الإطار النظري للدراسة ثانياً : القلق الأجتماعى Anxiety Social مفهوم القلق : أن القلق ليس مفهوما جديداً, وإنما تمتد جذوره إلى البدايات الأولى للفكر الأنسانى. ويشير بك - نقلاً عن كريتزك Kritzeck ( 1956), إلى أن مفهوم القلق موجود في الكتابات الهيروغليفية المصرية القديمة, كذلك فإن الكتَاب في العصور الوسطي, مثل الفيلسوف العربي على بن حزم من قرطبة, قد أكدوا على وجود القلق كشرط أساسي للوجود الأنسانى ( Beck, 1979:133 ). وقد شهد القرن التاسع عشر, كما يقول اسبيلبرجر Spielberger ( 1972), تزايد الاهتمام بالانفعالات, وبخاصة القلق, وذلك على أيدي فلاسفة هذا العصر الوجوديين على يدي كيركجارد Kierkegard. وقد شهد هذا القرن أيضاً, اهتماما متزايداً لدى البيولوجيين أمثال داروين Darwin, بظاهرتي الخوف والقلق, وفى القرن العشرين, برز القلق بوصفه مشكله مركزيه وموضوعا سائدا في الحياة المعاصرة, إلى حد أن هذا العصر قد غدا يشار إليه على أنه عصر الخوف أو عصر القلق 0
ويعرف سيرجون إنجلش S. English وجيرالد بيرسون G. Pearson القلق بأنه, وجدان, وتعنى بالوجدان بطانة انفعاليه أو شعورية كالسعادة, أو الابتهاج, أو الاكتئاب, وهو حاله وجدانيه خاصة تنتج عن صراع الحاجات الغريزية بالمجتمع الذي لا يود إشباع هذة الحاجات أو يعجز دونها. ( سيرجون إنجلش وجيرالد بيرسون / ترجمة : فاروق عبد القادر وآخرون, 1958: 23) 0 ويعرفه دولارد وميللرDollard & Miller بأنه دافع مكتسب, أو قابلا للأكتساب, وهو يرتبط بفكرة الصراع الأنفعالى الشديد, ولكن الصراع هنا شعوري, وينتج من خلال التنشئة الاجتماعية, فالطفل يقلقه احتمال فقدان حب الوالدين, بينما الشاب بقلقة صورته عن ذاته, وما يتطلع لتحقيقه في المستقبل, وحتى يتخفف الفرد من القلق الناشىء عن الصراع الإنفعالى فإنه يلجأ إلى الحيل الدفاعية ( تبرير, ونكوص, إعلاء) وبذلك فإن دولارد وميللر قد أعادا النظر في المبادىء السيكوديناميه من منظور سلوكي (30 in : Michel, 1981 : ) أما القلق من منظور فرويد, كما تقول سامية القطان ( 1974) الأنا Ego, هي المستقر الوحيد للقلق, وهى المنظمة الوحيدة من المنظمات النفسية الثلاث التي تشعر به وتولده, وقد ميز التحليل النفسي بين نوعين من القلق: قلق انغمار ( ذعر, أنموذجه الأول صدمه الميلاد ), وقلق إشارة إنذار لتجنب هذا الانغمار, أي أن القلق هو رد فعل من جانب الأنا, يستنفذ طاقه المواجهه, أو يعبىء الطاقة للمواجهة (في: سامية القطان, 1974: 11 ), فقلق الإنذار يهيىء لإستجابه المواجهة, بينما يستنفذ قلق الانغمار طاقه الإستجابه, وهذا القلق كرد فعل من الأنا ينذر إما بخطر خارجي ( قلق سوى ), أو بخطر داخلي ( طفح المكبوتات ), من جانب الهي ( قلق عصابى ), أو بخطر داخلي من جانب الأنا العليا ( قلق خلقي في صوره أثم أو اشمئزاز أو خزي ) وتلك هي أنواع القلق (في: سامية القطان, 1980: 204 ) 0 أما عن وظيفة القلق فتبينها ساميه القطان ( 1980 ), مشيرة إلى أن القلق من جهة يكون بمثابة إشارة إنذار, بمعنى صوره هينة مستأنسه