|
110523642 زائر
من 1 محرم 1425
هـ
|
|
|
التخلف الفكري - الإعاقة الفكرية
|
الحقوق الجنسية للمعاقين عقليا |
الكاتب : زينب عبد المنعم |
القراء :
18032 |
الحقوق الجنسية للمعاقين عقليا زينب عبد المنعم من القاهرة: هم يبكى و هم يضحك.. لم أجد سوى هذا التعبير الدارج تعقيبا على هذه الدراسة التى قامت بها د.سمية طه بجامعة الإسكندرية لتطالب فى نهايتها بحق المعاق عقليا فى الزواج و الأبوة و بناء أسرة سعيدة، و بحقه أيضا فى الحصول على عمل مناسب يمنحه دخلا شهريا كافيا للإنفاق على أسرته، إنها أول دراسة مصرية من نوعها.. بل أول دراسة عربية تطرق هذا الموضوع الشائك و بشدة و حماسة منقطعة النظير إلى الحد مطالبتها لوزارات الشئون الاجتماعية و الصحة و الخبراء و أساتذة الجامعات للمساعدة فى تهيئة الظروف النفسية و المادية للمعاق عقليا كى يأخذ حقه و مكانته فى المجتمع. أنا لا أنكر أنها دعوة إنسانية عظيمة، ولكن إذا كان فى الأسرة الواحدة شخص طبيعى و آخر متخلف عقليا فمن الأولى بالرعاية و المساعدة فى بناء أسرة ؟ و إذا كان تعداد العاطلين يمثل أكثر من 1.% من تعداد السكان فى مصر ــ على أحسن تقدير ــ ومن خيرة شبابها من خريجى كليات الهندسة و العلوم و الزراعة والكليات النظرية بأنواعها فمن هنا تكون المسألة مثيرة للألم و السخرية معا، و أنا لن أسخر من جهد الدكتورة سمية طه أو من موضوع الدراسة الذى طرحته، و لكنها المفارقة فقط، و ربما لو خرجت هذه الدراسة إلى الوجود فى وقت آخر لنالت حقها فى المناقشة الاجتماعية و العلمية و الدينية أيضا، ولا عزاء للعزيزة الدكتورة سمية طه المدرس لمادة الصحة النفسية بكلية رياض الأطفال. الدكتورة سمية دخلت برجليها عش الدبابير، التقطت صورة سريعة و خرجت قبل أن تجيب عن أسئلة عديدة، و هذه للأسف حال كثير من الدراسات التى نراها الآن، لقد فجرت قضية و تبنت وجهة نظر ولم تقدم لنا حالة واحدة واقعية لزوج أو زوجة رضيت أن يكون نصفها الآخر متخلفا عقليا، أو حالة واحدة لأسرة سعيدة شقاها متخلفين عقليا --- لكى نصدق أن المسألة ممكنة، هل بالفعل لا يوجد مثال عملى واحد يمكن تقييمه ؟ إن لم يكن هناك حالات زواج فعلى للمعاقين عقليا فكان يجب أن تقدم لنا صاحبة الدراسة نموذجا تتبناه بنفسها أولا وتقدم له الدعم النفسى و الاجتماعى المطلوب كحالة رائدة، وهذا ليس غريبا بل واجبا باعتبارها صاحبة قضية.
