المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : فاعلية برنامج إرشادى فى خفض الضغوط النفسية لدى الأمهات وأثر ذلك على توافق أطفالهن ضعاف السمع


معلم متقاعد
05-21-2013, 08:52 PM
فاعلية برنامج إرشادى فى خفض الضغوط النفسية لدى الأمهات وأثر ذلك على توافق أطفالهن ضعاف السمع



إعداد
د/ مصطفى على رمضان مظلوم
مدرس الصحة النفسية – كلية التربية ببنها


مقدمة:
يعد اكتشاف الإعاقة السمعية لدى الطفل بداية لسلسلة من الضغوط النفسية لدى الوالدين عامة ، والأمهات خاصة ، وما يصاحب ذلك من شعور بالذنب والخجل والاكتئاب والغضب والقلق والحزن والأسى ولوم الذات أو إلقاء اللوم على الآخرين والخوف على مستقبل الطفل فضلاً عن استبعاد الوالدين إمكانية بعض النجاحات التى كانا يتمنيان رؤيتها فى طفلهما. وهكذا تختفى كثير من الآمال والأحلام والتوقعات المرتبطة بالطفل عند اكتشاف إعاقته.
فقد أوضحت نتائج دراسات عديدة أن أمهات وأباء الأطفال المعاقين سمعياً يتعرضون لمستويات عالية من الضغوط النفسية.
(زيدان السرطاوى ، 1991؛ منى الحديدى وآخرون ، 1994) (Meadow, 1995;Manfred, 2000)
كما أوضحت نتائج بعض الدراسات أن أمهات الأطفال المعاقين سمعياً يعانين من ضغوط نفسية مرتفعة بالمقارنة بالآباء. (Meadow, 1995:352-353)


ويمكن تبرير ما تعانيه الأم من ضغوط نفسية مرتفعة إلى دورها المهم فى حياة طفلها المعاق سمعياً ، فهى أكثر أعضاء الأسرة قلقاً عليه واهتماماً به وحرصاً على إشباع حاجاته اليومية.
وتؤثر الضغوط النفسية التى يتعرض لها الوالدان وبخاصة الأم على توافق طفلهما المعاق سمعياً ، فقد أكدت نتائج دراسات عديدة على أن المشكلات السلوكية وسوء التوافق لدى المعاقين سمعياً ترجع إلى حدة انفعالات الوالدين والضغوط النفسية التى يتعرضان لها. (Greenberg, 1983; Watson, 1986; Prior, et al, 1988)
لذا فإن إرشاد الوالدين – وخاصة الأم – ومساندتهما لمواجهة تلك الضغوط والعمل على الحد من تأثيراتها النفسية يمكن أن يلعب دوراً مهماً فى تحسيـن توافـق طفلهما المعاق سمعياً.
ومن هنا رأى الباحث أن يعنى فى هذه الدراسة ببناء برنامج إرشادى يهدف إلى خفض الضغوط النفسية التى تتعرض لها الأمهات ومعرفة أثر ذلك على توافق أطفالهن ضعاف السمع.

مشكلة الدراسة:
يمكن صياغة مشكلة الدراسة الحالية فى التساؤلين التاليين:
1. ما مدى فاعلية البرنامج الإرشادى فى خفض الضغوط النفسية لدى أمهات الأطفال ضعاف السمع بعد تطبيق البرنامج؟ وهل تنعكس فاعلية البرنامج المقدم للأمهات على توافق أطفالهن ضعاف السمع؟
2. هل يمتد تأثير البرنامج فى خفض الضغوط النفسية للأمهات من جهة ، وتحسين توافق الأطفال ضعاف السمع من جهة أخرى – إن وجد – إلى ما بعد انتهاء تطبيق البرنامج بفترة زمنية منظورة (فترة المتابعة) ؟


أهمية الدراسة:
ترجع أهمية الدراسة إلى ما يلى:
1- الاستفادة من البرنامج المقترح فى مساعدة الأمهات على مواجهة الضغوط النفسية التى يتعرضن لها فى تنشئة أطفالهن ضعاف السمع مما يسهل عليهن القيام بدور الأمومة الفاعلة.
2- يمثل الأطفال ذو الإعاقة السمعية طاقة فى المجتمع لابد من استثمارها، وبالتالى فإن تحسين توافقهم يمكن أن يسهم فى الاستفادة مما لديهم من قدرات وإمكانات.