لقلق الذعر, تنذر بالخطر, كي تستعد الأنا للمواجهة, فالقلق هو الباعث الأساسي للدفاع, ومن جهة ثانيه, فإن القلق هو المادة الخام التي تشتق منها الأعراض المرضية, كوسائل دفاعيه وإشباعات جزئيه في نفس الوقت ( أي أمن وإشباع معاً ), ومن جهة ثالثه فإن القلق وإن كان تعبيراً عن الصراع من حيث ما ينطوي عليه من خطر, فهو في نفس الوقت وسيله جزئيه وأوائليه للإفراغ, وذلك خاصة في حاله الانغمار ( سامية القطان, 1980: 205 ). وهذا التواكب للشيء ونقيضه في الموجود الواحد الحقيقي هو ما يعرف بالطبيعة الديالكتيكيه للاستثمارات المضادة, من حيث هي تعبير عن الحفزات ( انغمار ) من جهة, وعن الدفاعات ( إنذار ) من جهة أخرى, أي مزيج من النقيضين 0 ( سامية القطان, 1974: 11 )
ويشير إريك فروم E. Fromm إلى أن القلق ينشأ عن الصراع بين الرغبة في التقرب إلى الوالدين والاستقلال عنهما, فالاستقلال يثير القلق لأنه يجعل الفرد وحيداً في مواجهه مسئولياته(في: سيد غنيم , 1975: 12 ) ويعرف ولبىWolpe القلق على انه طراز أو طرز من الإستجابه الأتونوميه التي تمثل جانبا من استجابة الكائن الحي للإستثاره المزعجة, فالمثيرات التي كانت من قبل عاجزة عن إبتعاث القلق, يمكن أن تكتسب القدرة على إبتعاثه إذا ما اتيح لها أن تؤثر على الأورجانزم ( الكيان العضوي ) في الوقت الذي يكون فيه القلق مبتعثا أصلاً لديه نتيجة القلق, بل أيضا الخصائص البيئية الماثلة ودائمة الحضور, وهنا يعانى الفرد من القلق الطليق, الهائم أو القلق المنتشر ( في: ساميه القطان, 1986: 641 ).أي أن القلق المنتشر أو القلق الطليق, الهائم, وفقا لولبي ينشأ كنتيجة لمخاوف تشريطيه لمثير منتشر, فالشخص الذي يعيش تجربه نفور شديد من الظلام, يصبح ذلك مشروطا لديه, بحيث يخاف الأشياء المظلمة والكئيبة, بل وكثيرا ما يشعر بحاله قلق إذا كان على مقربه من ظل من الظلال ( دافيد مارتن. 1973: 68 ) 0 أما القلق من منظور يونج Jung, يشير مصطفى فهمي ( 1967) إلى أن يونج كان ينظر إلى القلق باعتباره رد فعل يقوم به الفرد حينما تغزو عقله قوى وخيالات غير معقولة صادره عن اللاشعور الجمعي, أي أن القلق وفقاً ليونج هو خوف من سيطرة المحتويات غير المعقولة للاشعور الجمعي والتي لازالت باقية فيه من حياه الإنسان البدائية, إذ أنه ظهور هذه المادة غير المعقولة من اللاشعور الجمعي يعتبر تهديدا لوجوده ( مصطفى فهمى , 1967 : 321 ) ومن جهة أخرى, تعتبر كارن هورنى Horney K. كما يقول صلاح مخيمر ( 1979), أن العلاقات الأجتماعيه هي الأساس في نشأه العصاب, فعندما تكون هذة العلاقات غير ملائمة, ينشأ عند الطفل القلق القاعدي, الذي هو شعور بالعزلة والعجز في عالم عدائي لا يفهم الطفل (في: صلاح مخيمر, 1979: 303 ) ويتضح ذلك مما ذكره وولمان Wolman ( 1973 ) من أن كل فرد, وفقا لهورنى لديه حاجتان أساسيتان هما الحاجة إلى الأمن والحاجة إلى الرضا, وأن إشباع حاجات الرضا دون مشاعر الأمن والتقبل هو ما يبتعث القلق القاعدي ( الأساسي ) (in : Wolman,1973 : 28 ) ويشير إريك فروم