|
110533743 زائر
من 1 محرم 1425
هـ
|
|
|
إبداعات أدبية
|
مثلى إسحق عبد الواحد |
الكاتب : سهير عبد الحفيظ عمر |
القراء :
3721 |
مثلى إسحق عبد الواحد بقلم سهير عبد الحفيظ عمر 21مارس ..تاريخٌ يرتبط في ذهني بما نسميه في مصر ( عيد الأم ) ثم صار ( عيد الأسرة ) لكنه ارتبط في حياةِ السيدة ( مثلى ) بأحداثٍ كثيرة ، ولعلها أهم أحداثِ الحياة ؛ ففي 21 مارس كان مولدها في مدينةٍ تحتضنُ الزراعةَ والصناعة َعلى ضفافِ النيل ( المحلة الكبرى ) ، جدتها كانت ( مثلى البيضاء ) لذا أطلقوا على الوليدةِ ( مثلى ) وكأنهم أرادوها ( مثالا ومثاليةً ) فكانت .. وتمرُّ الأعوامُ ..تتزوجُ ( السيدةُ مثلى ).. وفي الواحد والعشرين من مارس تتيه بإنجازها_ كمعلمة اقتصاد منزلي _ للمعرضِ المدرسي الخاصّ بالأم ، لكن طرقات المخاضِ تستأذنُ الحضور --- ويمتزجُ صوتُ المؤذنِّ للظهر بلسان ( السيدة مثلى ) يلهجُ بحمدِ الله وتسبيحه لولادة ِ( محمد ) --- تتراقصُ قسماتها تحتضن ُالوليد ، وتظل تردد: لك الحمدُ يا ربي ، محمد ٌ بعد رشا --- الذكروالأنثى ---- أتظل هناك أمنية ؟؟؟ شكّل ميلادُ ( حمادة )_كما صارت تدعوه_ أهمية ًخاصةً للأسرة ؛ فوالده وحيدُ والديه ، وهاهو الغصنُ يمتدُّ ويتفرع . رائعا كان ( حمادة ) ببشرته ، بلونه ، بحجمه ، بكل شيء --- هكذا احتواه قلبُها --- ورغم ذلك تلمحُ غيمةً تجهل ُمصدرها -- سرعان ما يبددها صفاءُ الفرحةِ ( بحمادة ) -- بعد شهرين من مولد حمادة تتأوه الأمومةُ القلقة من مجهول ؛ وليدها يعاني شيئا لا تدركه في تنفسه ، وتتعجب ( أم رشا ) كيف يرفض زوجها أن تذهب بطفلها إلى الطبيب؟! لكنها تلح وتصر -- بعد الفحص ..يطول الانتظار ، تترقب الأم الطبيب الذي يقذفها بعبارة : (محمد مُنغول) ، وتهتف حيرة الأم : يعني إيه ؟ تأتيها باستهتارٍ طعنةُ جوابٍ تكاد تسقطها :( يعني سيبك منه ، إنسيه خالص ، ماتقارنيهوش بحد ، وماتشغليش بالك بيه ، لن يتحسن .) تغادر ( أم رشا ) من استتر برداء الحكمة والطب .. تذهل عن الطريق .. ترحل خلف كلمات ما غادرت الذاكرة (منغول ، سيبك منه ، إنسيه خالص ) أو هكذا ؟! يتبعثر الحلم على قارعة منغول ؟ !--- وتدور في حلقة من الأحزان ، يلتقطها طبيب آخر ، ينصت لأمومتها ، يرحل معها عبر أمواج الحيرة والتساؤل ، يذكرها مجدافين من إيمان وصبر ، يمنحها سفينةَ الأملِ تبحرُ بها نحو شاطيء الرضا .