معلم متقاعد
01-03-2009, 10:17 PM
هل طال القص واللصق إعداد الأبحاث الجامعيــة؟!
أ/ إعتماد محمد صالح مؤمنة
جامعـة الامام محمد بن سعود الاسلاميـة
كليــة العلــوم الاجتماعيــة
قسم المكتبات والمعلومات
كل ناظر للصروح الجامعية بالمملكة تنتابه نشوة بوقوفها شامخة في ابنيتها وبوجود جهابذة لم يتوانوا عن خدمتها, فبرعوا ونشروا العلم وكانوا نبراسا للتابعين يهتدون بهم. واذا ما قيست الايام والسنين التي مرت عليهم وهم يبحثون ويسهرون جادين في الحصول على معلومة موثقة تضيف جديدا لهم ويمكن الاستفادة منه على المستوى الجامعي والوطني, فاننا نجد ان بكل المعايير كانت ولازالت بصماتهم تدل على الثقل المعلوماتي والمعرفة العريضة فيما تخصصوا فيه من العلوم. وهذا في حد ذاته دعم لقواعد راسخة تساعد الصاعدين على اكمال المسيرة بنفس النهج مستفيدين من توفر التقنيات ليكافحوا كما كافح الاوائل. ولكن .. هل فعلا يمكن للتابعين ان يكونوا امتدادا لظلال السابقين مستفيدين من وجودهم بيننا ويراقبونا بل ويشرفوا على اعمالنا؟. ان القارئ او الباحث اليوم ليس مثل القارئ او الباحث بالامس, فقد يلجا باحث اليوم بسبب تسارع صدور المعلومات الى اقتصار بحثه على مراجع معينة ومن ثم يحتطب فيها ولا يخرج عن مداها, ويسارع في اكمال بحثه لانه يريد ان يجلس بجوار استاذه ويحظى باللقب, او يتمتع بمميزاتٍ ظناً منه أنها نهاية المطاف. باحث آخر قد يلجأ إلى قطف الفواكه بدلا من الإحتطاب فهو اكثر لهفة للوصول للهدف عن الباحث السابق, وبالتالي يكون قد لجأ لقص ولصق الكلمات والجمل والسطور والعبارات ليركِّب بحثا يمكّنه من الوصول لهدفه بشكل اسرع من زميله الآخر. هنا يمكن ان نقول اننا على مشارف المنحدر العلمي الخطير.
ان وجود الحاسب الآلي جعل الباحث يستسهل عملية الكتابة والقراءة بما توفر من أنظمة وبرامج تساعد في الوصول للاهداف المختلفة, وبظهور الإنترنت كوسيلة مفيدة في البحث عن مصادر المعلومات بمختلف انواعها, سهل في مسالة القص واللصق صعودنا للهاوية. لقد تمادت فئة من الباحثين في هذا الزمان فتمكنوا من ان ينسبوا لانفسهم اعمال غيرهم, كما انهم لايفصحون ولايوثقون اصلا مرجعية ما نقل وكتب حتى ولو كان المصدر معروفا. في الواقع لا يعرف حجم المشكلة بالضبط, ولكن يمكن عمل مسح سطحي مبسط يدلل على الاقل للمعنيين والمسئولين ومن يؤرقه الموضوع حجم ما جميعنا بصدد التصدي له ورفضه. فمن واقع ما وقع بيدي من ابحاث ومقالات علمية وغير علمية (عربية) وجدت ان جملا وعبارات كاملة تقتطع من منشور سابق (كتابا كان ام رسالة جامعية او مجلة علمية) لتكون وكانه انتاج فكري جديد. ولقد تكرر ذلك بمعدل يزيد عن 3 حالالت لكل عشرة وثائق تقريبا في تخصصات عدة في العلوم الانسانية. وبما ان الرقم يزداد سنويا بعد ان لاحظت ذلك على مدى 3 اعوام بناء على زيادة اعداد الباحثين واعداد الجامعات بين حكومية واهلية وزيادة حجم النشر, فقدرت (شخصياً) ان يكون حجم المشكلة نظريا 30%, اي بزيادة سنوية قدرها 10% تقريبا. اذا قدر لنا ان نعمم هذه الحالة فهذا يعني ان اكثر من 95% من ابحاثنا بعد10 سنوات تقريبا, ستصبح المشكلة عبارة عن أبحاث "قص ولصق" مما ينذر بمستقبل يحتاج الى حماية فكرية وبشكل اكثر ضبط مما هو عليه الان خصوصا بعد ان اصبحت الانترنت تعج بالغث والسمين ولم يصدر بعد نظام حماية المعلومات والحقوق الفكرية. ولذلك اتساءل في هذا الصدد عن:
من المسئول عن ذلك؟,..