مصطلحات الدراسة:
1- البرنامج الإرشادى: Counseling Program
يعرف الباحث البرنامج الإرشادى المستخدم فى الدراسة بأنه برنامج مخطط منظم يتضمن تقديم خدمات إرشادية مباشرة وغير مباشرة لأمهات الأطفال ذوى الاحتياجات الخاصة (ضعاف السمع) ، وذلك بهدف خفض الضغوط النفسية الواقعة عليهن والناجمة عن إعاقة أطفالهن ، مما ينعكس بالإيجاب على توافق أطفالهن ضعاف السمع.
2- الضغوط النفسية لدى أمهات الأطفال المعاقين: Psychological Stress
يشير هذا المصطلح إلى التأثير السيئ الذى يحدثه وجود طفل معاق - وما يتسم به من خصائص سلبية - لدى الوالدين فيثير لديهم ردود فعل عقلية وانفعالية أو عضوية غير مرغوبة، تعرضهم للتوتر والضيق ، والقلق، والحزن ، والأسى ، كما قد يعانون من بعض الأعراض النفسية الجسمية التى تستنفذ طاقاتهم وتحول دون قدرتهم على التركيز فيما يقومون به من أعمال. (عبد العزيز الشخص وزيدان السرطاوى1998"ب" : 6)
ويقصد بها إجرائياً الدرجة التى تحصل عليها أمهات الأطفال ضعاف السمع على مقياس الضغوط النفسية من إعداد:عبد العزيز الشخص ، زيدان السرطاوى 1998.
3- التوافق : Adjustment
ويمكن الاستدلال عليه من خلال مجموعة الاستجابات على مجالات التوافق الثلاثة (الذاتى، المنزلى ، المدرسى) بقائمة تقدير التوافق للأطفال الصم. وقد أعد هذه القائمة عبد الوهاب كامل عام 1985. والمقتبسة من مقياس الرتب لتقدير سلوك الأطفال الذى أعده راسل ن . كاسل ونشرته هيئة WPS . وقد قام الباحث الحالى بإعادة تقنينها.
4- الأطفال ضعاف السمع: Hard of Hearing
وهم الأطفال الذين لديهم عجز جزئى فى حاسة السمع بدرجة لا تسمح لهم بالاستجابة الطبيعية للأغراض التعليمية والاجتماعية إلا فى ظروف خاصة وباستخدام معينات سمعية.



