في استخدام البصمة الوراثية في مجال النسب المطلب الأول : في تعريف النسب وعناية الإسلام به
أولاً : تعريف النسب : التعريف اللغوي : النسب في اللغة : القرابة ، وسميت القرابة نسباً لما بينهما من صلة واتصال ، وأصله من قولهم نسبته إلي أبيه نسباً ، ومن باب طلب ، بمعني : عزوته إليه ، وانتسب إليه : اعتزي. والاسم : النسبة بالكسر ، وتجمع علي نسب ، قال ابن السكيت : يكون من قبل الأب ، ومن قبل الأم ، وقال بعض أهل اللغة : هو في الآباء خاصة علي اعتبار أن المرء إنما ينسب لأبيه فقط ولا ينسب لأمه إلا في حالات استثنائية . وقد استعمل النسب وهو المصدر في مطلق الوصلة بالقرابة فيقال : بينهما نسب أي قرابة ،وجمعه أنساب .قال الراغب الأصفهاني النسب والنسبة : اشتراك من جهة أحد الأبوين وذلك ضربان : نسب بالطول ، كالاشتراك من الآباء والأبناء ، ونسب بالعرض ، كالنسبة بين بني الأخوة ، وبني الأعمام (1 )
التعريف الاصطلاحي : مع البحث المستفيض في كثير من المصنفات في المذاهب الفقهية الأربعة لم أقف علي تعريف شرعي للنسب جامع مانع إذ يكتفي الفقهاء بتعريف النسب بمعناه العام ، المستفاد في معناه في اللغة وهو مطلق القرابة بين شخصين ، دون أن يعرفوه بالمعني الاصطلاحي الشرعي ، وهو الذي يفيد صحة ثبوت النسب لشخص ما ، أو عدم ثبوته له . ومن تلك التعريفات العامة تعريف العلامة البقري بقوله : ( هو القرابة ، والمراد بها الرحم ، وهي لفظ يشمل كل من بينك وبينه قرابة ، قربت أو بعدت ، كانت من جهة الأب أو من جهة الأم ) ( 2) وعرفه صاحب العذب الفائض ، بالقرابة أيضاً ، ثم قال ( وهي الاتصال بين إنسانين بالاشتراك في ولادة قريبة أو بعيدة . وقد حاول بعض الباحثين المعاصرين تعريف النسب بمعناه الاصطلاحي الخاص ، وهو القرابة من جهة الأب باعتبار أن الإنسان إنما ينسب لأبيه فقط فقد قال في تعريفه : ( حالة حكمية إضافية بين شخص وآخر ، من حيث أن الشخص انفصل عن رحم امرأة هي في عصمة زوج شرعي ، أو ملك صحيح ، ثابتين ، أو مشبهين الثابت للذي يكون الحمل من مائه ) (3 )
ثانياً : عناية الإسلام بالنسب : أولت الشريعة الإسلامية النسب مزيداً من العناية ، وأحاطته ببالغ الرعاية ، ولا أدل علي ذلك من جعله في طليعة الضروريات الخمس التي اتفقت الشرائع السماوية علي وجوب حفظها ورعايتها . وأن من أجلي مظاهر العناية بالنسب في الإسلام أن الله تعالي أمتن علي عباده بأن جعلهم شعوباً وقبائل ليتعارفوا ، فقال عز وجل : (( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثي وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا أن أكرمكم عند الله اتقاكم )) ( 4) ولا يتحقق معرفة الشعوب والقبائل ، وما يترتب علي ذلك من تعارف وتألف إلا بمعرفة الأنساب وحفظها عن الاشتباه والاختلاط . ومن أجل ذلك عني الإسلام أيما عناية بتنظيم العلاقة بين الرجل والمرآة ضماناً لسلامة الأنساب ، فحرم الإسلام كل اتصال جنسي يتم علي أصول شرعية يحفظ لكل من الرجل والمرآة ما يترتب ما يترتب علي هذا الاتصال من آثار ، وما ينتج عنه من أولاد ، وأبطل جميع أنواع العلاقات التي تعارفت عليها بعض الأمم والشعوب التي انحرفت عن شرائع الله السوية ، ولم يبح الإسلام سوي العلاقة القائمة علي النكاح الشرعي بشروطه المعتبرة ، أو بملك اليمين الثابت ، ولذا قال عز وجل ) والذين هم لفروجهم حافظون (5) إلا علي أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين (6) فمن أبتغي وراء ذلك فأولئك هم العادون ( ( 5)
ومن مظاهر عناية الإسلام بالنسب أنه شدد النكير ، وبالغ في التهديد للآباء والأمهات حين يقدمون علي إنكار نسب أولادهم الثابت ويتبرؤون منهم ، أو حين ينسبون لأنفسهم أولاداً ليسوا منهم وفي هذا يقول عليه الصلاة والسلام : ( أيما امرأة أدخلت علي قوم من ليس منهم فليست من الله في شيء ، ولن يدخلها الجنة ، وأيما رجل جحد ولده وهو ينظر إليه ، احتجب الله منه يوم القيامة ، وفضحه علي رؤوس الأولين والآخرين ) ( 6) وحرم الإسلام الانتساب إلي غير الآباء حيث قال عليه الصلاة والسلام في معرض التحذير من ذلك ، وبيان الوعيد الشديد علي فاعله : ( من ادعي إلي غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام ) (7 ) وأبطل الإسلام التبني وحرمه ، بعد أن كان مألوفاً وشائعاً عند أهل الجاهلية وفي صدر الإسلام ، يقول عز وجل ) ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آبائهم فإخوانكم في الدين ومواليكم ( (8 ) وإنما حرم الإسلام التبني لما يترتب عليه من مفاسد كثيرة لكون المتبني ابناً مزوراً في الحقيقة والواقع ، وعنصراً غريباً عن الأسرة التي أنضم إليها ، ولا يحل له أن يطلع علي محارمها ، أو يشاركها في حقوقها ، إضافة إلي أنه قد لا ينسجم مع أخلاقها ، ولا يتلاءم مع طباعها ، لإحساسه وإحساس الأسرة بأنه أجنبي عنها ، وسواء كان المتبني معروف النسب أو مجهولة ، إلا أن الإسلام مع هذا يلحق المجهول بمن أدعاه بمجرد الدعوى ، مع إمكان كونه منه عادة ، وكل هذا من عناية الشريعة الإسلامية بالنسب ، ومزيد رعايتها له تحقيقاً لمقاصد عظيمة ، وحكم جليلة .
المراجع: 1 - انظر : المفردات ص 490 ، وانظر القاموس المحيط 1/ 131، والمصباح المنير 2/ 602 . 2 - حاشية البقري علي شرح الرحبية للمارديني ، ص 32 . 3 - الموسوعة الفقهية ص 14 . ونقله عنه صاحب كتاب ثبوت النسب ص ، 10 4 - سورة الحجرات ، آية رقم ( 13 ) 5 -سورة المؤمنون ، آية رقم ( 5-7) 6 -رواه أبو داود في سننه ( 2/ 279 ) والنسائي في سننه ( 6/179) . 7 -رواه البخاري في صحيحه ( 4/170 ومسلم في صحيحه (1/57 ) . 8 -سورة الأحزاب ، آية رقم ( 5)