gulfkids
05-13-2008, 12:39 AM
أسرة - أمل محمد فائق
بقلم سهير عبد الحفيظ عمر
أيقظني دفءُ الشمسِ المخترقُ نافذة الحافلة من غفوة ٍ قهرت وعيي ؛ كنتُ في طريقي إلى إحدى جامعات القاهرة العريقة لحضور مؤتمر علمي ، كنا كأسرٍ لذوي الاحتياجات الخاصة محور كثير من بحوثه؛ لامنا واتهمنا الكثيرون ...أشفق البعضُ..اقترب بعضُ البعضِ من واقعنا ..هناك ..أعلنتُ فخري بأمومتي واحتياجها الخاص ..ناشدت أن يقرأونا ..هل أنصتوا ؟ ؟!!!!
غابت الشمس ..سرتُ وحيدة ً في دروبٍ أجهلها ..حين وجدتُ العنوان ..زفرتُ ألمي ..استنشقتُ نجاحها كي أصعد..ألوذ بجرس الباب..فتحت ( أملٌ ) مشرقةٌ بالنجاح رغم الصمت ..فائقةٌ رغم فقد السمعِ الشديد ؛ ( أمل محمد فائق ) مهندسة ديكور حاصلة على بكالوريوس الفنون التطبيقية ، وتعمل ضمن طاقم التدريس بالمعهد العالي للفنون التطبيقية .
استقبلتني السيدة زينات ( أم أمل ) بابتسامة ٍ أجهدها الحزنُ وإن لم ينجح في إذبالها ..قرأتُ صفحةَ رضاها فيضا تسرب إلى نفسي ولملم وجعَ يومي ..شجعتني في البحث عن فيض القلوب ( محتاجين حد يقوينا ويدينا الأمل ) ..جلست معها ساعات رابطنا ذكريات وواقع ..في نبرة اعتزاز ورضا تخبرني : رزقني الله ( عادل ) بكالوريوس صيدلة ، أمل ( بكالوريوس فنون تطبيقية ) ، ومحمود في السنة الأولى بكلية الحاسبات والمعلومات ..غاب عنا والدهم بالوفاةِ منذُ اثني عشر عاما..انتقلنا للحياة من بنها إلى القاهرة حين التحقت أمل بتعليمها الجامعي لتقريب المسافة والجهد .
أعود معها للبداية ..حين هبت ريح ..صفعت الباب..فزِعت أمل ..طفلةٌ في عمر عام وثلاثة أشهر تلوذ بحضن أمها ..وتتوقف الأم لينبت الشك ؛ فلم يكن صوت الباب قويا حد إفزاع أمل ، ترى أكانت أمل تسمع الأصوات ؟؟ !!!تطمئنها الجدة : لاتقلقي ..لكن أمومتها لا تنصت ..تمارس تجاربها ..تصفق..تدق الجرس..تنادي والإجابة : دويٌ للشكِ في صدرها ..تصمم على إجراء قياس سمعي طبي والنتيجة ( فقدان سمعي شديد) تقول : ماشفتش الدنيا ..إسودتْ كلها ..اتمنيت ربنا ياخد مني كل حاجة بس أمل تسمع.. تخاطبني : إنتِ عارفة اللحظة دي . توقظ كلماتها ذات اللحظة في تاريخي ..دموعي تختلط بدموعها .. تتشابك إيدينا ..نلوذ بالرضا والحمد ...نواصل الرحلة .
اطمأنت السيدة زينات إلى سبب ماجرى لأمل حين قرأت مقالا عن ضعف العصب السمعي وآثاره وتتذكر ارتفاع درجة حرارة أمل الشديدة والتى ربما أدت إلى ضعف العصب السمعي ، وتبدأ رحلة طفلة عمرها عامان ..ترتدي سماعة أذن التهمت شهورا من كامل دخل الأسرة ... تبدأ جلسات التخاطب بمدينة القاهرة ..رحلة تبدأ ( وأمل نائمة ) من قبل السابعة صباحا إلى ما بعد الثانية عشر ظهرا ..ترافقها أمها أو أحد أفراد أسرتها الممتدة من جهة والدتها أما الوالد فكان خارج مصر ؛مهندسا بدولة خليجية.