الإطار النظرى:
أولاً : الضغوط النفسية : Psychological Stress
o مفهوم الضغوط النفسية :
تعد الضغوط النفسية ظاهرة من ظواهر الحياة الإنسانية يخبرها الفرد فى مواقف وأوقات مختلفة من حياته اليومية، وهذا يتطلب منه توافقا مع البيئة التى يعيش فيها.
وتشير شوقية السمادونى (1993) إلى أن بعض الباحثين يرون أن قدراً من الضغوط النفسية يكاد يكون ضرورياً لمجابهة متطلبات الحياة اليومية ِ، وهذا هو الجانب الإيجابى للضغوط ، وهناك البعض الآخر ممن يرون أن التعرض المتكـرر للمواقـف الضاغطة يترتب عليه تأثيرات سلبية فى الحياة ، وهذا هو الجانب السلبى للضغوط.
(شوقية السمادونى ، 1993: 39)
ولقد اهتم بعض الباحثين بتعريف الضغوط النفسية ، فنجد فولكمان وآخرون Folkman, et al (1979) يعرفون الضغوط بأنها حالة ناشئة من عدم حدوث توازن بين المتطلبات المفروضة على الفرد وقدرته على الاستجابة لتلك المتطلبات.
(In: Calderon & Greenberg, 1999:8)
وتذهب فيولا الببلاوى (1988) إلى أن الضغوط هى تلك الحالة التى يتعرض فيهـا الفرد لظروف أو مطالـب تفرض عليه نوعاً من التوافق ، وتزداد تلك الحالة إلى درجة الخطر كلما ازدادت شدة الظروف أو المطالب أو استمرت لفترات طويلة. (فيولا الببلاوى، 1988: 4)
وتذكر شوقية السمادونى (1993) أن الضغوط النفسية حالة نفسية تنعكس فى ردود الفعل الداخلية (الجسمية) والسلوكية ، والناشئة عن التهديد الذى يدركه الفرد عندما يتعرض للمواقف أو الأحداث الضاغطة فى البيئة المحيطة. (شوقية السمادونى ، 1993: 45)
ويعرف موسى جبريل (1995) الضغط النفسى بأنه تلك الحالة الوجدانية التى يخبرها الفرد ، والناتجة عن أحداث وأمور تتضمن تهديداً لإحساسه بالحياة الهانئة ، وتشعره بالقلق فيما يتعلق بمواجهتها. (موسى جبريل ، 1995: 1471)
ويشير لوثانسLuthans (1998) إلى الضغوط بأنها استجابة تكيفية للمواقف الخارجية التى تؤدى إلى مجموعة من الاختلالات البدنية والنفسية والسلوكية لدى الأفراد. (Luthans, 1998: 330)



ويرى كل من زيدان السرطاوى وعبد العزيز الشخص (1998) أن الضغط النفسى يعبر عما يحدث للفرد عندما يتعرض لمواقف تتضمن مؤثرات يصعب عليه مواجهة متطلباتها وبالتالى يتعرض لردود فعل انفعالية، وعضوية ، وعقلية ، تتضمن مشاعر سلبية ، وأعراضا فسيولوجية تدل على تعرضه للضغوط. (زيدان السرطاوى ، عبد العزيز الشخص ، 1998: 15)
ويذكر والكر Walker (2001) أن مصطلح الضغط النفسى يشير إلى تعرض الشخص لصعوبات ومشكلات ترهقه وتفوق طاقته على التحمل. والضغط النفسى قد يهدد صحة الإنسان وسلامته ذلك أنه قد يولد ردود فعل جسمية أو سيكولوجية على المدى القصير أو المدى الطويل. وهو يستخدم أحياناً كمرادف للقلق إلا أنه يشمل أبعاداً إضافية مهمة. (فى: جمال الخطيب،2001 : 188)


ومما لاشك فيه أن وجود الطفل المعاق -بما قد يحمل من خصائص غير مرغوبة- يعد بمثابة مصدر دائم للضغط ، حيث تتطلب رعايته جهداً كبيراً من الوالدين يصعـب عليهما تحمله فيتعرضان لمشاعر سلبية ، ومشاكل أسرية ، فضلاً عن المظاهر العامة – عضوية و نفسية – المصاحبة للضغط. (زيدان السرطاوى ، عبد العزيز الشخص ، 1998: 16)
ومن هنا فإن مصطلح الضغوط النفسية لدى أولياء أمور المعاقين يشير إلى التأثير السيئ الذى يحدثه وجود طفل معاق (وما يتسم به من خصائص سلبية) لدى الوالدين فيثير ردود فعل عقلية وانفعالية أوعضوية غير مرغوبة، تعرضهم للتوتر والضيق ، والقلق ، والحزن ، والأسى ، كما قد يعانون من بعض الأعراض النفسية الجسيمة التى تستنفذ طاقتهم وتحول دون قدرتهم على التركيز فيما يقومون به من أعمال. (عبد العزيز الشخص وزيدان السرطاوى"ب" ، 1998: 6)




