فوزيه الخليوي
12-16-2008, 09:21 AM
ظاهرة العنف الأسري
لم يكن من المعروف في بلادنا ومجتمعنا، ولا مقبولاً، أن يرفع الابن صوته أمام أبيه. وكانت جريمة لاتغتفر إذا ما أقدم الابن على التدخين أو التلفظ بألفاظ نابية أمام والديه.
ولم يكن يتصور أحد على الإطلاق أن يثور الابن، أو يخرج عن طوره أو يفقد صبره على والدته أو خالته وعمته. أما رفع اليد على هؤلاء أو أحد من الكبار فهو أمر غير وارد ونتائجه وخيمة على من يرتكب مثل هذا العقوق.
أما الجد والجدة فهما كانا في منزلة عليا لايقترب منها الشباب إلا بكل وقار وإجلال. هؤلاء هم أسياد العائلة وأساسها ومربطها.
وكان الأخ الصغير لا يخاطب شقيقه الكبير إلا بكلمة « يا سيدي» في أغلب الأحوال، ولايجلس إلا بعد أن يتخذ الكبير مقعده في المجلس، ولا يعلو صوته على صوت الكبار.
كان تقبيل يد الأب والأم والجد والجدة، وتقبيل رأس أو جبين الكبار من الأقرباء مثل الخالة والخال والعمة والعم، بل وحتى بعض كبار الجيران المقربين، أمراً شائعاً يدل على حسن التربية والنشأة واحترام التقاليد وطيب الخلق.
كان الكبار يعطفون على الصغار ويظهرون لهم الإحساس بالمحبة والتسامح، ولايبخلون عليهم بالنصح الجميل أحياناً وبالشدة الحانية عند اللزوم. فالكبار من أفراد العائلة أو من الجيران لهم مكانتهم الوقورة التي لا تمس وتقديرهم الصادق. كان للكبار منزلة كبيرة تقترب من القدسية.
ثم دارت الأيام بنا واختلفت المعايير، أو هكذا نبرر ما تغير في حياتنا. وتحولنا من حال جميل تسوده المودة والبساطة إلى حال آخر تسوده الأنانية وحب الذات والضياع النفسي، وهجوم عادات غريبة لم نكن نعرفها. هل هي ضريبة حضارة العصر؟
تكدر صفو النفوس، وعشعش الهم في القلوب، وتحول كل شيء إلى عكسه، وأصبح «كل من إيده إله». إزداد التباعد والأنانية وبالتالي انعزالية الفرد وتقوقعه في عزلة خاصة، لا يرى فيها أبعد من أنفه، ولا يشارك في سعادة أو أحزان الآخرين إلا تظاهراً.
ضعفت الخلية الأساسية في تركيبة المجتمع، وهي العائلة، فانقسمت إلى عدة عوائل متناثرة تسير في اتجاهات مختلفة بلا رابط، مثل الخلية الهلامية. وانتشرت الجملة المعروفة «أيامكم غير أيامنا»، دون أن نسأل أيها كانت الأجمل والأحلى.
اتسعت الشقة بين الابن والأب، وبين الابن والأم والأشقاء، وتباعدت النفوس تدريجياً، وإن بقيت بعض المظاهر على خجل كذكرى جميلة تعيدنا إلى عهد جميل مضى.
أخيراً أشرفت علينا طلائع الكارثة، نذير شؤم آخذ في التحول إلى ظاهرة اجتماعية، أسماها البعض «العنف الأسري» وهي ظاهرة كانت بدايتها في ما يمكن تسميته «التفكك الأسري».
