الصحفي الطائر
12-16-2008, 01:10 AM
قصة حقيقية (ومن الحب ما قتل)
لا ادري هل هو عناد المراهقة أم طيش أوائل الشباب؟
بدئت قصة مريضي العزيز منذ السنوات الأولى من عمره.فقد كان الطفل الذي أتى بعد طول انتظار.
جلس ذلك الأب يحكي قصة ابنه الذي وضع فيه كل أحلامه المستقبلية.
كانت الكلمات تخرج من فم الأب ممزوجة بالحزن و الأسى على ما وصل إليه حال ابنه.
بدأ ذلك الأب حديثه معي:
انتظرت هذا الابن سنوات طويلة ,فقد كان نعمة الله علينا بعد طول انتظار و عناء. ترددنا في تلك السنوات على عيادات الأطباء بحثا عن الإنجاب.
لا أستطيع أن اصف لك فرحتنا عندما اخبرنا الطبيب بان ذلك الحلم قد اصبح واقعا. انتظرنا تلك الأشهر التي مرت كأنها سنوات حتى جاء ذلك اليوم و اكتملت فرحة الحلم بهذا الابن الغالي.
مرت بنا الأيام و الشهور و فرحتنا تزداد و نحن نراه يكبر أمامنا . مع كل ثانية في عمره كنا نغرقه في بحور حبنا الزائد له. و لكن لا ادري هل هو هذا الحب الزائد أو الدلال الذي أحطناه به؟
كنت ألاحظ كثيرا من العناد في سلوكه. و كثيرا ما لفت نظر والدته لتصرفاته السيئة , ولكن دائما ما كنا نجد له العذر و كنا دائما نقول لعل هذا بسبب صغر سنه.
حتى جاء ذلك اليوم الذي حملناه فيه إلى الطبيب و هو في سن الثامنة من عمره بعد أن لاحظت أمه كثرت تبوله و النقص الحاد في وزنه.
لا ادري ماذا أقول لك عن مشاعرنا و مدى الألم الذي شعرنا به و نحن نسمع من الطبيب أن ابننا مصاب بداء السكري و انه يحتاج إلى حقن الأنسولين بصورة يومية.
تحملنا تلك الصدمة و حمدنا الله على ما ابتلانا به.
زاد اهتمامنا بالابن و زاد عناده و سلوكه العدواني والذان كانا يزدادان مع تقدمه في العمر.
كان لا يقبل عدم الاستجابة لطلباته مهما كانت, وكنا لا نحتمل عدم الاستجابة لطلباته خاصة بعد معرفتنا بمرضه. كان لا يهتم كثيرا بمتابعة حالته الصحية , بل كنت أنا من يذهب به إلى الطبيب و من يترجاه أن يلتزم بأخذ جرعات الأنسولين اليومية و من يذهب إلى الطبيب لأصرف له العلاج . لن أنسى أسئلتك عنه عدما احضر لصرف العلاج . كنت اعلم انك لم تصدق أعذاري في عدم تمكنه من الحضور,فقد كنت اعلم انه لا يرغب في الحضور و لكني كنت أتتحجج بمرضه و وجوده بالمدرسة أو حتى سفره خارج مدينتا.
مازلت اذكر عندما تعرض لذلك الحادث,فقد كان يقود سيارته بجنون و اصطدم بأحد أعمدة الإنارة في الطريق. ما زلت اذكر دموع والدته و هي تجلس بالقرب منه داعية الله أن ينجيه من هذا الحادث.والحمد لله أنجاه الله و تفاءلنا أن يعتدل سلوكه بعد تلك التجربة و لكن استمر كما هو من عناد و عدم مسؤولية.
حتى جاء ذلك اليوم الذي لاحظت أن هناك ضماد ابيض يغطي رجله اليمنى.سألته عن السبب فأجابني أن قدمه قد جرحت أثناء لعبه كرة القدم مع زملائه في أحد الشوارع.
مرت أيام على ذلك الحديث و أنا ألح عليه أن يزور طبيبه ليطمئن على حالة قدمه. كان يكذب علينا و يدعي انه قد ذهب إلى الطبيب و أن إصابة قدمه بسيطة لا تحتاج غير الغيار .