o إعاقة الطفل كمصدر للضغوط النفسية لدى الوالدين :
يذكر هينجلر وآخرون Henggeler, et al (1995) إن اكتشاف الإعاقة السمعية لدى الطفل يعد بمثابة صدمة للوالدين وما يترتب على ذلك من ردود فعل انفعالية من قبيل الاكتئاب والقلق والغضب والشعور بالذنب والعجز وتتزايد هذه الانفعالات مع نمو الطفل ، وعلاوة على هذه الضغوط الانفعالية فلدى الوالدين ضغوطاً أخرى ذات أهمية أيضاً فالعناية بالطفل المعاق سمعياً ربما تتطلب إشرافاً مكثفاً ، واهتماماً طبياً خاصاً ، وتكاليف مالية باهظة، واندماجا قويا فى تعليم الطفل . والوالدان لا يمتلكان سوى وقت وطاقة قليلة يكرسانها من أجل حاجاتهما وحاجات أفراد أسرتهما الآخرين. (Henggeler, et al,1995: 211)
كما يشير كل من كالدرون وجرينبرج Calderon & Greenberg (1999) إلى أن اكتشاف الإعاقة السمعية لدى الطفل يجلب كثيرا من الضغوط والتحديات النفسية والبيئية لوالديه وأسرته. فيواجه الوالدان ضغوطاً وتحديات عديدة منها تعلم طرق جديدة للتواصل ، والاندماج بشكل أكبر فى صنع القرارات التعليمية ، وزيادة الاتصال بالأخصائيين فى مجالات عديدة ، وشراء واستخدام وسائل دعم تكنولوجية ، وعندما ينضج الطفل ، فإن الأسر لا تستمر فقط فى جهودها من أجل تحقيقق الحاجات المناسبة لطفلها ، بل أيضاً تواجهها مواقف جديدة تتناولها وتضع لها حلولاً . (Calderon & Greenberg, 1999: 7)


معنى هذا أن إعاقة الطفل أو اكتشافها فى الأسرة يعد بمثابة موقف (حدث) ضاغط يؤدى إلى تغيير فى الأدوار والتوقعات الأسرية، وما يصاحب ذلك من ردود فعل انفعالية لفقدان الوالدين لآمال وطموحات مرتبطة بميلاد الطفل.
تأثير الضغوط النفسية للوالدين على توافق الطفل ضعيف السمع:
يذكر كارفرCarver (1988) أن الضغوط التى تتعرض لها أم الطفل المعاق سمعياً تؤدى إلى تمزق وضعف العلاقة ما بين الأم والطفل ، فالأم تجاهد لتخفى مشاعرها السالبة للتعايش مع طفلها المعاق وإدراك الطفل لهذه المشاعر ينعكس بالسلب على سلوكه المستقبلى. (Carver,1988: 73)
ويشير كل من كالدرون وجرينبرج Calderon & Greenberg (1999) إلى أن وجود طفل معاق سمعياً فى الأسرة يعد مصدرا مستمرا للضغوط ، وأن تغلب الوالدين على هذه الضغوط يؤثر بشكل إيجاببى علـى كل من التوافق الأسرى ونضج الطفل المعاق.
(Calderon & Greenberg, 1999:8)
كما تؤكد نتائج دراسة كل من جرينبرج Greenberg (1983) ، وواطسن Watson (1986) ، بريور وآخرونPrior, et al (1988) على أن المشكلات السلوكية وسوء التوافق لدى المعاقين سمعياً ترجع إلى حدة انفعالات الوالدين والضغوط النفسية التى يتعرضان لها.
وهكذا يتضح أن الضغوط النفسية للوالدين تؤثر بشكل سلبى على توافق طفلهما المعاق سمعياً.



