|
110615761 زائر
من 1 محرم 1425
هـ
|
|
|
الدراسات والبحوث
|
المطلب الثالث: حكم استخدام البصمة الوراثية في مجال النسب |
الكاتب : عمر بن محمد السبيل |
القراء :
8595 |
المطلب الثالث حكم استخدام البصمة الوراثية في مجال النسب تمهيد بعد بيان ماهية البصمة الوراثية وإيضاح طرق إثبات النسب الشرعي ، وطريق نفيه ، فإن مقتضي النظر الفقهي لمعرفة حكم استخدام البصمة الوراثية في مجال النسب ، يفرض علي الباحث الشرعي النظر في إمكانية اعتبار البصمة الوراثية قرينة يستعان بها علي إثبات النسب أو نفيه فحسب ، أو اعتبار هما طريقاً من طرق إثبات النسب قياساً علي إحدى الطرق الثابتة شرعاً . غير إني وقبل بيان ذلك أود القول بأن النظريات العلمية الحديثة من طبية وغيرها مهما بلغت من الدقة والقطع بالصحة في نظر المختصين إلا أ،ها تظل محل شك ونظر ، لما علم بالاستقراء للواقع أن بعض النظريات العلمية المختلفة من طب وغيره يظهر مع التقدم العلمي الحاصل بمرور الزمن إبطال بعض ما كان يقطع بصحته علمياً ، أو علي الأقل أصبح مجال شك ، ومحل نظر ، فكم من النظريات الطبية علي وجه الخصوص - كان الأطباء يجزمون بصحتها وقطعيتها ، ثم أصبحت تلك النظريات مع التقدم العلمي الطبي المتطور ضرباً من الخيال ( 1) وهذا أمر معلوم وثابت مما يحتم علي الفقهاء والباحثين الشرعيين التروي في النظر ، وعدم الاندفاع بالأخذ بالنظريات العلمية كأدلة ثابتة توازي الأدلة الشرعية أو تقاربها ، فضلاً عن إحلال تلك النظريات محل الأدلة الشرعية الثابتة ( 2) أمارات قد تحمل عليه ، أو قرائن قد تدل علية ، لأن الشارع يحتاط للأنساب ويتشوف غلي ثبوتها . ويكتفي في إثباتها بأدنى سبب ، فإذا ما ثبت النسب فإنه يشدد في نفيه ، ولا يحكم به إلا بأقوى الأدلة . قال ابن قدامه : ( فإن النسب يحتاط لإثباته ويثبت بأدنى دليل ، ويلزم من ذلك التشديد في نفيه . وأنه لا ينتفي إلا بأقوى دليل ( 3) وقال العلامة بن القيم : ( وحيث اعتبرنا الشبه في لحوق النسب ، فإنما إذا لم يقاومه سبب أقوي منه ، ولهذا لا يعتبر مع الفراش ، بل يحكم بالولد للفراش وإن كان الشبه لغير صاحبه ، كما حكم النبي r في قصة عبد ابن زمعة بالولد المتنازع فيه لصاحب الفراش ولم يعتبر الشبه المخالف له فاعمل r الشبه في حجب سوده حيث أنتفي المانع من إعماله في هذا الحكم بالنسبة غليها ولم يعلمه في النسب لوجود الفراش ) (4 ) ومن تشديد الشارع في نفي النسب بعد ثبوته أنه حصر نفيه بطريق واحد فقط وهو اللعان ، واشترط لإقامته شروطاً كثيرة تحد من حصوله ، وتقلل من وقوعه - وقد سبق بيانها - وبناء علي ذلك فإنه لا يجوز استخدام البصمة الوراثية في نفي نسب ثابت ، كما لا يجوز الاكتفاء بالبصمة الوراثية عن اللعان في نفي النسب بمقتضي نتائجها الدالة علي انتفاء النسب بين الزوج والمولود علي فراشه ، وذلك لأن اللعان حكم شرعي ثابت بالكتاب والسنة والإجماع