و أنا من جانبى أعرض عليكم حالة رأيتها بعينى، كانت مصادفة أن أدخل هذه الفيلا الفاخرة على ساحل إحدى المدن الهادئة الكائنة على ساحل البحر المتوسط، صاحب الفيلا أحد رجال الفكر والأدب اللامعين، فى انتظار مقابلته رأيت شابا وسيما ينزل من الطابق العلوى فى جلباب ابيض حريرى ناصع البياض، ويمر بالقرب من دون تحية متجها الى إحدى غرف الطابق الأول الذى كنا نجلس فيه، كان الأمر يبدو طبيعيا فهو رجل شرقى محترم لا يريد التطفل على بعض السيدات فى بيته، بعد دقائق جاءت سيدة جميلة شابة تحمل أكواب العصير، أول ما لفت نظرى إليها أن وجهها خال من الابتسام تماما.. بل تبدو رغم صغر سنها وملامحها الجميلة و شياكتها التى لا تخطئها عين أنها تحمل هم و نكد الدنيا، و لولا أنها كانت ترتدى الوانا فاتحة لظننت أنه قد مات لها ميت الآن ؟!! ربما الحاسة الصحفية هى التى دعتنى لأقول لسكرتيرة الأديب الكبير و نحن على الشاطىء بعد انتهاء المقابلة: فيه حاجة غريبة ومريبة فى البيت ده ؟!! o هل هذه الفتاة خرساء ؟ قالت: لا، o سألت: من هذا الشاب ذو الجلباب الأبيض ؟ و بدأت تسرد لى القصة، فهذا الشاب هو ابن الكاتب الكبير وهو متخلف عقليا، ولأن الكاتب رجل مثقف و زوجته كذلك فقد فكرا فى أن يعيش ابنهما المعاق ذهنيا مثل أقرانه.. حياة طبيعية.. يتزوج و ينجب و يصبح رب أسرة، ولكن من ترضى أن تتزوج برجل كهذا ؟ بحثا ولم يجدا أفضل من تلك الفتاة التى تنتمى إلى الفرع الفقير فى العائلة.. كانت باختصار بيعة و شروة طرفاها والدا العروسين، و رضيت المسكينة.. ربما لتغادر رائحة الفقر إلى رياش و عطور القصور، وهذه هى النتيجة التى رأيتها بعينى لفتاة تعيش حالة من الانتحار اليومى.. لقد تحولت إلى جماد.. تمثال جميل من الشمع.. فقدت التواصل الإنسانى مع الآخرين، و الله وحده يعلم كم من الألم تعيشه و كم من الأمراض النفسية يرعى داخلها كما ينخر السوس فى الأشجار السامقة ؟! بداية القضية نعود لكلام الدكتورة سمية طه تقول: فى بداية القرن العشرين حيث تزايدت مشاعر الخوف و الرفض داخل المجتمع الأمريكى ضد المتخلفين عقليا، وتلازم مع هذا الرفض القلق من أن الأفراد المعاقين عقليا سوف يؤثرون فى إتلاف الجينات البشرية إذا سمح لهم بممارسة العلاقات الجنسية، و صاحب هذا الاتجاه انتشار واسع للقوانين و الشرائع التى تمنع الزواج بين الأفراد المعاقين عقليا، و من ثم ظهرت فكرة تعقيم هؤلاء الأفراد فى بداية القرن العشرين، و قامت عدة ولايات أمريكية بفرض قوانين التعقيم الإجبارى عليهم، و كانت ولاية انديانا أول ولاية تستجيب لهذه الدعوة فى 1907، و تبعتها العديد من الولايات الأخرى، و قد سعت هذه الولايات لتعقيم المعاقين عقليا لعدة أسباب أهمها الخوف من انجاب أطفال يحملون نفس خصائص آبائهم، و الخوف من إهمالهم لأبنائهم بسبب قصورهم العقلى، وضعف دافع الأبوة أو الأمومة لديهم، بالإضافة إلى اتخاذ عملية التعقيم لإضعاف الرغبة الجنسية لديهم. و استمر العمل بقوانين التعقيم هذه حتى النصف الثانى من القرن العشرين عندما حاربت جماعات حقوق الإنسان هذه القوانين و اعتبرتها اعتداءً على حق من حقوق الإنسان فعملت معظم الدول الغربية على إلغائها، و أصبح من