أساليب التغلب على الضغوط النفسية لوالدى الطفل ضعيف السمع:
يذكر فولكمان وآخرون Folkman, et al (1979) أنه يمكن التغلب على المواقف المحدثة للضغوط النفسية من خلال تنمية استراتيجيات التعايش Coping Strategies ، وتشمل هذه الاستراتيجيات كل ما من شأنه مساعدة الوالدين على إحداث التغيرات اللازمة لخفض مستوى التعرض للضغوط النفسية مثل الصحة العامة لأفراد الأسرة ، والطاقة الكامنة لديهم ، ومهارات حل المشكلات ، وإدراك أفراد الأسرة لوضعهم الأسرى ، والعلاقات الأسرية السائدة ، ومصادر الدعم الاجتماعى المتوافرة. (فى: منى الحديدى وآخرون ، 1994: 10)
ويشير كل من ولكنسون وآخرون Wilkinson, et al (1997) إلى أن بعض الباحثين قاموا بوضع استراتيجيات للتوافق مع الضغوط تنقسم إلى التوافق المتمركز حول المشكلة والتوافق المتمركز حول الانفعال ، فالتوافق المتمركز حول المشكلة فيه يقيم الفرد الموقف الضاغط ويفعل أى شئ حياله ، أما التوافق المتمركز حول الانفعال فيه يركز الفرد على الاستجابة الانفعالية للمشكلة فيحاول تخفيف القلق حيال المشكلة بدون التعامل الحقيقى مع الموقف . ومعظم الناس يستخدمون استراتيجية التوافق المتمركز حول المشكلة عندما يدركون أنهم يستطيعون السيطرة على الموقف ، ويستخدمون استراتيجية التوافق المتمركز حول الانفعال عندما لا يكون هناك حل للمشكلة من قبيل مواجهة مرض قاتل أو موت عزيز. (Wilkinson, et al, 1997: 205)
ويؤكد أيز وهيرول Ayes & Herol (1996) أنه يجب على آباء الأطفال المعاقين سميعاً التوافق مع تحديات إعاقة الطفل ، مع ملاحظة أنهم يواجهون متطلبات إضافية ناجمة عن فقد أطفالهم لحاسة السمع . (Ayes & Herol , 1996: 232)
وتوضح دراسة كل من عبد العزيز الشخص وزيدان السرطاوى (1998) أن الدعم المادى والمجتمعى والاجتماعى وإشباع الاحتياجات المعرفية من شأنه أن يخفف من حدة الضغوط النفسية للوالدين والناجمة عن إعاقة طفلهما.
وهكذا يخلص الباحث إلى أنه يمكن التغلب على الضغوط النفسية لوالدى الطفل المعاق سمعياً من خلال مساعدة الوالدين على تبنى بعض استراتيجيات التعايش والتوافق مع إعاقة الطفل ، بهدف تقبله كما هو بغض النظر عن إعاقته ، ومعاملته مثل أقرانه العاديين فى الأسرة وتبصير الوالدين بالهيئات المتخصصة والتى تقدم خدمات تعليمية أو طبية أو تأهيلية لطفلهما ضعيف السمع خاصة ، وتشجيع الوالدين على إقامة علاقات اجتماعية مع أطفالهما فى ضوء قدراتهم وإمكاناتهم فضلاً عن تعديل بعض الاتجاهات والتوقعات السلبية للوالدين نحو طفلهما المعاق سمعياً.