هل هو الصرح العلمي ام المشرف على البحث ام الباحث نفسه؟,
وهل للانظمة القائمة غير المتوافقة مع التطور السريع في نظم المعلومات دور في تفشي الظاهرة؟,
وهل يمكن ادراك ما هو المستوى العلمي او الفكري الذي ننتظره لاجيالنا القادمة؟,
وما هو المستقبل المنتظر للوطن والامة الاسلامية تنمويا؟.
وهل هناك خطة محكمة لوقف هذه الممارسات بطريقة ما او باخرى؟.
لقد اصبح لهذه الظاهرة مصطلح وتعريف ودراسات علينا ان نبدا في الابحار فيها لمحاولة وقف هذا التوجه الفكري الخطير وحبذا لو حددنا فترة زمنية لعلاجها وتصحيح اوضاعنا خلالها لنتيقن من اننا على الطريق الصحيح.
لقد اطلق على عملية السرقة الادبية مصطلح (Plagiarism) الذي يعني: اعتبار عمل آخر كانه عملك, سواء كلمة بكلمة او جملة بجملة او كفكرة بشكل عام. وبالطبع اذا لم يكن مسبوقا بتصريح لنشره من صاحبه فهو تعدِّ على الحقوق الفكرية وحقوق الطبع وحقوق النشر. اما اذا سبق بتصريح للنشر ولكن لم يوثق باسم صاحب الحق فهو تعدِّ على اخلاقيات المهنة وفن الكتابة وادب الكلمة في المجتمع الادبي والفني والسياسي والاجتماعي(1).
لقد وجدت ان في وفي قواميس اللغة مثل "قاموس وبستر" فالكلمة ومشتقاتها تعني التالي:
Plagiarize -rized; -rizing [plagiary]: to steal and pass off (the ideas or words of another) as one's own : use (a created production) without crediting the source : to commit literary theft : present as new and original an idea or product derived from an existing source - - plagiarizer.
(2) Merriam Webster's Collegiate Dictionary, 10th edition, 1994.
اما في القواميس المترجمة من اللغة الانكليزية الى العربية مثل "قاموس المورد" فقد جاءت الكلمة ومشتقاتها تعني التالي:
الانتحال: انتحال آراء مؤلف آخر او كلماته, شئ منتحل : المنتحل لآراء مؤلف آخر : ينتحل آراء مؤلف آخر او كلماته : المنتحل لآراء غيره , انتحال آراء الغير.
المورد: قاموس انكليزي- عربي منير البعلبكي الطبعة (36), 2002م (3)
لقد صدر نظام حماية حقوق المؤلف الصادر من مجلس الوزراء، وبدأ تطبيقه فعلياً 15 مارس (آذار) 2004، كما صدر قرار مجلس الوزراء بالموافقة على إنشاء لجنة دائمة لحقوق الملكية الفكرية مكونة من وزارات الداخلية والخارجية والعدل والثقافة والإعلام والتجارة والصناعة والمالية والبترول والثروة المعدنية ومدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، بالإضافة إلى ديوان المظالم باعتباره الهيئة القضائية المختصة بالنظر في الدعاوى المتعلقة بحقوق الملكية الفكرية، ومقرها وزارة التجارة والصناعة، فهل تسري انظمتها على الجامعات ووزارة التعليم العالي.
