الدكتور الحبيب صاحب إصدارات متميزة تجمع بين الدين والعلم الحديث وبين العلاج النفسي والعلاج بالقرآن الكريم، وقد وجدت إصدارات الدكتور الحبيب قبولاً كبيراً لدى قاعدة عريضة من القراء والمتابعين، حتى إن كتاب (كيف تحاور؟) صدر منه ثلاث عشرة طبعة حتى الآن ، بينما طُبع كتاب (مفاهيم خاطئة عن الطب النفسي) (ست طبعات) وكتاب الوسواس القهري (أربع طبعات). وقد عودنا المؤلف على معالجة هذه القضايا الدينية والطبية الصعبة بعبارة سلسة وأسلوب سهل مشوق مع استشهادات مهمة في السياق من السيرة والتاريخ. وإصداره الذي أمامنا "نحو نفس مطمئنة واثقة" هو محاولة متمكنة من داعية وطبيب متخصص للوقوف على معنى الحياة المطمئنة التي يحتاجها المسلم، خاصة في هذا العصر الذي يعيش فيه الانسان أزمة حضارية حقيقية، وأصبح التسابق فيه على تشييد البنيان على حساب بناء الإنسان. ومنذ البداية يؤكد الدكتور الحبيب أن الإسلام اهتم بالبناء النفسي والروحي للإنسان إلى جانب الاهتمام بالجسد وأشواقه المادية، مبيناً أن النبي -صلى الله عليه وسلم- في تربيته للصحابة لم يكن فقط يقوي الإيمان في قلوبهم وإنما كان أيضاً يبني أنفساً بشرية قادرة على العطاء والتحمل وقيادة الانسانية،... ومن تأمل في السيرة النبوية يرى عجباً في اعتبار النبي -صلى الله عليه وسلم- للجوانب النفسية في الخطاب وفي الاشارة وفي التصريح وفي التلميح وفي القول وفي الفعل وفي المقام وفي المقال، حتى في الدعوة والموعظة وهي وظيفة النبي الأولى كان -صلى الله عليه وسلم- يراعي هذه الجوانب عند المتلقين وهم الصحابة الأجلاّء، فلم يكن -صلى الله عليه وسلم- يطيل في خطبته الى حد السأم، ولم يكن يطيل في عباراته لأنه أوتي جوامع الكلم، ولم يكن يكثر من الموعظة بل كان يباعد بين مواعظه، يقول عبدالله بن مسعود -رضي الله عنه: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخولنا بالموعظة في الأيام كراهة السآمة علينا" فمع أن النبي ومن حوله هم أفضل القرون وهم الجيل المنتقى فقد كان يتخول الوقت المناسب للموعظة (المقام) والقول المناسب لها (المقال) ويباعد بين فترات مواعظه -صلى الله عليه وسلم- وهذا هو المنهج الدعوي الحقيقي الذى ينبغي للدعاة أن ينتهجوه بعيداً عن تسفيه الناس والسخرية من معاصيهم وإغفال الجوانب النفسية في الدعوة الى الله. إن الدعاة -كما تؤكد رسالة الدكتور الحبيب- عليهم دور أصيل في تربية النفس المسلمة على الثقة بربها وبدينها وبأحقية هذا الدين في جلب السعادة والهناء التي يطلبها الانسان فمنهج الاسلام فيه الراحة التامة وتعاليمه فيها الطمأنينة الكاملة.. فيه التوفيق والسعادة للانسان في توافقه مع ذاته ومع حاجاته النفسية والجسدية. وينبغي للدعاة ألا يقدّموا الدين للناس بطريقة الاستجداء: احرص يا أخي على هذا الدين، والدين فيه خير، بل ينبغي أن نقدم دعوتنا بطريقة واثقة مطمئنة وندعو الناس الى النظر في حقيقة مراد هذا الدين في الحياة، حتى تصل الى المدعو رسالة غير مباشرة تقول: "أدرك نفسك، ليس فقط كي تدخل الجنة وتنجو من النار، بل كي تستمتع بالدنيا حقيقة الاستمتاع".