التوحد إعاقة نمائية تنتج عن اضطراب عصبي يؤثر سلباً على وظائف الدماغ . وتظهر هذه الإعاقة عادة في السنوات الثلاث الأولى من الحياة ، وترتبط بمظاهر عجز شديد في الأداء العقلي ، والاجتماعي ، والتواصلي . وينطوي تدريب الأطفال التوحديين وتعليمهم على تحديات كبيرة . وتنجم هذه التحديات جزئياً عن طبيعة التوحد ، حيث انه يأخذ أشكالا متعددة جداً . فليس هناك استجابات مشتركة يظهرها جميع الأطفال التوحديين ولكن لكل طفل شخصيته الفريدة وأنماطه السلوكية الخاصة . وقد بقيت آراء الاختصاصيين تعكس تشاؤماً شديداً إزاء أمكانية إحداث تغيير ذي معنى في نمو الأطفال التوحديين وسلوكهم إلى نهاية عقد السبعينات من القرن العشرين . ألا أن التفاؤل أصبح يحدو الباحثين والممارسين بعد أن بينت الدراسات العلمية نجاح أساليب تعديل السلوك في تدعيم السلوكيات التكيفية للأطفال التوحديين وخفض سلوكياتهم غير التكيفية . والأكثر من ذلك أن الدراسات في عقد الثمانينات وأضحت إن هذه الأساليب أصبحت تحقق تحسناً ملحوظاً في سلوك الأطفال التوحديين بفعل التعديل والتطوير الذي خضعت له هذه الأساليب مؤخراً على ضوء نتائج البحوث العلمية المكثفة ذات العلاقة . وهكذا ، فعلى الرغم من التباين بل والارتباك الذي اتسمت به الأدبيات العلاجية والبحثية فيما يتعلق بتشخيص التوحد ، وبأسبابه ، الا أنها أصبحت واضحة نسبياً على صعيد الأساليب والبرامج التدريبية والعلاجية الأكثر فاعلية من غيرها . وتلك الأساليب والبرامج هي التي تستند إلى مبادئ تحليل السلوك التطبيقي بما تقوم عليه من قياس متكرر ومباشر للاستجابات القابلة للملاحظة ، والتحليل التجريبي للعلاقات الوظيفية بين تلك الاستجابات والمتغيرات البيئية القبلية ذات العلاقة بها .
الخصائص النمائية والسلوكية للأطفال التوحديين : لعل عرض الخصائص النمائية والسلوكية العامة للأطفال التوحديين يساعد في توضيح أساليب تعديل السلوك المستخدمة تقليدياً مع هؤلاء الأطفال ومبررات استخدامها : o الكلام ، واللغة ، والتواصل : إن أحدى أهم خصائص الأطفال التوحديين الملفتة للنظر هي عجزهم عن التواصل مع الآخرين . فحوالي 50% من هؤلاء الأطفال لا يتكلمون والنسبة الباقية لا تمتلك سوى قدرة محدودة جداً من حيث التعبير والاستيعاب اللغوي . وعندما يكون الطفل قادراً على الكلام ، فكلامه يكون غير مفهوم وتكراري . وذلك ما تطلق عليه الأدبيات المتخصصة اسم الترديد الصوتي أو المصاداة . ومثل هذه الظاهرة تعيق قدرة الطفل على التواصل والتعلم . ولما كانت العلاقة بين الترديد الصوتي والكلام الطبيعي علاقة عكسية ، فإن معظم الدراسات المتعلقة بتدريب المهارات اللغوية للأطفال التوحديين ركزت على ايقاف ظاهرة الترديد والمصاداة . ولذلك فإن أحد الأهداف المهمة في تدريب معظم الأطفال التوحديين مساعدتهم على تطوير نظام تواصلي لا يتضمن لغة معقدة بالضرورة بل قد يقتصر على استخدام كلمات مفردة أو لغة إشارة ، الخ .