بعد أسابيع غادر ولدي إلى مدينة أخرى لاكمال دراسته.كنت أتسال ماذا سيفعل هناك , و من شدة خوفنا عليه كانت والدته تلح في مرافقته .
أخذته منا تلك الغربة . كان يزورنا في الإجازات الدراسية.كنت ألح عليه و اجبره في بعض المرات أن يأتي لزيارتك بالعيادة ليقوم بعمل الفحوصات اللازمة.
كنت اعلم انه يتهرب و يرفض الفحوصات الدورية و لكن كان اكثر ما يخيفني ذلك الضماد الذي عاد لوضعه على قدمه.
أخيرا قررت أن أرافقه لاعرف ماذا يخفي ذلك الضماد!
لا اكتمك مدى حزني عندما شاهدت ماذا يخفي ذلك الضماد. مازلت اذكر وقفتي بجواره عندما حضرت لتزيل ذلك الضماد و تشاهد تلك القرحة التي التهمت جزاء كبيرا من باطن قدمه وقد أصابها الخمج. لا أنسى إصرارك بإحالة ابني إلى اختصاصي القدم السكرية.
قرر الطبيب أن يدخل ابني إلى المستشفى لعمل مزيد من الفحوصات المخبرية و الإشعاعية. كنت ألاحظ ملامح الطبيب و هو يناظر قدم ابني,لا اخفي عليك أن نظرات الطبيب القلقة جعلتني اشعر بالخوف الشديد. بدا الفريق المتابع بضبط مستوى جلوكوز الدم لدى ابني .مرت تلك الليلة ثقيلة على قلبي . ما إن اشرق صباح اليوم التالي حتى صرنا نعد الساعات ننتظر موعد الطبيب لنعرف نتائج الفحوصات.
أسرعنا لنلتقي بالطبيب و الذي اخبرنا بان تلك القرحة ما هي إلا قمة جبل الجليد,فقد كانت الإصابة قد امتدت إلى عظام القدم واصبح ابني يعاني من خمج أصاب عظام القدم و الأنسجة المحيطة بها وقد ساعد في انتشار الإصابة ارتفاع السكر و فقد الإحساس بالألم في القدمين.أسرعت بسؤال الطبيب و ما هو العلاج , أجابني لابد من التدخل الجراحي لوقف ذلك الخمج. شعرنا بالصدمة و لكن استسلمنا لقضاء الله و قدره.
و الحمد لله تم عمل الجراحة لولدي و إزالة تلك العظام التي أصابها الخمج و ضبط مستوى الجلوكوز بالدم و كما ترى نحن نجلس بانتظار موعدنا لمقابلة اختصاصي القدم السكرية لمتابعة حالة قدم ابني.
التفت إلى ذلك الشاب الجالس بجوار محدثي و نظرت في عينيه ابحث عن نظرة ندم على ما أوصل نفسه إليه . امتلأت نظرات ذلك الشاب بالخوف من المستقبل, فقد كان بداخله خوف كبير بان فقد قدمه قد يصبح حائلا لتقدم مسيرة حياته و يصيبه بالعجز في هذه السن المبكرة.
كانت لحظة ندم بداخل ذلك الشاب و لحظة خوف بداخل ذلك الأب.
نادت الممرضة على اسم ذلك الشاب تدعوه للدخول لمقابلة الطبيب.قام الشاب يستند على يد والده وغابا داخل تلك الغرفة.
قمت من مجلسي و أنا اردد بداخلي : فعلا ومن الحب ما قتل.
فقد كان لفرط حب هذين الوالدين لابنهما الوحيد و فرط دلالهما له ذلك الأثر السالب على مستقبل حياته.تناسى الوالدين أن يربيا ابنهما على العناية بذاته خاصة بعد إصابته بالسكري.
اخوتي وأخواتي ..
إن إصابة الطفل بالسكري لا يعني انه قد اصبح طفلا معاقا عاجزا عن العناية بنفسه و لا يعني أن يترك دون تقويم و إصلاح , بل هو اكثر حوجة للتنشئة السليمة و الصالحة ليصبح عونا لذاته عندما يكبر.