نتطلع الان الى اعادة صياغة الانظمة المتعلقة بحفظ حقوق المؤلفين والكتاب والباحثين الفكرية والادبية سواء على المستوى الجامعي او النشر على مستوى المملكة, او نشر القائم منها والاهتمام بصرامة تنفيذها عن طريق توحيد جهة التنفيذ وآلية التنفيذ. وبما ان الرقابة والمتابعة هي اساس ضبط العملية فليت تشكيل اللجان يكون متعددا وحسب التخصصات, وتتبع مرجعية محددة سواء في وزارة التعليم العالي او على مستوى المملكة. ولا ننسى ان يندرج تحت عمل هذه اللجان متابعة الابحاث التي مازالت تحت الاجراء والكتب المعدة للنشر والايداع والبيع لضمان تعديل الدفة قبل فوات الاوان وتصحيح الوضع مع اقرار عقوبات متدرجة لا متعسفة لان الهدف هو وقف التطاول مع العلم بالمقدرة على الابداع.
ان في جزئية الاقتباس قد يتطاول باحث وبكل سذاجة على احد الابحاث ناسبا اياه او فكرته له ومن ثم يبدا البحث فيه مشعرا نفسه حتى يصدقها بان هذا عمله, وهو لم يقم الا بطرحه في زمن مختلف وببعض التعديلات لاخفاء ملامح النص الاساسي وتغيير اسم الكاتب او المؤلف. لذلك نحتاج الى وقفة صارمة في مجتمعنا الاكاديمي لحماية بعضنا البعض والارتقاء بالفكر الابداعي فكثيرا ما يكون لدى المقتبس قدرة كامنة لا يعرف مداها ويكسل عن ابرازها فيتجرأ على غيره لاستسهال الوصول بسرعة, ولكن لو ان ذلك قوبل بالرفض ومن قبل كافة من لهم الحق في الاشراف على الدراسات والابحاث العلمية نظرية كانت ام عملية, فان غدنا سيكون اكثر اشراقا وابداعنا سيكون متميزا ووضعنا سيقاس بتقدمه لا بتخلفه.
لقد وجد ان 40-70% من طلاب الجامعة يقومون بالغش بهذه الوسيلة (3, 4). وبالبحث في الدوافع وجد انها تنحصر في: ضغط الحصول على اعلى الدرجات, والمنافسة الشديدة على التقارب مع الحاصلين على اعلى الدرجات, مساعدة صديق او زميل في عجالة, طلبات كليات لا يمكن ان تتم في الوقت المسموح انجاز العمل فيه, تساهل بعض الكليات امام دقة مصادر المعلومات, غياب اخلاقيات التعليم وتفشي التضليل الاكاديمي بين الطلاب انفسهم (6,5,4,3).
هناك حاجة لدراسة متعمقة في هذا الموضوع فقد تتبين وتتضح حجم الخسائر الادبية والنفسية والاخلاقية وبالطبع العلمية التي سنعاني منها اذا ما استشرى هذا الوضع وصعب معه تتبعه. من ناحية اخرى ايجاد اسلوب عمل منظم ومنهجي حتى يتم ايقاف هذا الانحدار العلمي الذي قد يستسهله بعض الباحثين ومن اراد ارتقاء سلم المجد من اسرع الطرق واوسع الابواب. هذا ايضا سيلقي بمسئولية جديدة على الاستاذ مدرسا ام مشرفا على اطروحة او بحث او مقال ان يتوخى التوثيق مع الحرص على تحلي الطلبة بروح الابتكار والابداع والتخلي من جانبه تدريجيا عن حسن النوايا المفرطة لتعويد الطلاب (ذكورا واناثا) على استخدام الفكر بشكل دائم وتحري الاصالة في الانتاج الفكري, حيث هؤلاء هم جيل الاحلال المنتظر ووصل الامس بالغد. في الواقع نريد ان يكون هذا الجيل قدوة لمن بعده كما كان سلفنا قدوة لنا, فلم لا يواصل الباحث الليل بالنهار بحثا عن فكرة تحفظ له استمرارية النشر بنفس الاداب والاخلاقيات وتخوله الاستفادة من بحثه اكاديميا ويحظى بتقدير الناس اجتماعيا؟.