ثانياً : التوافق : Adjustment
يعد التوافق مصطلحاً مرادفاً لمصطلحى السوية ، والصحة النفسية ، طالما أن الشخص المتوافق سوى وينعم بالصحة النفسية. (صلاح مخيمر ، 1984: 5)
والتوافق فى أصله مصطلح بيولوجى على نحو ما حدده دارون ، فالتوافق لديه يعنى قدرة الكائن على التلاؤم مع ظروف البيئة وما يطرأ عليها من تغيرات ، بحيث تتحقق المحافظة على الحياة ، فهذا التلاؤم ليس غير لافتة تخفى ورائها خفض التوتر واستعادة للاتزان بأكثر منه قدرة خلاقة تتيح مواجهة ما يطرأ على البيئة من ظروف جديدة . (صلاح مخيمر ، 1984: 9)
ومازال هذا التعريف يترك بصماته على التعريفات السابقة للتوافق التى وردت عند بعض علماء النفس والمعاجم والموسوعات النفسية حيث تقيم التوافق على التلاؤم والتناغم بين الفرد والبيئة بهدف خفض التوتر إلى أقصى حد فعندما لا يكون هناك توتر "إن كان ذلك ممكناً" تكون الحالة المثلى للتوافق.
ومن هنا كان Goldstein من أوائل الذين احتجوا على ذلك عندما رفض أن تكون وظيفة السلوك مجرد خفض للتوترات التى تهدد اتزان الكائن ولذا أصر على أن يضيف تحقيق الإمكانيات كأعظم خاصية تخص الإنسان البشرى الناضج . (فى: محمد درويش ، 1985: 19)
أما يونج Young (1960) فقد ألح على أهمية المرونة بكل ما تنطوى عليه الكلمة من قابلية للتوافق ، وقدرة على مواجهة المواقف الجديدة . فالتوافق فى رأيه ينحصر فى تلك المرونة التى يشكل بها الكائن الحى اتجاهاته وسلوكه لمواجهة مواقف جديدة بحيث يكون هناك تكامل بين تعبير الكائن عن طموحاته وتوقعاته ، ومتطلبات المجتمع. (فى: عبد الفتاح نجله ، 1993: 11)
وكذلك مخيمر (1978) الذى أكد على أن التوافق لا يمكن أن يكون معياره هو خفض التوتر طالما أن خفض التوتر فى صورته المثلى ينتمى إلى غرائز الموت ، بينما يكون التوتر واشتهاء الاستثارة هو المبدأ الحق الذى ينتمى إلى غرائز الحياة ، وبذلك جاء تعريف مخيمر للتوافق بأنه هو الرضا بالواقع الذى يبدو هنا والآن مستحيلاً على التغير ، ولكن فى سعى دائب لا يتوقف لتخطى الواقع الذى ينفتح للتغير مضيا به قدماً فقدما على طريق التقدم والصيرورة . (صلاح مخيمر ، 1978: 1، 4)
ومن خلال هذا المنظور الجديد يتضح أن التوافق دياليكتيكية ، تزاوج النقيضين وائتلاف بين المألوف والجديد ، بين جهاز العادات وانسقة الذكاء ، بين الجمود والمرونة بين سلبية الاستسلام فى تسامح تجاه ما يستحيل على التغير والإيجابية فى ابتكار لما ينفتح للتغيير ، وتتضح الطبيعة الدياليكتيكية أكثر بالنسبة إلى الجنبات التى تنفتح للتغير، فالفرد لا يكاد يبلغ إلى هدف جزئى أو كلى حتى يستشعر الرضا ، ولكن "لحظات الرضا حبلى بأجنة اللارضا" ومن هنا فإن الرضا الذى يعيشه الفرد لا يلبث أن يلد نقيضه حالة من اللارضا والسخط والتوتر تدفع الكائن فى سلوك جديد ماضياً إلى هدف جديد . ولا يكاد يبلغ هذا الهدف الجديد حتى " يلد الرضا حالة من اللارضا" ، تبعث سلوكاً جديداً ، وهكذا فى غير توقف على طريق التقدم والصيرورة . ( هند سيف الدين ، 1990: 23)