تلتحق ( أمل ) بمدرسة ابتدائية عادية في بنها وتدرس بمساندة الأسرة .يمرض الوالد ..المعاناة شديدة ..تتوقف جلسات التخاطب ..يتوفى والد أمل وهى على أبواب الالتحاق بالتعليم الإعدادي ..تستمر الحياة وتحصل على شهادتها الإعدادية من مدرسة عامة ..وترى الأسرة إلحاق ( أمل ) بالتعليم الفني الصناعي ظنا أنه الأنسب والأيسر ..تساعد في افتتاح فصل جديد للزخرفة تدرس به أمل ، لكن أمل لا تقنع ولا ترضى ولا تقبل ؛ تريد التعليم الثانوي العام .( عاوزة أدخل كلية ) لكنها تستمر في الثانوي الصناعي حتى تحصل على شهادة الدبلوم المتوسط .. لا تكف عن البكاء ..دموعها سياط تجلد أمها .؛( فلأمل معزة خاصة جدا ) ..تبحث عن أي مكان ..تلوذ بكل إعلان ..وتذهب لمكتب تنسيق الطلاب وتوزيعهم على الجامعات ..تكتشف أن مجموع أمل يرشحها للدراسة بالمعهد العالي للفنون التطبيقية بمدينة السادس من أكتوبر ..الفرحة تغمر أمل لكنها ما إن تبدأ الدراسة حتى يعود بكاؤها ..تخشى الفشل .ويمتد خوفها لأمها ؛ تذهب للمعهد ..تلتقي الأساتذة ..الزملاء ..ترافقها للمتاحف ..تكتب الأبحاث ..تلخص المذكرات ..وتعترف: كان للمعهد وأساتذته وطلابه فضل كبير في نجاح أمل ..تعاون الأساتذة ..كرر المعيدون ..تفهم الزملاء ..كانوا يشجعونها على التحدث ( اتكلمى وإحنا هنفهم ) والنتيجة :أمل الأولى على شعبة الديكور وتكافئها إدارة المعهد بخصم نصف المصاريف تقديرا لتفوقها ..وتمر السنون و بإرادة وإبداع أمل ومساندة الأسرة ودعم الزملاء تنتقل أمل من نجاح إلى آخر حتى الفرحة الكبرى : الحصول على البكالوريوس ثم تأتي المكافأة الأكبر في حياة أمل وأسرتها حين يصدر الأستاذ الدكتور مصطفى كمال رئيس مجلس إدارة المعهد قرارا بتعيين أمل لتنتظم ضمن سلك المبدعين المتميزين في المعهد كتقدير لحقها في العمل بهذه الوظيفة بعد تميزها وحصولها على المركز الأول ..تردد السيدة زينات : لم أكن أحلم أو أتوقع مثل هذا اليوم ..كرم ربنا أكبر من كل توقع .. وبعد كرم ربنا دعم الدكتور مصطفى ..نتفق معا ونعلن امتنانا وتقديرا للفنان ومعهده ؛ فلولا تشجيعه ورعايته ودعمه ماسعدنا بإنجاز أمل الذي يشع في حياة فاقدي السمع كنموذج قابل للتكرار ..يعود همس أمومتي وأسأل ( أم أمل ) : بماذا تنصحين أمهات فاقدي السمع ؟ تواري ألمها خلف ابتسامتها و تقول: حين أشاهد أما تحمل طفلا فاقد السمع أردد يااااااه لسه هتمشي المشوار دا كله ؟!!! الله يعينك ويثبتك ..ولكن دعيني أقول لكل أم ..بقدر تشجيعك لطفلك ودعمك له ورعايتك لمواهبه سيوفقك الله ..ولكن إمنحي طفلك بعض الحرية فلقد كنت لأمل سمعها وعينها ويدها وكل شيء ..دفعني خوفي وحبي لها لمرافقتها في كل مكان ..شاركتها كل شيء ..وربما حرمها حبي وحرصي من بعض الخبرات ..
عزيزي القاريء : تظل أسرة أمل محمد فائق نموذجا لأسرة عادية بسيطة أحبت طفلتها بوعي وآمنت بقدراتها وساندتها في حقها في تعليم اختارته فاستطاعت أن تشرق في سماء فاقدي السمع ويظل بالسماء متسع لمزيد من الشموس .