من وجهة نظري فهذا هو "التضليل الادبي" او "التضليل الأكاديمي", ولكن من سيتصدى له لريثما يحجم موضوع السرقات الادبية في المؤسسات الاكاديمية؟. في البداية من المفترض ان تكون هناك استراتيجبات مدروسة تنفذ من خلال خطط تفصيلية تنفيذية من شانها رفع معنويات الطلاب وتعزز الروح التعليمية لديهم, وجعلهم يتبنون الامانة العلمية والصدق في المعاملة على الاقل على مستوى المعلومة العلمية(7). ثم من بعد ذلك من المفترض توفير المعلومات ومصادرها بشكل متوازن بين جميع الطلاب والطالبات وبدون تمييز. من المهم جدا بعد ذلك مواجهة السرقة الادبية مباشرة واخراجها للسطح حتى يعتبر الاخرون خصوصا وقد انتموا لأرقى الصروح في المجتمع واصبحوا من ارقى شرائحه. في المقابل, على الادارة المختصة بالجامعة او بالكلية او القسم وحسب النظم المتبعة القيام بخطوات توجيهية مثل:
اشعار الطالب بمعايير الدراسة في مثل هذه الصروح العلمية
ايضاح مدى فداحة القيام بهذا العمل وماهية تصرف الادارة ضده
واتخاذ تدابير وقائية مثل:
تقليل فرص تمكين الطلاب من القيام بالقص واللزق.
ابراز مدى حرص الادارة على امانة اداء العملية التعليمية بشكل عام وان غير ذلك لا يقبل في وسط هذا الصرح بتاتا وذلك في اقرب فرصة.
عدم التواني او التململ في مواجهة القائم بهذا الاسلوب وتطبيق العقوبات وتنفيذ اللوائح بكل من ثبت قيامه بذلك.
قد اكون مبالغة في تصوري ولكن هناك توجه عالمي نحو حفظ الحقوق الفكرية, واذا ما تبنيناه ونحن في طريقنا لتنقيح المعايير العلمية لنظام التعليم العالي فستحقق جامعاتنا مرجعية فيما سبقت به غيرها من تنظيمات وماقامت به من دراسات وابحاث علمية في هذا المجال والمجالات الاخرى باذن الله. والله من وراء القصد.
المصادرالعربية والاجنبية
1- منير البعلبكي (2002م). المورد: قاموس انكليزي- عربي.-ط 36.
http://www.nolo.com/glossary.cfm
Merriam Webster's Collegiate Dictionary, 10th edition, 1994.
Aiken, L. R. "Detecting, Understanding, and Controlling for Cheating on Tests." Research in Higher Education, 1991, 32(6), 725-736.
Davis, S. F., Grover, C. A., Becker, A. H., and McGregor, L. N. "Academic Dishonesty: Prevalence, Determinants, Techniques, and Punishments." Teaching of Psychology, 1992, 19(l), 16-20.
Barnett, D. C., and Dalton, J. C. "Why College Students Cheat." Journal of College Student Personnel, 1981, 22(6), 545-551.
Roberts, D., and Rabinowitz, W. "An Investigation of Student Perceptions of Cheating in Academic Situations." Review of Higher Education, 1992, 15(2), 179-190.
Preventing Academic Dishonesty http://teaching.berkeley.edu/bgd/prevent.html.