د/ المعتز الخير احمد
المملكة العربية السعودية
القريات الشمال
ص.ب 238
مستشفى الملك فيصل
مركز السكر
لا ادري هل هو عناد المراهقة أم طيش أوائل الشباب؟
بدئت قصة مريضي العزيز منذ السنوات الأولى من عمره.فقد كان الطفل الذي أتى بعد طول انتظار.
جلس ذلك الأب يحكي قصة ابنه الذي وضع فيه كل أحلامه المستقبلية.
كانت الكلمات تخرج من فم الأب ممزوجة بالحزن و الأسى على ما وصل إليه حال ابنه.
بدأ ذلك الأب حديثه معي:
انتظرت هذا الابن سنوات طويلة ,فقد كان نعمة الله علينا بعد طول انتظار و عناء. ترددنا في تلك السنوات على عيادات الأطباء بحثا عن الإنجاب.
لا أستطيع أن اصف لك فرحتنا عندما اخبرنا الطبيب بان ذلك الحلم قد اصبح واقعا. انتظرنا تلك الأشهر التي مرت كأنها سنوات حتى جاء ذلك اليوم و اكتملت فرحة الحلم بهذا الابن الغالي.
مرت بنا الأيام و الشهور و فرحتنا تزداد و نحن نراه يكبر أمامنا . مع كل ثانية في عمره كنا نغرقه في بحور حبنا الزائد له. و لكن لا ادري هل هو هذا الحب الزائد أو الدلال الذي أحطناه به؟
كنت ألاحظ كثيرا من العناد في سلوكه. و كثيرا ما لفت نظر والدته لتصرفاته السيئة , ولكن دائما ما كنا نجد له العذر و كنا دائما نقول لعل هذا بسبب صغر سنه.
حتى جاء ذلك اليوم الذي حملناه فيه إلى الطبيب و هو في سن الثامنة من عمره بعد أن لاحظت أمه كثرت تبوله و النقص الحاد في وزنه.
لا ادري ماذا أقول لك عن مشاعرنا و مدى الألم الذي شعرنا به و نحن نسمع من الطبيب أن ابننا مصاب بداء السكري و انه يحتاج إلى حقن الأنسولين بصورة يومية.
تحملنا تلك الصدمة و حمدنا الله على ما ابتلانا به.
زاد اهتمامنا بالابن و زاد عناده و سلوكه العدواني والذان كانا يزدادان مع تقدمه في العمر.
كان لا يقبل عدم الاستجابة لطلباته مهما كانت, وكنا لا نحتمل عدم الاستجابة لطلباته خاصة بعد معرفتنا بمرضه. كان لا يهتم كثيرا بمتابعة حالته الصحية , بل كنت أنا من يذهب به إلى الطبيب و من يترجاه أن يلتزم بأخذ جرعات الأنسولين اليومية و من يذهب إلى الطبيب لأصرف له العلاج . لن أنسى أسئلتك عنه عدما احضر لصرف العلاج . كنت اعلم انك لم تصدق أعذاري في عدم تمكنه من الحضور,فقد كنت اعلم انه لا يرغب في الحضور و لكني كنت أتتحجج بمرضه و وجوده بالمدرسة أو حتى سفره خارج مدينتا.
مازلت اذكر عندما تعرض لذلك الحادث,فقد كان يقود سيارته بجنون و اصطدم بأحد أعمدة الإنارة في الطريق. ما زلت اذكر دموع والدته و هي تجلس بالقرب منه داعية الله أن ينجيه من هذا الحادث.والحمد لله أنجاه الله و تفاءلنا أن يعتدل سلوكه بعد تلك التجربة و لكن استمر كما هو من عناد و عدم مسؤولية.
حتى جاء ذلك اليوم الذي لاحظت أن هناك ضماد ابيض يغطي رجله اليمنى.سألته عن السبب فأجابني أن قدمه قد جرحت أثناء لعبه كرة القدم مع زملائه في أحد الشوارع.
مرت أيام على ذلك الحديث و أنا ألح عليه أن يزور طبيبه ليطمئن على حالة قدمه. كان يكذب علينا و يدعي انه قد ذهب إلى الطبيب و أن إصابة قدمه بسيطة لا تحتاج غير الغيار .