أم الرجال
بقلم سهير عبد الحفيظ عمر
أيقظني دفءُ الشمسِ المخترقُ نافذة الحافلة من غفوة ٍ قهرت وعيي ؛ كنتُ في طريقي إلى إحدى جامعات القاهرة العريقة لحضور مؤتمر علمي ، كنا كأسرٍ لذوي الاحتياجات الخاصة محور كثير من بحوثه؛ لامنا واتهمنا الكثيرون ...أشفق البعضُ..اقترب بعضُ البعضِ من واقعنا ..هناك ..أعلنتُ فخري بأمومتي واحتياجها الخاص ..ناشدت أن يقرأونا ..هل أنصتوا ؟ ؟!!!!
غابت الشمس ..سرتُ وحيدة ً في دروبٍ أجهلها ..حين وجدتُ العنوان ..زفرتُ ألمي ..استنشقتُ نجاحها كي أصعد..ألوذ بجرس الباب..فتحت ( أملٌ ) مشرقةٌ بالنجاح رغم الصمت ..فائقةٌ رغم فقد السمعِ الشديد ؛ ( أمل محمد فائق ) مهندسة ديكور حاصلة على بكالوريوس الفنون التطبيقية ، وتعمل ضمن طاقم التدريس بالمعهد العالي للفنون التطبيقية .
استقبلتني السيدة زينات ( أم أمل ) بابتسامة ٍ أجهدها الحزنُ وإن لم ينجح في إذبالها ..قرأتُ صفحةَ رضاها فيضا تسرب إلى نفسي ولملم وجعَ يومي ..شجعتني في البحث عن فيض القلوب ( محتاجين حد يقوينا ويدينا الأمل ) ..جلست معها ساعات رابطنا ذكريات وواقع ..في نبرة اعتزاز ورضا تخبرني : رزقني الله ( عادل ) بكالوريوس صيدلة ، أمل ( بكالوريوس فنون تطبيقية ) ، ومحمود في السنة الأولى بكلية الحاسبات والمعلومات ..غاب عنا والدهم بالوفاةِ منذُ اثني عشر عاما..انتقلنا للحياة من بنها إلى القاهرة حين التحقت أمل بتعليمها الجامعي لتقريب المسافة والجهد .
أعود معها للبداية ..حين هبت ريح ..صفعت الباب..فزِعت أمل ..طفلةٌ في عمر عام وثلاثة أشهر تلوذ بحضن أمها ..وتتوقف الأم لينبت الشك ؛ فلم يكن صوت الباب قويا حد إفزاع أمل ، ترى أكانت أمل تسمع الأصوات ؟؟ !!!تطمئنها الجدة : لاتقلقي ..لكن أمومتها لا تنصت ..تمارس تجاربها ..تصفق..تدق الجرس..تنادي والإجابة : دويٌ للشكِ في صدرها ..تصمم على إجراء قياس سمعي طبي والنتيجة ( فقدان سمعي شديد) تقول : ماشفتش الدنيا ..إسودتْ كلها ..اتمنيت ربنا ياخد مني كل حاجة بس أمل تسمع.. تخاطبني : إنتِ عارفة اللحظة دي . توقظ كلماتها ذات اللحظة في تاريخي ..دموعي تختلط بدموعها .. تتشابك إيدينا ..نلوذ بالرضا والحمد ...نواصل الرحلة .
اطمأنت السيدة زينات إلى سبب ماجرى لأمل حين قرأت مقالا عن ضعف العصب السمعي وآثاره وتتذكر ارتفاع درجة حرارة أمل الشديدة والتى ربما أدت إلى ضعف العصب السمعي ، وتبدأ رحلة طفلة عمرها عامان ..ترتدي سماعة أذن التهمت شهورا من كامل دخل الأسرة ... تبدأ جلسات التخاطب بمدينة القاهرة ..رحلة تبدأ ( وأمل نائمة ) من قبل السابعة صباحا إلى ما بعد الثانية عشر ظهرا ..ترافقها أمها أو أحد أفراد أسرتها الممتدة من جهة والدتها أما الوالد فكان خارج مصر ؛مهندسا بدولة خليجية.