لأول مرة أسمع فيها أن هناك طفلاً في الثالثة من العمر في إحدى مناطق المملكة يتوفى إثر تعرضه لعنف شديد وللضرب على أنحاء متفرقة من جسده فارق على إثره الحياة. من يصدق أن طفلاً في الثالثة من العمر يتعرض لمثل هذا، ونحن في بلد جُبل على خشية الله ومراعاة الضمير؟
هناك أيضاً نموذج تلك المرأة التي تعرضت للضرب حتى الموت في إحدى المناطق. وهناك نموذج ثالث للقسوة التي لا يصدقها عقل يتمثل في زوجة الأب التي كانت تعذب ابن زوجها الصغير الذي لم يتعد الثالثة عشرة من العمر، وتضربه بضعة مرات يومياً، وتجعله يقف لساعات طويلة على رجل واحدة إلى أن أصيب بأمراض جسدية ونفسية بالغة قد تبقى معه طيلة العمر، إلى درجة أن اضطرت المدرسة إلى إعادته إلى منزله بسبب سوء حالته النفسية. كيف يمكن لنا أن نصدق أن مثل هذه الوحشية التي كان يتعرض لها ذلك الطفل الصغير كانت تتم بمعرفة والده الذي تحجر قلبه وتحول إلى وحش لايستحق أن يكون له أبناء أو بنات؟
النماذج كثيرة لما يسمى بظاهرة العنف الأسري في بلادنا، وهي ليست فقط مخالفة لتعاليم ديننا الحنيف والشريعة السمحة، وإنما هي تتعارض مع جميع أنظمة حقوق الإنسان الذي كرّمه الله.
أسباب هذه الظاهرة الغريبة على مجتمعنا تحتاج إلى أبحاث ميدانية ودراسات اجتماعية جادة من قبل المختصين في الجامعات ووزارة الشئون الاجتماعية ومنظمات حقوق الإنسان، وإيجاد الحلول المناسبة لها على الأمد الطويل والمتوسط قبل أن تستفحل وتتحول إلى مرض اجتماعي خطير.
ولكن مما لا شك فيه أن من الأسباب المؤدية إلى هذا العنف هو التفكك الأسري، إضافة إلى الضغوط النفسية القاسية التي تؤدي إلى أمراض نفسية قد تؤدي بدورها إلى الجنون وفقدان الفؤاد والبصيرة والشعور الإنساني. وقد يكون ذلك نتيجة وضع اقتصادي سيئ، أو مشاكل صحية، أو إحساس بالفشل أو ما شابه ذلك.
المهم ألاّ تستفحل هذه الظاهرة وتنتشر في مجتمع لم يكن ملائكياً في يوم ما، وإنما كان مجتمعاً تسود فيه المحبة والوئام، والترابط الأسري وحب الخير وتبجيل الكبير والعطف على الصغير، في زمن جميل نقي غير بعيد.
لم يكن من المعروف في بلادنا ومجتمعنا، ولا مقبولاً، أن يرفع الابن صوته أمام أبيه. وكانت جريمة لاتغتفر إذا ما أقدم الابن على التدخين أو التلفظ بألفاظ نابية أمام والديه.
ولم يكن يتصور أحد على الإطلاق أن يثور الابن، أو يخرج عن طوره أو يفقد صبره على والدته أو خالته وعمته. أما رفع اليد على هؤلاء أو أحد من الكبار فهو أمر غير وارد ونتائجه وخيمة على من يرتكب مثل هذا العقوق.
أما الجد والجدة فهما كانا في منزلة عليا لايقترب منها الشباب إلا بكل وقار وإجلال. هؤلاء هم أسياد العائلة وأساسها ومربطها.
وكان الأخ الصغير لا يخاطب شقيقه الكبير إلا بكلمة « يا سيدي» في أغلب الأحوال، ولايجلس إلا بعد أن يتخذ الكبير مقعده في المجلس، ولا يعلو صوته على صوت الكبار.
كان تقبيل يد الأب والأم والجد والجدة، وتقبيل رأس أو جبين الكبار من الأقرباء مثل الخالة والخال والعمة والعم، بل وحتى بعض كبار الجيران المقربين، أمراً شائعاً يدل على حسن التربية والنشأة واحترام التقاليد وطيب الخلق.
كان الكبار يعطفون على الصغار ويظهرون لهم الإحساس بالمحبة والتسامح، ولايبخلون عليهم بالنصح الجميل أحياناً وبالشدة الحانية عند اللزوم. فالكبار من أفراد العائلة أو من الجيران لهم مكانتهم الوقورة التي لا تمس وتقديرهم الصادق. كان للكبار منزلة كبيرة تقترب من القدسية.