E. Fromme إلى أن القلق هو نتاج الضغوط الثقافية والبيئية, ويعتقد أن المجتمع الحديث مسئولاً, ولا شك عن كثير من الإضطرابات النفسية ( في: حامد زهران , 1974 : 30 ) ويقول ستاك سوليفان S.Sullivan أن القلق له قوه لها أثرها في تكوين الذات , والنفس غير أنها قوه معوقه , إذ تقلل من قوة الملاحظة , كما تقلل من القدرة على التمييز , وتعوق الحصول على المعلومات , كما تعوق الفهم , وتؤدى إلى قصر النظر , وهى عادةً تنزع إلى إبعاد الموقف الذي بعث عليها في مجال الوعي , وتتكون الذات باستغلال الإمكانيات الذاتية للحصول على رضا الآخرين وخاصة الأم , وتجنب عدم رضاها , وتجنب القلق الذي يبعث عليه في البداية رغم عدم الرضا أكثر القوى أثراً في تكوين الذات ( في : سعد جلال , 1980 : 12 ) 0 ويعرف كل من لازرس Lazarus, و أفريل Averill القلق بأنه انفعال مبنى على تقدير التهديد يتضمن عناصر رمزيه, تكهنية, وغير أكيده, وينتج القلق عندما لا تستطيع الأنظمة المعرفية أن تمكن الشخص من أن يرتبط بطريقة ذات مغزى بالعالم المحيط به ( في : عبد الرقيب بحيرى , 1982 : 89 ) و يرى روجرز Rogers إن القابلية للقلق أنما تحدث عندما يكون هناك تعارض بين ما يعيشه الكائن العضوي وبين مفهوم الذات, فالاضطراب يأتي عندما تكون الأحداث التي يتم إدراكها على أنها تنطوي على دلاله بالنسبة للذات تتعارض مع انتظام الذات , فإن الأحداث أما أن تلقى الإنكار أو تلقى تحريفاً إلى الحد الذي تصبح معه صالحه للتقبل ويغدو التحكم الشعورى أكثر صعوبة عندما يناضل الكائن الحي إشباعا لحاجات لا تحظى شعوريا بالاعتراف ويناضل استجابة لخبرات تلقى الإنكار من الذات الشعورية , عندئذ يحدث التوتر , فإذا ما أصبح الفرد بأية درجه على وعى بهذا التعارض فأنه يشعر بالقلق , وبأنه غير متحد أو غير متكامل وبأنه غير متيقن من وجهاته , وعدم المطابقة أو الملائمة Incongruence ما بين امكانات الفرد ومنجزاته وما بين الذات المثالية والذات الممارسة Functional self يؤدى إلى انخفاض مستوى تقدير الذات والشعور بالذنب والقلق ( في : ساميه القطان , 1986 : 642 ) 0 ويتضح مما سبق, أن هناك صله وثيقة بين القلق وأدراك تهديد الذات, وأن هذا الإدراك يأتي في المرتبة الأولى ثم يليه الانفعال الشديد المتمثل في حاله القلق بحسب ما مر به الطفل من خبرات مؤلمه, وتشير الدراسات إلى اختلاف الأشخاص في إدراك تهديد تقدير الذات بحسب مستوى القلق فالأشخاص ذوى مستوى القلق المرتفع يدركون التهديد في مواقف كثيرة قد تبدو عادية ليس فيها تهديدا لغيرهم, وفسر سيبلبرجر هذا بافتراض أن القلق المرتفع يعكس أيضاً استعداد الشخص لأدراك تهديد الذات في المواقف مما يعنى أن استعداد الأشخاص ذوى القلق المرتفع لأدراك التهديد أعلى من الأشخاص ذوى مستوى القلق المنخفض.0 وأشارت الدراسات أيضاً إلى أن الأشخاص مرتفعي مستوى القلق لا يدركون تهديد تقدير الذات في مواقف كثيرة فحسب, بل أيضاً يتطيرون ويعتقدون في سوء حظهم وعدم كفاءتهم, مما يكون له الأثر الكبير المدمر على احترام الذات 0 |