ثالثاً : الإعاقة السمعية: Hearing Impairment



o مفهوم الإعاقة السمعية :
يذهب كل من يسلديك والجوزين Ysseldyke & Algozzine (1995) إلى أن الإعاقة السمعية تعنى القصور فى السمع بصفة دائمة أو غير مستقرة والذى يؤثر بشكل سلبى على الأداء التعليمى للطفل .
(Ysseldyke & Algozzine, 1995: 384)
وتعرف ماجدة عبيد (2000) الإعاقة السمعية بأنها تعنى حرمان الطفل من حاسة السمع إلى درجة تجعل الكلام المنطوق ثقيل السمع بدون أو باستخدام المعينات ، وتشمل الإعاقة السمعية الأطفال الصم وضعاف السمع. (ماجدة عبيد ، 2000: 33)
ويذكر عبد المطلب القريطى (2001) أن الإعاقة السمعية أو القصور السمعى مصطلح عام يغطى مدى واسعا من درجات فقدان السمع يتراوح بين الصمم أو الفقدان الشديد الذى يعوق عملية تعلم الكلام واللغة ، والفقدان الخفيف الذى لا يعوق استخدام الأذن فى فهم الحديث وتعلم الكلام واللغة . (عبد المطلب القريطى ، 2001 : 311)
ويرى محمد عبد الحى (2001) أن الإعاقة السمعية مصطلح يعنى تلك الحالة التى يعانى منها الفرد نتيجة عوامل وراثية أو خلقية أو بيئية مكتسبة من قصور سمعى يترتب عليه آثار اجتماعية أو نفسية أو الاثنتين معاً، وتحول بينه وبين تعلم وأداء بعض الأعمـال والأنشطة الاجتماعية التى يؤديها الفرد العادى بدرجة كافية من المهارات ، وقد يكون القصور السمعى جزئياً أو كلياً ، شديداً أو متوسطاً أو ضعيفاً ، وقد يكون مؤقتاً أو دائماً ، وقد يكون متزايداً أو متناقصاً أو مرحلياً . (محمد عبد الحى ، 2001: 31)
ومن هنا يتضح أن الإعاقة السمعية تستخدم لتمييز أى فرد يعانى من فقدان السمع بصفة دائمة أو غير مستقرة ، وفى إطار هذا المصطلح العام يقتضى التمييز بين مفهوم الأصم Deaf وضعيف السمع Hard of Hearing كما يلى:
يوضح عبد المطلب القريطى (2001) أن الأطفال الصم هم أولئك الذين لا يمكنهم الانتفاع بحاسة السمع فى أغراض الحياة العادية سواء من ولد منهم فاقدين السمع تماماً ، أو بدرجة أعجزتهم عن الاعتماد على آذانهم فى فهم الكلام وتعلم اللغة ، أو من أصيبوا بالصمم فى طفولتهم المبكرة قبل أن يكتسبوا الكلام واللغة ، أو من أصيبوا بفقدان السمع بعد تعلمهم الكلام واللغة مباشرة لدرجة أن آثار هذا التعلم قد تلاشت تماماً ، مما يترتب عليه فى جميع الأحوال افتقاد المقدرة على الكلام وتعلم اللغة. (عبد المطلب القريطى ، 2001: 312)


أما عن مفهوم ضعيف السمع، فيذهب أحمد يونس ومصرى حنورة (1990) إلى أن الطفل ضعيف السمع هو الذى لديه تلف فى السمع ، وعلى الرغم من تخلفه السمعى فإنه يمضى وفقاً للنمط العادى والذى يحتاج من أجل تربيته ترتيبات خاصة أو تسهيلات معينة على الرغم من عدم الحاجة إلى كل الطرق التى تستخدم مع الأطفال ذوى الصمم الكلى. (أحمد يونس ومصرى حنورة ، 1990: 72)
ويعرف زيدان السرطاوى (1991) ضعيف السمع بأنه ذلك الشخص الذى يعانى من نقص فى حاسة السمع بدرجة تجعل من الضرورى استخدام أجهزة أو أدوات مساعدة حتى يتمكن من فهم الكلام المسموع. (زيدان السرطاوى، 1991: 309)
ويذكر كل من يسلديك والجوزين Ysseldyke & Aklgozzine (1995) أن ضعيف السمع هو الفرد الذى يعجز سمعه لدرجة تبلغ عادة (35 إلى 69 ديسيبل) مما يجعل من الصعب عليه بدرجة لا تعوقه عن فهم الكلام عبر الأذن فقط سواء باستخدام معين سمعى أو بدونه. (ysseldyke & Algozzine. 1995: 385)
وترى ماجدة عبيد (2000) أن الطفل ضعيف السمع هو الذى فقد جزءاً من قدرته على السمع بعد أن تكونت عنده مهارة الكلام والقدرة على فهم اللغة وحافظ على قدرته على الكلام، وقد يحتاج هذا الطفل إلى وسائل سمعية معينة. (ماجدة عبيد ، 2000: 33)
ويشير عبد المطلب القريطى (2001) إلى أن ضعاف السمع هم أولئك الذين لديهم قصور سمعى أو بقايا سمع ، ومع ذلك فإن حاسة السمع لديهم تؤدى وظائفها بدرجة ما ، ويمكنهم تعلم الكلام واللغة سواء باستخدام المعينات السمعية أو بدونها. (عبد المطلب القريطى ، 2001: 312-313)
وفى ضوء ما سبق يتضح أن الأصم هو الشخص الذى يعانى من فقدان حاسة السمع بدرجة تعوقه عن التواصل مع الآخرين إلا باستخدام طرق خاصة اعتماداً على حاسة الأبصار ، فى حين أن ضعيف السمع يعانى من عجز جزئى فى حاسة السمع فلديه بقايا سمعية تؤهله للتفاعل مع الآخرين عبر وسائل معينة أى باستخدام المعينات السمعية للحفاظ على ما لديه من بقايا سمعية.