ثم دارت الأيام بنا واختلفت المعايير، أو هكذا نبرر ما تغير في حياتنا. وتحولنا من حال جميل تسوده المودة والبساطة إلى حال آخر تسوده الأنانية وحب الذات والضياع النفسي، وهجوم عادات غريبة لم نكن نعرفها. هل هي ضريبة حضارة العصر؟
تكدر صفو النفوس، وعشعش الهم في القلوب، وتحول كل شيء إلى عكسه، وأصبح «كل من إيده إله». إزداد التباعد والأنانية وبالتالي انعزالية الفرد وتقوقعه في عزلة خاصة، لا يرى فيها أبعد من أنفه، ولا يشارك في سعادة أو أحزان الآخرين إلا تظاهراً.
ضعفت الخلية الأساسية في تركيبة المجتمع، وهي العائلة، فانقسمت إلى عدة عوائل متناثرة تسير في اتجاهات مختلفة بلا رابط، مثل الخلية الهلامية. وانتشرت الجملة المعروفة «أيامكم غير أيامنا»، دون أن نسأل أيها كانت الأجمل والأحلى.
اتسعت الشقة بين الابن والأب، وبين الابن والأم والأشقاء، وتباعدت النفوس تدريجياً، وإن بقيت بعض المظاهر على خجل كذكرى جميلة تعيدنا إلى عهد جميل مضى.
أخيراً أشرفت علينا طلائع الكارثة، نذير شؤم آخذ في التحول إلى ظاهرة اجتماعية، أسماها البعض «العنف الأسري» وهي ظاهرة كانت بدايتها في ما يمكن تسميته «التفكك الأسري».
لأول مرة أسمع فيها أن هناك طفلاً في الثالثة من العمر في إحدى مناطق المملكة يتوفى إثر تعرضه لعنف شديد وللضرب على أنحاء متفرقة من جسده فارق على إثره الحياة. من يصدق أن طفلاً في الثالثة من العمر يتعرض لمثل هذا، ونحن في بلد جُبل على خشية الله ومراعاة الضمير؟
هناك أيضاً نموذج تلك المرأة التي تعرضت للضرب حتى الموت في إحدى المناطق. وهناك نموذج ثالث للقسوة التي لا يصدقها عقل يتمثل في زوجة الأب التي كانت تعذب ابن زوجها الصغير الذي لم يتعد الثالثة عشرة من العمر، وتضربه بضعة مرات يومياً، وتجعله يقف لساعات طويلة على رجل واحدة إلى أن أصيب بأمراض جسدية ونفسية بالغة قد تبقى معه طيلة العمر، إلى درجة أن اضطرت المدرسة إلى إعادته إلى منزله بسبب سوء حالته النفسية. كيف يمكن لنا أن نصدق أن مثل هذه الوحشية التي كان يتعرض لها ذلك الطفل الصغير كانت تتم بمعرفة والده الذي تحجر قلبه وتحول إلى وحش لايستحق أن يكون له أبناء أو بنات؟
النماذج كثيرة لما يسمى بظاهرة العنف الأسري في بلادنا، وهي ليست فقط مخالفة لتعاليم ديننا الحنيف والشريعة السمحة، وإنما هي تتعارض مع جميع أنظمة حقوق الإنسان الذي كرّمه الله.
أسباب هذه الظاهرة الغريبة على مجتمعنا تحتاج إلى أبحاث ميدانية ودراسات اجتماعية جادة من قبل المختصين في الجامعات ووزارة الشئون الاجتماعية ومنظمات حقوق الإنسان، وإيجاد الحلول المناسبة لها على الأمد الطويل والمتوسط قبل أن تستفحل وتتحول إلى مرض اجتماعي خطير.
ولكن مما لا شك فيه أن من الأسباب المؤدية إلى هذا العنف هو التفكك الأسري، إضافة إلى الضغوط النفسية القاسية التي تؤدي إلى أمراض نفسية قد تؤدي بدورها إلى الجنون وفقدان الفؤاد والبصيرة والشعور الإنساني. وقد يكون ذلك نتيجة وضع اقتصادي سيئ، أو مشاكل صحية، أو إحساس بالفشل أو ما شابه ذلك.
المهم ألاّ تستفحل هذه الظاهرة وتنتشر في مجتمع لم يكن ملائكياً في يوم ما، وإنما كان مجتمعاً تسود فيه المحبة والوئام، والترابط الأسري وحب الخير وتبجيل الكبير والعطف على الصغير، في زمن جميل نقي غير بعيد.