المصدر
مجلة المعلوماتيه
أ/ إعتماد محمد صالح مؤمنة
جامعـة الامام محمد بن سعود الاسلاميـة
كليــة العلــوم الاجتماعيــة
قسم المكتبات والمعلومات
كل ناظر للصروح الجامعية بالمملكة تنتابه نشوة بوقوفها شامخة في ابنيتها وبوجود جهابذة لم يتوانوا عن خدمتها, فبرعوا ونشروا العلم وكانوا نبراسا للتابعين يهتدون بهم. واذا ما قيست الايام والسنين التي مرت عليهم وهم يبحثون ويسهرون جادين في الحصول على معلومة موثقة تضيف جديدا لهم ويمكن الاستفادة منه على المستوى الجامعي والوطني, فاننا نجد ان بكل المعايير كانت ولازالت بصماتهم تدل على الثقل المعلوماتي والمعرفة العريضة فيما تخصصوا فيه من العلوم. وهذا في حد ذاته دعم لقواعد راسخة تساعد الصاعدين على اكمال المسيرة بنفس النهج مستفيدين من توفر التقنيات ليكافحوا كما كافح الاوائل. ولكن .. هل فعلا يمكن للتابعين ان يكونوا امتدادا لظلال السابقين مستفيدين من وجودهم بيننا ويراقبونا بل ويشرفوا على اعمالنا؟. ان القارئ او الباحث اليوم ليس مثل القارئ او الباحث بالامس, فقد يلجا باحث اليوم بسبب تسارع صدور المعلومات الى اقتصار بحثه على مراجع معينة ومن ثم يحتطب فيها ولا يخرج عن مداها, ويسارع في اكمال بحثه لانه يريد ان يجلس بجوار استاذه ويحظى باللقب, او يتمتع بمميزاتٍ ظناً منه أنها نهاية المطاف. باحث آخر قد يلجأ إلى قطف الفواكه بدلا من الإحتطاب فهو اكثر لهفة للوصول للهدف عن الباحث السابق, وبالتالي يكون قد لجأ لقص ولصق الكلمات والجمل والسطور والعبارات ليركِّب بحثا يمكّنه من الوصول لهدفه بشكل اسرع من زميله الآخر. هنا يمكن ان نقول اننا على مشارف المنحدر العلمي الخطير.
ان وجود الحاسب الآلي جعل الباحث يستسهل عملية الكتابة والقراءة بما توفر من أنظمة وبرامج تساعد في الوصول للاهداف المختلفة, وبظهور الإنترنت كوسيلة مفيدة في البحث عن مصادر المعلومات بمختلف انواعها, سهل في مسالة القص واللصق صعودنا للهاوية. لقد تمادت فئة من الباحثين في هذا الزمان فتمكنوا من ان ينسبوا لانفسهم اعمال غيرهم, كما انهم لايفصحون ولايوثقون اصلا مرجعية ما نقل وكتب حتى ولو كان المصدر معروفا. في الواقع لا يعرف حجم المشكلة بالضبط, ولكن يمكن عمل مسح سطحي مبسط يدلل على الاقل للمعنيين والمسئولين ومن يؤرقه الموضوع حجم ما جميعنا بصدد التصدي له ورفضه. فمن واقع ما وقع بيدي من ابحاث ومقالات علمية وغير علمية (عربية) وجدت ان جملا وعبارات كاملة تقتطع من منشور سابق (كتابا كان ام رسالة جامعية او مجلة علمية) لتكون وكانه انتاج فكري جديد. ولقد تكرر ذلك بمعدل يزيد عن 3 حالالت لكل عشرة وثائق تقريبا في تخصصات عدة في العلوم الانسانية. وبما ان الرقم يزداد سنويا بعد ان لاحظت ذلك على مدى 3 اعوام بناء على زيادة اعداد الباحثين واعداد الجامعات بين حكومية واهلية وزيادة حجم النشر, فقدرت (شخصياً) ان يكون حجم المشكلة نظريا 30%, اي بزيادة سنوية قدرها 10% تقريبا. اذا قدر لنا ان نعمم هذه الحالة فهذا يعني ان اكثر من 95% من ابحاثنا بعد10 سنوات تقريبا, ستصبح المشكلة عبارة عن أبحاث "قص ولصق" مما ينذر بمستقبل يحتاج الى حماية فكرية وبشكل اكثر ضبط مما هو عليه الان خصوصا بعد ان اصبحت الانترنت تعج بالغث والسمين ولم يصدر بعد نظام حماية المعلومات والحقوق الفكرية. ولذلك اتساءل في هذا الصدد عن:
من المسئول عن ذلك؟,..