حق المعاقين عقليا الزواج و الإنجاب و تربية الأطفال ما داموا قادرين على ذلك ؟!! و على الرغم من الاعتراضات التى وجهت لمنع زواج الأفراد المعاقين عقليا فقد ظهرت دعوات أخرى تطالب بحقهم فى التعليم و التوظيف و الزواج و الأبوة، ودعم ذلك كله الإعلان الامريكى لحقوق المعاقين و الذى أدى إلى التوجه نحو أعادة تأهيل المعاقين لمواجهة الحياة بجميع جوانبها بما فى ذلك الحياة الأسرية. و من الناحية الجنسية تقول الباحثة عن دراسات أجنبية سابقة أن التطور الجنسى بين هؤلاء الأفراد يتنوع بشكل كبير فالبعض تظهر لديه تطورات طبيعية، و البعض الآخر تتأخر لديهم هذه التطورات حسب درجة الإعاقة العقلية، و بالنسبة للخصائص الجنسية للمعاقين عقليا من فئة التخلف العقلى البسيط فإنهم يمثلون أقرانهم من غير المعاقين من حيث السلوك الجنسى و النفسى و الاجتماعى، وهم قادرون على التعبير و السيطرة على الاندفاعات الجنسية مثل اقرانهم العاديين، اما المعاقين عقليا من فئة التخلف الشديد فلا يوجد لديهم إلا تحكما ضعيفا فى اندفاعاتهم الجنسية، و هناك بعض الدراسات التى أجريت فى النصف الثانى من القرن العشرين تؤكد ــ كما تقول صاحبة الدراسة ــ أنه من الممكن لنسبة كبيرة من فئة التخلف العقلى البسيط النجاح فى الزواج، و عام 1975 تابع أحد الدارسين حالة 32 زوجا من المعاقين عقليا و قال إن معظم هذه الزيجات كانت ناجحة و أن الزواج يرقى مشاعر و عواطف المعاقين عقليا و توصلت دراسة مشابهة عام 198. إلى ارتفاع مستوى الرضا و السعادة الشخصية بين الأزواج المعاقين عقليا و كلا الزوجين يقدم للآخر الدعم العاطفى و العملى و لكن لابد أيضا من التأكيد على أهمية التدريب و النصيحة و دعم الوالدين و المتخصصين لهذا الزواج.. أى أننا باختصار لكى نعقد قران اثنين فقط من المعاقين عقليا فلابد ان تقف وراءهما مؤسسة كاملة تقدم الدعم المادى و الاجتماعى و النفسى و سنوات من التدريب لخلق وظيفة عملية يتكسبان منها و تأهيل خاص لتكوين أسرة و متابعة مستمرة لتيسير العقبات التى تواجه الزو جين فى بدايات الزواج ثم مواجهة وجود طفل جديد.. وهكذا، ثم كيف نأمن على طفل برىء صفحته بيضاء أن يتولى تربيته اثنان من المعاقين عقليا ؟ و إذا كان العقلاء يفشلون كثيرا فى تربية طفل متوازن قوى يستطيع أن يشق طريقه فى الحياة فمن إذن له حق تربية هذا الطفل ؟ لابد أننا سوف نعود ألى تلك المؤسسة التى تبنت الأبوين منذ البداية !! طبعا هذا متاح فى الولايات المتحدة الأمريكية و المجتمعات الغربية التى استندت الباحثة إليها فى مراجعها البحثية لأنهم " ناس رايقة " حققوا من التنمية ما يجعلهم يعانون من مشاكل الرفاهية، فليس غريبا عليهم خلق هذا التعاطف مع المعاقين عقليا و حشد إمكانياتهم لخدمتهم فقد فعلوا ذلك من قبل مع القطط و الكلاب، أما عندنا فسيصبح ولادة طفل من أبوين معاقين عقليا بمثابة جريمة كاملة. و مرة أخرى أنا لا أسخر من هذه الدراسة أو صاحبتها و لكننى مشفقة عليها أن تبنت قضية من الصعب جدا أن تتحول إلى واقع فى مجتمع ارتفعت فيه نسبة العنوسة لدرجة لم يسبق لها نظير و ارتفع فيه سن الزواج للرجل ليتعدى الأربعينات، هذا لمن تسمح ظروفهم بالزواج من العقلاء.