تلتحق ( أمل ) بمدرسة ابتدائية عادية في بنها وتدرس بمساندة الأسرة .يمرض الوالد ..المعاناة شديدة ..تتوقف جلسات التخاطب ..يتوفى والد أمل وهى على أبواب الالتحاق بالتعليم الإعدادي ..تستمر الحياة وتحصل على شهادتها الإعدادية من مدرسة عامة ..وترى الأسرة إلحاق ( أمل ) بالتعليم الفني الصناعي ظنا أنه الأنسب والأيسر ..تساعد في افتتاح فصل جديد للزخرفة تدرس به أمل ، لكن أمل لا تقنع ولا ترضى ولا تقبل ؛ تريد التعليم الثانوي العام .( عاوزة أدخل كلية ) لكنها تستمر في الثانوي الصناعي حتى تحصل على شهادة الدبلوم المتوسط .. لا تكف عن البكاء ..دموعها سياط تجلد أمها .؛( فلأمل معزة خاصة جدا ) ..تبحث عن أي مكان ..تلوذ بكل إعلان ..وتذهب لمكتب تنسيق الطلاب وتوزيعهم على الجامعات ..تكتشف أن مجموع أمل يرشحها للدراسة بالمعهد العالي للفنون التطبيقية بمدينة السادس من أكتوبر ..الفرحة تغمر أمل لكنها ما إن تبدأ الدراسة حتى يعود بكاؤها ..تخشى الفشل .ويمتد خوفها لأمها ؛ تذهب للمعهد ..تلتقي الأساتذة ..الزملاء ..ترافقها للمتاحف ..تكتب الأبحاث ..تلخص المذكرات ..وتعترف: كان للمعهد وأساتذته وطلابه فضل كبير في نجاح أمل ..تعاون الأساتذة ..كرر المعيدون ..تفهم الزملاء ..كانوا يشجعونها على التحدث ( اتكلمى وإحنا هنفهم ) والنتيجة :أمل الأولى على شعبة الديكور وتكافئها إدارة المعهد بخصم نصف المصاريف تقديرا لتفوقها ..وتمر السنون و بإرادة وإبداع أمل ومساندة الأسرة ودعم الزملاء تنتقل أمل من نجاح إلى آخر حتى الفرحة الكبرى : الحصول على البكالوريوس ثم تأتي المكافأة الأكبر في حياة أمل وأسرتها حين يصدر الأستاذ الدكتور مصطفى كمال رئيس مجلس إدارة المعهد قرارا بتعيين أمل لتنتظم ضمن سلك المبدعين المتميزين في المعهد كتقدير لحقها في العمل بهذه الوظيفة بعد تميزها وحصولها على المركز الأول ..تردد السيدة زينات : لم أكن أحلم أو أتوقع مثل هذا اليوم ..كرم ربنا أكبر من كل توقع .. وبعد كرم ربنا دعم الدكتور مصطفى ..نتفق معا ونعلن امتنانا وتقديرا للفنان ومعهده ؛ فلولا تشجيعه ورعايته ودعمه ماسعدنا بإنجاز أمل الذي يشع في حياة فاقدي السمع كنموذج قابل للتكرار ..يعود همس أمومتي وأسأل ( أم أمل ) : بماذا تنصحين أمهات فاقدي السمع ؟ تواري ألمها خلف ابتسامتها و تقول: حين أشاهد أما تحمل طفلا فاقد السمع أردد يااااااه لسه هتمشي المشوار دا كله ؟!!! الله يعينك ويثبتك ..ولكن دعيني أقول لكل أم ..بقدر تشجيعك لطفلك ودعمك له ورعايتك لمواهبه سيوفقك الله ..ولكن إمنحي طفلك بعض الحرية فلقد كنت لأمل سمعها وعينها ويدها وكل شيء ..دفعني خوفي وحبي لها لمرافقتها في كل مكان ..شاركتها كل شيء ..وربما حرمها حبي وحرصي من بعض الخبرات ..
عزيزي القاريء : تظل أسرة أمل محمد فائق نموذجا لأسرة عادية بسيطة أحبت طفلتها بوعي وآمنت بقدراتها وساندتها في حقها في تعليم اختارته فاستطاعت أن تشرق في سماء فاقدي السمع ويظل بالسماء متسع لمزيد من الشموس .
أم الرجال