هل هو الصرح العلمي ام المشرف على البحث ام الباحث نفسه؟,
وهل للانظمة القائمة غير المتوافقة مع التطور السريع في نظم المعلومات دور في تفشي الظاهرة؟,
وهل يمكن ادراك ما هو المستوى العلمي او الفكري الذي ننتظره لاجيالنا القادمة؟,
وما هو المستقبل المنتظر للوطن والامة الاسلامية تنمويا؟.
وهل هناك خطة محكمة لوقف هذه الممارسات بطريقة ما او باخرى؟.
لقد اصبح لهذه الظاهرة مصطلح وتعريف ودراسات علينا ان نبدا في الابحار فيها لمحاولة وقف هذا التوجه الفكري الخطير وحبذا لو حددنا فترة زمنية لعلاجها وتصحيح اوضاعنا خلالها لنتيقن من اننا على الطريق الصحيح.
لقد اطلق على عملية السرقة الادبية مصطلح (Plagiarism) الذي يعني: اعتبار عمل آخر كانه عملك, سواء كلمة بكلمة او جملة بجملة او كفكرة بشكل عام. وبالطبع اذا لم يكن مسبوقا بتصريح لنشره من صاحبه فهو تعدِّ على الحقوق الفكرية وحقوق الطبع وحقوق النشر. اما اذا سبق بتصريح للنشر ولكن لم يوثق باسم صاحب الحق فهو تعدِّ على اخلاقيات المهنة وفن الكتابة وادب الكلمة في المجتمع الادبي والفني والسياسي والاجتماعي(1).
لقد وجدت ان في وفي قواميس اللغة مثل "قاموس وبستر" فالكلمة ومشتقاتها تعني التالي:
Plagiarize -rized; -rizing [plagiary]: to steal and pass off (the ideas or words of another) as one's own : use (a created production) without crediting the source : to commit literary theft : present as new and original an idea or product derived from an existing source - - plagiarizer.
(2) Merriam Webster's Collegiate Dictionary, 10th edition, 1994.
اما في القواميس المترجمة من اللغة الانكليزية الى العربية مثل "قاموس المورد" فقد جاءت الكلمة ومشتقاتها تعني التالي:
الانتحال: انتحال آراء مؤلف آخر او كلماته, شئ منتحل : المنتحل لآراء مؤلف آخر : ينتحل آراء مؤلف آخر او كلماته : المنتحل لآراء غيره , انتحال آراء الغير.
المورد: قاموس انكليزي- عربي منير البعلبكي الطبعة (36), 2002م (3)
لقد صدر نظام حماية حقوق المؤلف الصادر من مجلس الوزراء، وبدأ تطبيقه فعلياً 15 مارس (آذار) 2004، كما صدر قرار مجلس الوزراء بالموافقة على إنشاء لجنة دائمة لحقوق الملكية الفكرية مكونة من وزارات الداخلية والخارجية والعدل والثقافة والإعلام والتجارة والصناعة والمالية والبترول والثروة المعدنية ومدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، بالإضافة إلى ديوان المظالم باعتباره الهيئة القضائية المختصة بالنظر في الدعاوى المتعلقة بحقوق الملكية الفكرية، ومقرها وزارة التجارة والصناعة، فهل تسري انظمتها على الجامعات ووزارة التعليم العالي.