o المهارات الاجتماعية والسلوكية : تتمثل الصفة الأساسية الثانية للأطفال التوحديين في مظاهر العجز الشديد في نموهم الاجتماعي والذي يظهر أساسا على شكل انسحاب عاطفي وعدم فهم قواعد التفاعل الاجتماعي . ويعتقد إن هذا العجز لا ينجم عن رغبة هؤلاء الأطفال بتجنب الآخرين أو عن عدم اكتراثهم بهم بقدر ما ينجم عن عدم استيعابهم لأصول التعامل الطبيعي مع الأشخاص الآخرين . كذلك فإن هؤلاء الأطفال يظهرون أشكالا مختلفة من السلوكيات غير المناسبة مثل السلوك العدواني ، وإيذاء الذات ، ونوبات الغضب ، والفوضى ، الخ . ومن الواضح ان مثل هذه الاستجابات بحاجة إلى خفض وان الاستجابات التكيفية بالمقابل بحاجة إلى تدعيم وتطوير .
o السلوك النمطي : أما الصفة الرئيسية الثالثة المميزة للأطفال التوحديين فهي نزعتهم لإظهار مستويات غير طبيعية من الارتباط بالأشياء والأحداث تعبر عن ذاتها بإصدار السلوك النمطي ( أو ما يعرف أيضاً بالسلوك الطقوسي أو التوحدي أو سلوك إثارة الذات ) . كذلك فإن استجابات هؤلاء الأطفال تعبر عن شعورهم بعدم الطمأنينة إزاء التغيرات غير المتوقعة في البيئة من حولهم . وحتى طرقة لعبهم تتصف بالرتابة ، والنمطية وتعكس مدى محدوداً جداً من التخيل .
o الضعف العقلي : خلافاً للاعتقاد الذي كان سائداً لعدة سنوات ، فإن معظم الأطفال الذي يعانون من التوحد لديهم تتخلف عقلي . ولعل تمتع هؤلاء الأطفال بمظهر جسمي طبيعي ، وبمهارات حركية عادية ، وببعض المهارات المتطورة أحياناً هي التي أدت إلى شيوع ذلك الاعتقاد غير الصحيح .
o عدم تكافؤ النمو أو عدم ثباته : كذلك فإن من خصائص الأطفال الذين يعنون من التوحد أن نموهم غير متكافئ بمعنى أنه قد يكون متطوراً في بعض المجالات وغير متطور في مجالات أخرى . ومن الخصائص الأخرى لنمو الأطفال عدم الثبات من وقت إلى آخر بمعنى أنهم يستجيبون في وقت ما لا يستجيبون في أوقات أخرى .
o الانتباه المفرط في انتقائيته : ومن الخصائص الأساسية للأطفال التوحديين التي لها مضامين هامة عند تنفيذ برامج تعديل السلوك بل وعند تنفيذ البرامج التعليمية والتدريبية عموماً هي أن هؤلاء الأطفال يواجهون صعوبة كبيرة في الاستجابة للمثيرات المتعددة وذلك ما يسمى بالانتقائية المفرطة للمثيرات . وتزداد هذه الانتقائية بازدياد شدة التوحد . ولا يعني هذه الظاهرة ان الأطفال التوحديين يجرون عملية مسح للمثيرات وينتقون الملائم منها ، ولكنهم في حقيقة الأمر يستجيبون لبعض خصائص المثير والتي قد تكون غير مهمة وعديمة الصلة بالموقف . والمضامين التدريبية ذات العلاقة هنا واضحة وهي ان التدريب باستخدام مثيرات متعددة لن يكون مجدياً مع هؤلاء الأطفال . كذلك فإن التدريب الفعال هو الذي يوظف النموذج الحسي المفضل بالنسبة للطفل وليس التدريب بتوظيف مختلف الحواس . والمثل ، فإن استخدام أسلوب التلقين والحث والذي يتضمن توظيف مثيرات تمييزية إضافية لمساعدة الطفل على الاستجابة بشكل صحيح هو الآخر ليس مجدياً .