بعد أسابيع غادر ولدي إلى مدينة أخرى لاكمال دراسته.كنت أتسال ماذا سيفعل هناك , و من شدة خوفنا عليه كانت والدته تلح في مرافقته .
أخذته منا تلك الغربة . كان يزورنا في الإجازات الدراسية.كنت ألح عليه و اجبره في بعض المرات أن يأتي لزيارتك بالعيادة ليقوم بعمل الفحوصات اللازمة.
كنت اعلم انه يتهرب و يرفض الفحوصات الدورية و لكن كان اكثر ما يخيفني ذلك الضماد الذي عاد لوضعه على قدمه.
أخيرا قررت أن أرافقه لاعرف ماذا يخفي ذلك الضماد!
لا اكتمك مدى حزني عندما شاهدت ماذا يخفي ذلك الضماد. مازلت اذكر وقفتي بجواره عندما حضرت لتزيل ذلك الضماد و تشاهد تلك القرحة التي التهمت جزاء كبيرا من باطن قدمه وقد أصابها الخمج. لا أنسى إصرارك بإحالة ابني إلى اختصاصي القدم السكرية.
قرر الطبيب أن يدخل ابني إلى المستشفى لعمل مزيد من الفحوصات المخبرية و الإشعاعية. كنت ألاحظ ملامح الطبيب و هو يناظر قدم ابني,لا اخفي عليك أن نظرات الطبيب القلقة جعلتني اشعر بالخوف الشديد. بدا الفريق المتابع بضبط مستوى جلوكوز الدم لدى ابني .مرت تلك الليلة ثقيلة على قلبي . ما إن اشرق صباح اليوم التالي حتى صرنا نعد الساعات ننتظر موعد الطبيب لنعرف نتائج الفحوصات.
أسرعنا لنلتقي بالطبيب و الذي اخبرنا بان تلك القرحة ما هي إلا قمة جبل الجليد,فقد كانت الإصابة قد امتدت إلى عظام القدم واصبح ابني يعاني من خمج أصاب عظام القدم و الأنسجة المحيطة بها وقد ساعد في انتشار الإصابة ارتفاع السكر و فقد الإحساس بالألم في القدمين.أسرعت بسؤال الطبيب و ما هو العلاج , أجابني لابد من التدخل الجراحي لوقف ذلك الخمج. شعرنا بالصدمة و لكن استسلمنا لقضاء الله و قدره.
و الحمد لله تم عمل الجراحة لولدي و إزالة تلك العظام التي أصابها الخمج و ضبط مستوى الجلوكوز بالدم و كما ترى نحن نجلس بانتظار موعدنا لمقابلة اختصاصي القدم السكرية لمتابعة حالة قدم ابني.
التفت إلى ذلك الشاب الجالس بجوار محدثي و نظرت في عينيه ابحث عن نظرة ندم على ما أوصل نفسه إليه . امتلأت نظرات ذلك الشاب بالخوف من المستقبل, فقد كان بداخله خوف كبير بان فقد قدمه قد يصبح حائلا لتقدم مسيرة حياته و يصيبه بالعجز في هذه السن المبكرة.
كانت لحظة ندم بداخل ذلك الشاب و لحظة خوف بداخل ذلك الأب.
نادت الممرضة على اسم ذلك الشاب تدعوه للدخول لمقابلة الطبيب.قام الشاب يستند على يد والده وغابا داخل تلك الغرفة.
قمت من مجلسي و أنا اردد بداخلي : فعلا ومن الحب ما قتل.
فقد كان لفرط حب هذين الوالدين لابنهما الوحيد و فرط دلالهما له ذلك الأثر السالب على مستقبل حياته.تناسى الوالدين أن يربيا ابنهما على العناية بذاته خاصة بعد إصابته بالسكري.
اخوتي وأخواتي ..
إن إصابة الطفل بالسكري لا يعني انه قد اصبح طفلا معاقا عاجزا عن العناية بنفسه و لا يعني أن يترك دون تقويم و إصلاح , بل هو اكثر حوجة للتنشئة السليمة و الصالحة ليصبح عونا لذاته عندما يكبر.
د/ المعتز الخير احمد
المملكة العربية السعودية
القريات الشمال
ص.ب 238
مستشفى الملك فيصل
مركز السكر