نتطلع الان الى اعادة صياغة الانظمة المتعلقة بحفظ حقوق المؤلفين والكتاب والباحثين الفكرية والادبية سواء على المستوى الجامعي او النشر على مستوى المملكة, او نشر القائم منها والاهتمام بصرامة تنفيذها عن طريق توحيد جهة التنفيذ وآلية التنفيذ. وبما ان الرقابة والمتابعة هي اساس ضبط العملية فليت تشكيل اللجان يكون متعددا وحسب التخصصات, وتتبع مرجعية محددة سواء في وزارة التعليم العالي او على مستوى المملكة. ولا ننسى ان يندرج تحت عمل هذه اللجان متابعة الابحاث التي مازالت تحت الاجراء والكتب المعدة للنشر والايداع والبيع لضمان تعديل الدفة قبل فوات الاوان وتصحيح الوضع مع اقرار عقوبات متدرجة لا متعسفة لان الهدف هو وقف التطاول مع العلم بالمقدرة على الابداع.
ان في جزئية الاقتباس قد يتطاول باحث وبكل سذاجة على احد الابحاث ناسبا اياه او فكرته له ومن ثم يبدا البحث فيه مشعرا نفسه حتى يصدقها بان هذا عمله, وهو لم يقم الا بطرحه في زمن مختلف وببعض التعديلات لاخفاء ملامح النص الاساسي وتغيير اسم الكاتب او المؤلف. لذلك نحتاج الى وقفة صارمة في مجتمعنا الاكاديمي لحماية بعضنا البعض والارتقاء بالفكر الابداعي فكثيرا ما يكون لدى المقتبس قدرة كامنة لا يعرف مداها ويكسل عن ابرازها فيتجرأ على غيره لاستسهال الوصول بسرعة, ولكن لو ان ذلك قوبل بالرفض ومن قبل كافة من لهم الحق في الاشراف على الدراسات والابحاث العلمية نظرية كانت ام عملية, فان غدنا سيكون اكثر اشراقا وابداعنا سيكون متميزا ووضعنا سيقاس بتقدمه لا بتخلفه.
لقد وجد ان 40-70% من طلاب الجامعة يقومون بالغش بهذه الوسيلة (3, 4). وبالبحث في الدوافع وجد انها تنحصر في: ضغط الحصول على اعلى الدرجات, والمنافسة الشديدة على التقارب مع الحاصلين على اعلى الدرجات, مساعدة صديق او زميل في عجالة, طلبات كليات لا يمكن ان تتم في الوقت المسموح انجاز العمل فيه, تساهل بعض الكليات امام دقة مصادر المعلومات, غياب اخلاقيات التعليم وتفشي التضليل الاكاديمي بين الطلاب انفسهم (6,5,4,3).
هناك حاجة لدراسة متعمقة في هذا الموضوع فقد تتبين وتتضح حجم الخسائر الادبية والنفسية والاخلاقية وبالطبع العلمية التي سنعاني منها اذا ما استشرى هذا الوضع وصعب معه تتبعه. من ناحية اخرى ايجاد اسلوب عمل منظم ومنهجي حتى يتم ايقاف هذا الانحدار العلمي الذي قد يستسهله بعض الباحثين ومن اراد ارتقاء سلم المجد من اسرع الطرق واوسع الابواب. هذا ايضا سيلقي بمسئولية جديدة على الاستاذ مدرسا ام مشرفا على اطروحة او بحث او مقال ان يتوخى التوثيق مع الحرص على تحلي الطلبة بروح الابتكار والابداع والتخلي من جانبه تدريجيا عن حسن النوايا المفرطة لتعويد الطلاب (ذكورا واناثا) على استخدام الفكر بشكل دائم وتحري الاصالة في الانتاج الفكري, حيث هؤلاء هم جيل الاحلال المنتظر ووصل الامس بالغد. في الواقع نريد ان يكون هذا الجيل قدوة لمن بعده كما كان سلفنا قدوة لنا, فلم لا يواصل الباحث الليل بالنهار بحثا عن فكرة تحفظ له استمرارية النشر بنفس الاداب والاخلاقيات وتخوله الاستفادة من بحثه اكاديميا ويحظى بتقدير الناس اجتماعيا؟.
