ..أجلس مستسلمة لما لاأعرف ..أتمتم حين نزعوا غمامتى : الحمد لله الذي عافانا ، تثور دموعي وكأنها تطهرنا من وزر عجزنا عن التواصل مع ممن فقدوا السمع والبصر ؟
وأكتفي الآن بسؤال سأعود إليه : أليس من حق الكفيف الأصم أن يكون له شريك كفء ؟ !!!!