وله صفة تعبدية في إقامته ، فلا يجوز إلغاؤه ، وإحلال غيره محله ، أو قياس أي وسيلة عليه مهما بلغت من الدقة والصحة في نظر المختصين به . وإن كان بعض الفقهاء المعاصرين قد ذهبوا إلي جواز الأخذ بالبصمة الوراثية والاكتفاء بها عن اللعان إذا دلت نتائجها عن انتفاء النسب بين الزوج والمولود علي فراشه ، معللين لذلك بأن الزوج إنما يلجأ إلي اللعان لنفي النسب عند فقد من يشهد له بما رمي به زوجته ، وحيث أن الفحص من خلال البصمة الوراثية قد يدل علي صحة قول الزوج ، فإنها تكون بمثابة الشهود التي تدل علي صدق الزوج فيما يدعيه علي زوجته في حال ثبوت انتفاء النسب بين الزوج والمولود علي فراشه من خلال نتائج البصمة الوراثية ( 5) ومع تقديري للقائلين بهذا القول من الفقهاء فإن فيه من المصادمة للنصوص الشرعية ، الجرأة علي إبطالها ، وإلغاء العمل بها ما يحمل علي رد هذا القول وعدم اعتباره ، وذلك لأن الأحكام الشرعية الثابتة لا يجوز إلغاؤها ، أو إبطال العمل بها إلا بنص شرعي يدل علي نسخها وهو أمر مستحيل ، ولأنه لو أقرت الزوجة بصدق زوجها فيما رماها به من الفاحشة فإن النسب يلحق الزوج لقوله r ( الولد للفراش وللعاهر الهجر ) ولا ينتفي عنه إلا باللعان ولأن اللعان يشرع لدرء الحد حاملاً ، ويعلم الزوج أن الحمل منه ، ولكنه زنت بعد الحمل فيريد أن يدرأ الحد علي نفسه باللعان فلا يجوز منعه من هذا الحق الثابت له شرعاً ، فكيف يجوز إلغاء حكم شرعي بناء علي نظريات طبية مظنونة ، والله عز وجل يقول ) وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضي الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ( ( 6) وقد جاء في مشروع توصية المجمع الفقهي برابطة العالم الإسلامي في دورته الخامسة : ( أنه لا يجوز استعمال البصمة الوراثية في نفي النسب استقلالً اكتفاء باللعان ، ولا استعمالها في نفي نسب من ثبت نسبه بأي دليل شرعي ) ( 7) وقال الشيخ محمد الأشقر ( إنه لن يكون مقبولاً شرعاً استخدام الهندسة الوراثية ، والبصمة الوراثية لإبطال الأبوة التي ثبتت بطريق شرعي صحيح من الطرق التي تقدم بيانها ولكن مجال العمل بالبصمة الوراثية سيكون في إثبات أو نفي أبوة لم تثبت بطريق شرعي صحيح .....) (8 ) هذا ومع أنه لا يجوز الاكتفاء بالبصمة الوراثية عن اللعان ، فإنه يحسن الاستعانة بها علي اعتبار أنها قرينه قد تحمل الزوج علي العدول عن اللعان فيما إذا ثبت من خلال نتائج البصمة الوراثية أن المولود علي فراشه هو أبنه قد تخلق من ماءه ، وهذه مصلحة شرعية يدعو إليها الشرع المطهر ويتشوف إليها لما فيها من تأكيد للأصل الشرعي وهو ( أن الولد للفراش ) ، ولما فيها من درء مفسدة اللعان وضرره ، فإن أصر الزوج علي طلب اللعان للانتفاء من نسب المولود علي فراشه فذلك حق له لا يجوز منعه منه بناء علي ما ظهر من نتائج البصمة الوراثية من كون المولود المراد نفيه هو أبنه . ولو أن اللعان تم بين الزوجين ، وانتفي الزوج من الولد ، ثم أكذب نفسه ، وعاد واستلحق الولد بنسبه ، فأنه يلحق به سواءً أكان إستلحاقه بسبب ما ظهر له من نتائج البصمة الوراثية قبل اللعان أو حتي بعده والتي تدل علي أنه ولده ، أو لم يكن إستلحاقه بعد اللعان بسبب ، لأن الفقهاء أجمعوا علي أن الملاعن إذا أكذب نفسه وأستلحق الولد بعد نفيه فإنه يقبل منه ويلحقه نسبه ، لتشوف الشارع إلي ذلك ، لكن يقام عليه حد القذف إن كانت الزوجة محصنة ، ويعذر إن لم تكن محصنة ) ( 9) وأما إذا تبين من خلال نتائج البصمة الوراثية صحة ما يدعيه الزوج من كون أن المولود علي فراشه ليس أبنه ، فذلك قرينه تقوى جانب الزوج ، وتؤكد حقه في اللعان . فالخلاصة أنه لا يجوز الاكتفاء بالبصمة الوراثية عن اللعان علي اعتبار أن نتائجها عند ذوي الاختصاص بها قطعية أو قريبة من القطعية ، وذلك لأن الحكم الشرعي لا يجوز إبطاله وترك العمل به إلا بدليل نصي وهو غير ممكن ، غير أن الحاكم الشرعي يجدر به أن يستفيد من هذه التقنية الحدية المتطورة وإجراء الفحوصات المخبرية للبصمة الوراثية للاستعانة بها كقرينة من القرائن التي يستعان بها علي التحقق من صحة دعوى الزوج أو عدمها ، بغرض الحيلولة دون وقوع اللعان قدر المستطاع لحض الشارع علي درء ذلك ومنعه ، وتشوفه لاتصال الأنساب وبقاء الحياة الزوجية (10 ) المراجع: 1. أنظر البصمة الوراثية وتأثيرها علي النسب إثباتاً ونفياً ، للدكتور نجم عبد الواحد ص 6 ، مناقشات جلسة المجمع الفقهي برابطة العالم الإسلامي عن البصمة الوراثية في دورته ( 15 ) ، ص 6 . 2. - أنظر مناقشات جلسة المجمع في دورته ( 15 ) ص 7 ، موجز أعمال الندوة الفقهية الحادية عشر حول الوراثة والهندسة الوراثية ، ص 85 . 3. - المغني 5/769 4. - الطرق الحمية ، ص 201 5. - انظر : بحث الشيخ محمد مختار السلامي في ثبت أعمال ندوة الوراثة والهندسة الوراثية 1/405 6. - سورة الأحزاب آية 36 7. - مناقشات جلسة المجمع الفقهي عن البصمة الوراثية في دورته ( 15 ) ص 21 8. - إثبات النسب بالبصمة الوراثية ضمن ثبت أعمال ندوة الوراثة والهندسة الوراثية ،1/454 9. - انظر المغني 7/419 /الشرح الكبير 5/29/بداية المجتهد 2/90 10. - وقد ذكر لي فضيلة الشيخ عبد العزيز القاسم وهو أحد القضاة في محكمة الرياض الكبرى أنه تقدم إليه شخص بطلب اللعان من زوجته بالانتفاء من بنت ولدت علي فراشه ، فأحال القاضي الزوجين مع البنت إلي الجهة المختصة لإجراء اختبارات الفحص الو راثي ، فجاءت نتائج الفحص بإثبات أبوة هذا الزوج للبنت إثباتاً قطعياً ، فكان ذلك مدعاة لعدول الزوج عن اللعان وزوال ما كان في نفسه من شكوك في زوجته ، كما زال أيضاً بهذا الفحص الحرج الذي أصاب الزوجة وأهلها جراء سوء ظن الزوج ، فتحقق بهذا الفحص مصلحة عظمي يتشوف إليها الشارع ويدعو إليها .
|
أطبع
الموضوع |
أرسل الموضوع لصديق
|
|
|
|
|