تأثير الإعاقة السمعية على توافق الطفل ضعيف السمع:
يذكر مورثان وريتشارد Morethan & Richard (1980) أن الإعاقة السمعية تؤثر بشكل سلبى على النمو الانفعالـى للطفـل حيث تؤدى إلى شعوره بالإحباط لعدم فهم الآخرين له، والميل إلى الانطواء.(Morethan & Richard, 1980: 115)
فقد أوضحت بعض الدراسات أن ضعاف السمع أقل توازناً فى انفعالاتهم ، وأكثر انطواء عن سواهم من العاديين. (محمد حسين، 1986: 91)
ويذهب يوسف القريوتى وآخرون (1995) إلى أن المعاقين سمعياً يحاولون تجنب مواقف التفاعل الاجتماعى ويميلون إلى العزلة نتيجة لإحساسهم بعدم المشاركة أو الانتماء إلى الأطفال الآخرين. (يوسف القريوتى وآخرون ، 1995: 153)
ويتفق ذلك مع ما يذكره عبد المطلب القريطى (2001) بأن الإعاقة السمعية تؤدى إلى إعاقة النمو الاجتماعى للطفل حيث تحد من مشاركاته وتفاعلاته مع الآخرين واندماجه فى المجتمع مما يؤثر على توافقه الاجتماعى ، وعلى مدى اكتسابه المهارات الاجتماعية الضرورية واللازمة لحياته فى المجتمع ، ويضيف عبد المطلب القريطى بأن الإعاقة السمعية تؤدى أيضاً إلى إعاقة النمو الانفعالى والعاطفى للطفل . (عبد المطلب القريطى ، 2001: 311)
فضلاً عن ذلك يرى كل من أحمد يونس ومصرى حنوره (1990) أن من أهم أثار الإعاقة السمعية ضعف أو انعدام القدرة على التخاطب اللفظى. (أحمد يونس ومصرى حنوره، 1990: 19)
وهكذا يتضح التأثير السلبى للإعاقة السمعية على توافق الطفل المعاق ، ومع ذلك فقد أكد لنا التحليل النفسى على أنه لا يوجد فى حقيقة الأمر أطفال مشكلون ، وإنما آباء مشكلون فحسب ، ومن ثم يكون من العبث أن نعنى بدراسة حياة هؤلاء الأطفال بمعزل عن آبائهم. (وجدى زيدان ، 1998: 3)
ومن هنا فإن إرشاد الوالدين هو فى الواقع إرشاد يهدف إلى صالح الطفل المعاق، حيث يساعد الوالدان والأسرة معاً فى تحقيق توافق الطفل واندماجــه أو إعادة اندماجه فى المجتمع . (محمد الشناوى ومحمد التويجرى ، 1995: 600)