من وجهة نظري فهذا هو "التضليل الادبي" او "التضليل الأكاديمي", ولكن من سيتصدى له لريثما يحجم موضوع السرقات الادبية في المؤسسات الاكاديمية؟. في البداية من المفترض ان تكون هناك استراتيجبات مدروسة تنفذ من خلال خطط تفصيلية تنفيذية من شانها رفع معنويات الطلاب وتعزز الروح التعليمية لديهم, وجعلهم يتبنون الامانة العلمية والصدق في المعاملة على الاقل على مستوى المعلومة العلمية(7). ثم من بعد ذلك من المفترض توفير المعلومات ومصادرها بشكل متوازن بين جميع الطلاب والطالبات وبدون تمييز. من المهم جدا بعد ذلك مواجهة السرقة الادبية مباشرة واخراجها للسطح حتى يعتبر الاخرون خصوصا وقد انتموا لأرقى الصروح في المجتمع واصبحوا من ارقى شرائحه. في المقابل, على الادارة المختصة بالجامعة او بالكلية او القسم وحسب النظم المتبعة القيام بخطوات توجيهية مثل:
اشعار الطالب بمعايير الدراسة في مثل هذه الصروح العلمية
ايضاح مدى فداحة القيام بهذا العمل وماهية تصرف الادارة ضده
واتخاذ تدابير وقائية مثل:
تقليل فرص تمكين الطلاب من القيام بالقص واللزق.
ابراز مدى حرص الادارة على امانة اداء العملية التعليمية بشكل عام وان غير ذلك لا يقبل في وسط هذا الصرح بتاتا وذلك في اقرب فرصة.
عدم التواني او التململ في مواجهة القائم بهذا الاسلوب وتطبيق العقوبات وتنفيذ اللوائح بكل من ثبت قيامه بذلك.
قد اكون مبالغة في تصوري ولكن هناك توجه عالمي نحو حفظ الحقوق الفكرية, واذا ما تبنيناه ونحن في طريقنا لتنقيح المعايير العلمية لنظام التعليم العالي فستحقق جامعاتنا مرجعية فيما سبقت به غيرها من تنظيمات وماقامت به من دراسات وابحاث علمية في هذا المجال والمجالات الاخرى باذن الله. والله من وراء القصد.
المصادرالعربية والاجنبية
1- منير البعلبكي (2002م). المورد: قاموس انكليزي- عربي.-ط 36.
http://www.nolo.com/glossary.cfm
Merriam Webster's Collegiate Dictionary, 10th edition, 1994.
Aiken, L. R. "Detecting, Understanding, and Controlling for Cheating on Tests." Research in Higher Education, 1991, 32(6), 725-736.
Davis, S. F., Grover, C. A., Becker, A. H., and McGregor, L. N. "Academic Dishonesty: Prevalence, Determinants, Techniques, and Punishments." Teaching of Psychology, 1992, 19(l), 16-20.
Barnett, D. C., and Dalton, J. C. "Why College Students Cheat." Journal of College Student Personnel, 1981, 22(6), 545-551.
Roberts, D., and Rabinowitz, W. "An Investigation of Student Perceptions of Cheating in Academic Situations." Review of Higher Education, 1992, 15(2), 179-190.
Preventing Academic Dishonesty http://teaching.berkeley.edu/bgd/prevent.html.
المصدر
مجلة المعلوماتيه