حينما تقلق وأنت طالب تدخل الامتحان فهذا القلق طبيعي وسوي و يحدث لكل إنسان وحينما تقلق وأنت رياضي وقد وقفت في بداية اللعبة متوتراً فهذا أيضاً قلق سوي وحينما يقلق الموظف وهو يواجه احتمال فصله من وظيفة فهو قلق سوي وكل الناس يقلقون عند مؤثرات البيئة وتظهر عليهم بوادر القلق وأعراضه الجسيمة والنفسية كسرعة النبض وخفقات في القلب وارتفاع ضغط الدم وشحوب الوجه وبرودة الأطراف ورعشة اليدين … ألخ من أعراض لكن حينما تقلق بدون سبب خارجي أو مؤثر بيئي أو حادث موضوعي خارج ذاتك ، فذلك قلق آخر لا يعرف الطب له سبباً عضوياً حتى اليوم ، هذا القلق هو مرض نفسي قد يؤدي إلى الهلع و إلى إنهاء الحياة وإلى الكآبة وإلى وإلى ..)
ويطلق العلماء على مرض القلق هذا بأنه داخلي المنشأ وأن ضحاياه لهم استعداد وراثي له وهو يبدأ عادة بنوبات من القلق تداهم المصابين فجأة أو بغتة دون إنذار أو سبب ظاهر ، وهذا القلق يصيب حوالي 5% من السكان في أي وقت بعينه وقد يصيب 1% إلى درجة العجز الكلي ، كما أن 80% من المصابين به هم من النساء ، ويصيب هذا المرض الإنسان في عمر مابين العقد الثاني وأوائل العقد الثالث من العمر وقلما يخالف هذا العمر فما هي حدود واحتمالات أن يكون هذا المرض القلقي هو مرض وراثي - جيني بعد أن عجزت التفسيرات الأخرى أن تجيب عنه إجابة واضحة ؟
إذا كانت كل مؤثرات البيئة الخارجية التي تحدث القلق طبيعياً وسوياً غير موجودة ومع هذا كان المرض موجود وأحياناً فجأة بدون مقدمات فمن حق العلماء والأطباء أن يبحثوا عن سبب داخلي في جسم الإنسان لتفسيره علمياً لقد وجد علماء الطب أن هناك إمارات تشير إلى احتمال أن هناك سبباً جسيماً للاضطراب ( كان هناك أولاً دليل يشير إلى أن التعرض للإصابة بالمرض قد يتم توارثه عن طريق الجينات ، فكثير من المرضى أخبروا أطبائهم بوجود أفراد آخرين في عائلاتهم يشكون من أمراض مشابهة ثم أجريت دراسات إحصائية عن مدى انتشار الاضطراب بين أقارب المصابين من الناس ووجد أن احتمال الإصابة عند ذوي القرابة الوثيقة بإنسان مريض بالحالة أكبر منه عند غيرهم ممن لا تربطهم صلة قرابة بواحد من المرضى وبلغت هذه النتيجة من القوة حداً يبعد معه جداً أن يرجو ذلك إلى الصدفة وحدها ، وبدا أنه كذلك كلما زادت صلة القرابة البيلوجية بالشخص المصاب أزداد الاحتمال في ظهور الاضطراب ، وقد استخدمت أساليب رياضية خاصة لتحليل أشجار النسب في العائلات المصابة ، يشير الدليل إلى أن الاستعداد لهذا الاضطراب يتمشى إلى حد وثيق وأن لم يكن كاملاً مع وجود نمط وراثي لواحد من الجينات السائدة dominant - gene - inneritanee patterr ومن شأن هذا النمط الوراثي أن يسمح للحالة بالانتقال من أحد الابوين ولا يستدعي أن ينتقل بالوراثة من كلا الأبوين في العائلة ( ص 102 القلق ) .
على أن من الارتباطات البيولوجية التي أكتشفها العلماء أيضاً بين مرض القلق وحالة أكبر هو ارتباطه شديد الارتباط بوجود حالة في القلب تعرف بسقوط الصمام الميترالي prolapse valve mitral ، فقد كان على التقريب واحد من كل ثلاثة مصابين بنوبات الهلع بهذا الاضطراب الذي يتعلق بارتخاء الصمام الميترالي في القلب أيضاً ، والمعتقد أن هذا الصمام المترالي المرتخي يتم توارثه عن طريق واحد من الجينات السائدة ، على أن الاضطراب لا يعد مشكلة خطيرة في القلب عادة ، ولا أحد حتى الآن يفهم العلاقة بين الحالتين تماماً ، ومع ذلك فأن الوجود المشترك لمرض القلق مع سقوط الصمام الميترالي الموروث يقدم المزيد من دعم الفكرة القائلة أن هناك بعض الاستعداد الموروث لمرض القلق ، ومما يقوي الاعتقاد الوراثي بالمرض الدراسات الإحصائية التي أشارت إلى أن هناك ميلاً أكبر لإصابة كل من التوأمين بمرض القلق لو كانا توأمين متطابقين مما لو كانا توأمين غير متطابقين ، وتقول هذه الدراسات أن هذا المرض لو كان يحدث بسبب التعلم أو ضغط البيئة لوجبت إصابة كل من التوأمين بنسبة متساوية بغض النظر عن كونهما متطابقين أو غير متطابقين لأنهما نشأ معاً في الوقت نفسه وفي العائلة نفسها وتعرضا للبيئة عينها ، أما إذا كان المرض في أصله وراثياً من الناحية الأخرى - توقف إصابة التوأمين المتطابقين كليهما بالمرض حيث يكون تكوينهما الوراثي متطابقاً ونتائج الدراسة على التوائم توحي بأن الوراثة تميل إلى أن تزيد في تأثيرها على عوامل البيئة من حيث الإسهام العام في نشأة الاضطراب أن النضر إلى المخ أثناء نوبة القلق عبر التصوير بالبوزترون قاد إلى الحصول على صورة لسريان الدم في الأماكن المختلفة من المخ حيث تبين وجود شذوذ في التماثل في سريان الدم من الجانب الأيسر والأيمن في منطقة صغيرة من المخ تسمى الفص المجاور للهيوكامبس parahip polampal gyrus وهي منطقة يعتقد أنها تلعب دوراً هاماً في التعبير عن الانفعال وعند الخوف وكانت هذه أول مرة يتم فيها تمييز شذوذ محدد في المخ في هذا المرض 0 وأصبح الذي كان في الماضي شعوراً يحسه المريض وجده شيئاً يمكن رؤيته وتصويره وتحديده بطريقة موضوعية وقد أمكن في دراسات لاحقة من غرس سلكاً أو لاقطة كهربائية في مركز صغير في المخ الأسفل يسمى منطقة كيروليوس locus coeruleus في القرود مقطوعة الاذناب وعند تنبيه هذه اللاقطة كهربائياً سلكت القرود مسلكاً أشبه بالهلع والقلق والخوف كأن خطراً يوشك أن يقع عليها ، ثم أدى إتلاف هذا المركز الصغير في المخ عند القرود إلى تأثير مضاد على النقيض 0 حيث لم تهتم بالتهديدات وأصبحت بغير خوف ظاهر من اقتراب الناس 0