رأى الإسلام على العموم فالدكتورة سمية طه تحاول أن تشحذ الهمم لتأييد فكرتها وهى تتعرض أيضا للحكم الإسلامى فى مسالة زواج المعاقين عقليا فتقول: اقرت الشريعة الإسلامية منذ قرون عديدة ما انتهت إليه القوانين الوضعية الحديثة من عدم حرمان المعاقين عقليا من الإنجاب و اشباع حاجاتهم للزواج شأنهم شأن الأفراد العاديين، وخصوصا حالات التخلف العقلى البسيط، و اشترطت الشريعة فى زواج المعاق عقليا ان يكون قادرا على النفقة من ماله أو مال أبيه، والقيام بواجباته الزوجية نحو الطرف الاخر، وتحقيق ما شرع الزواج من أجله من محبة ووئام مع الزوج الآخر، و حرم الإسلام التعقيم إلا لأسباب صحية أو مرضية، أما حالات التخلف العقلى المتوسط و الشديد ــ وهم قلة ــ من المعاقين عقليا فقد منعهم الإسلام من الزواج لعدم قدرتهم عليه و بالتالى منعهم من الإنجاب لأنهم لا يقدرون على تحمل مسؤلية الأسرة و تربية الأبناء. "اتجاهات الوالدين نحو زواج ابنائهم المعاقين عقليا " و هكذا و بكل الإيمان بحق المعاق عقليا فى إقامة علاقات جنسية شرعية عن طريق الزواج ---قامت الدكتورة سمية طه بعمل دراستها التى تحمل عنوان: "اتجاهات الوالدين نحو زواج ابنائهم المعاقين عقليا " حيث لاحظت من خلال عملها فى هذا المجال أن كثيرا من الآباء والأمهات يقاومون معرفة حقيقة المشاعر الجنسية لأبنائهم المعاقين عقليا و ينكرون ميولهم الجنسية، و يتجاهلون الاعتراف بحق هؤلاء فى الزواج و تكوين اسرة، وتمت الدراسة على عينة ممن تخرجوا فى مدارس التربية الفكرية بشبين الكوم و بركة السبع و قويسنا و دمنهور و مدرسة الرمل الميرى بالإسكندرية و مدرسة أحمد شوقى، و تراوحت أعمار الأبناء بين 2. و 25 عاما، وتضمن البحث التعرف على اتجاهات الوالدين نحو قدرة أبنائهم المعاقين عقليا على الزواج، واتجاهاتهم نحو فكرة تعقيم أبنائهم، و رؤيتهم لمسألة التربية الجنسية لأبنائهم المعاقين عقليا ثم تصورهم لقدرة هؤلاء الأبناء على تربية أبنائهم. الغريب أن الأمهات كانت لديهن الرغبة فى زواج أبنائهن المعاقين عقليا أكثر من الآباء، و فسرت الباحثة ذلك بعاطفة الأم تجاه أبنائها بينما شعور الآباء يغلب عليه الطابع الواقعى المادى،و تبعا لذلك كانت الأمهات أيضا الأكثر توقعا لقدرة أبنائهن المعاقين على تربية أبنائهن بينما كان الآباء أكثر تحفظا، والغريب أيضا الذى أظهرته الدراسة أن الوالدين فى الريف أكثر تقبلا لفكرة زواج أبنائهم المعاقين عقليا عن الوالدين فى الحضر. وبالرغم من ان 47% قالوا: " ما أظنش ان ابنى المعاق عقليا يقدر يفهم واجباته الزوجية "، و 65% قالوا: إن عملية التعقيم ضرورة لعدم إنجاب أطفال غير أسوياء "، و8.% قالوا: " من حق الدولة أن تصدر قانونا يسمح بإجراء التعقيم الإجبارى للإبن أو البنت المعاقين عقليا " إلا أن صاحبة الدراسة أوصت فى النهاية بحق المعاق عقليا خاصة من فئة التخلف العقلى البسيط فى الأنشطة الجنسية و الزواج و الأبوة، وضرورة وضع برامج إرشادية للآباء لمساعدتهم على مواجهة احتياجات هذه المرحلة و أن تتضافر جهود جميع الهيئات التى يقع عليها عبء النهوض بالمعاق عقليا بقصد معاونتهم على شق طريقهم فى الحياة بتوفير عمل مناسب و توفير الرعاية الصحية و النفسية لهم. ولا شك أن الدكتورة سمية طه قد ألقت بحجر فى المياه الراكدة و حققت السبق فى عمل دراسة هى الأولى من نوعها فى المنطقة العربية ولكن يبقى أن تطرح القضية للمناقشة على مستوى أوسع من قاعات البحث.
المصدر - الشبكة العربية للمعاقين العرب |
أطبع
الموضوع |
أرسل الموضوع لصديق
|
|
|
|
|