تدعو للطبيب الذي أنصت لوجع أمومتها بظهر الغيب وأؤمن معها . تعلم ( أم رشا ) أن زوجها قد اكتشف حالة محمد بعد عشرةِ أيام ٍمن ولادته ، لكنه لم يخبرها بعد نصحِ أحد الأطباء خشية صدمتها وماقد يترتب عليها من رفضٍ لرعاية ِالطفل أو إرضاعه ، وقد يعجب ذات الطبيب حين يعلم أن تلك الأم _ وبعد وعيها الكامل بحالة طفلها - استمرت تمنحه ثدييها بكل عطائهما لثلاث سنوات كاملة وظلت معاناتها من أسنانه الناضجة رغم تأخر نموه أخف أنواع المعاناة . في هدأة الليل ، وبعيدا عن كل العيون كانت ( السيدة مثلى ) تناجى ربها ؛ سئمت كل العيون ، استمرت ترقب الوليد ومامن رشفةٍ ترطب قلقها ، تخبرني عن تلك الفترة ( اتمنيت آخده على جناحي وأطير بيه بعيد عن الناس ، وأرجع بيه كويس ) ، واستجاب الله صادق دعاء الأم ، وترحل خلف العمل إلى دولة عربية شقيقة ، وكانت الرحلة هي الجناح الذي حملت عليه ( حمادة ) ؛ وهناك ..تتخفف الأم من بعض الضغوط الاجتماعية ووحدها مع حمادة تجلس ، تناجيه ، تلاعبه ، تحادثه ، وتقرر التفرغ لمحمد وعدم الإنجاب مرة أخرى ! ولكن متى كانت قرارات البشر تحجب إرادة الله سبحانه وتعالى؟ ويشاء الرحمن أن يرزقها( محمودا ) . تبتسم وهي تتذكر ( ذات يوم .. وضعت ( محمودا )على السرير, وذهبت لبعض عملي وكان معه ( حمادة ) وفجأة سمعت بكاء الرضيع فهرعت للغرفة لأجد( محمودا) على الأرض لكن ( حمادة) سارع إلى سجادة صلاة وجلس عليها ممسكا بالمصحف ، وحينها وعيت أن طفلي المنغول يمكنه التفكير والتغلب علي بعض ماقد يواجهه من مشكلات ) عادت السيدة ( مثلى ) بأطفالها بعد أن بلغ حمادة ثمانِ سنوات ، بحثت عن سبلِ تعليمه، لم تجد مدرسةً في مدينتها ( المحلة الكبرى ) فكانت تذهب به إلى مدينة ( طنطا ) يوميا ، وهناك... اكتشفت أنها ليست وحدها بل يشاركها ألمُ الرحلة ومرافقة صغار ( كحمادة ) ما يقرب من أربعين أسرة .. يبهرُها صمودُ أسرٍ على المواصلةِ رغم الفقرِ والمعاناة ..يؤرقها السؤال : لم لا يكون في مدينتنا مدرسةٌ مع هذا العدد الراغب في تأهيل أبنائه ؟ ولا تهدأ حتى يتم إنشاء مدرسة التربية الفكرية بالمحلة الكبرى بالجهود الذاتية الأهلية لتقدم العطاءَ لأبناء المحلةِ من ذوي الإعاقةِ الذهنيةِ بعد إهدائها لوزارةِ التربيةِ والتعليم ، والتي بدأت بخمس فصول ومع بداية العام الدراسي تتسع المدرسةُ لتشمل تسع فصول ولا تتوقف الجهود ..تطرق كلَّ أبوابِ المسئولين وينصتُ البعضُ لآمالها وطموحها ليكون واقع المحلة الآن ثلاث مدارسٍ لذوي الإعاقةِ الذهنية ؛ مدرستان حكوميتان والثالثة تحولت للتأهيل المهني نتيجة للجهود الذاتية . ولكن ..ماذا بعد أن أنهى ( حمادة ) ورفاقه دراستهم ؟ إلى أين يذهبون بعد أن جاوزوا العشرين ؟ وكيف يقضون أوقاتهم سعداء ؟ ولا تهدأ ( أم حمادة ) _ وهى المعلمة التي لم تمارس الخدمة العامة ولا تعلم عن الإدارة شيئا _ حتى تؤسس جمعية ( الحب والعطاء لرعاية الفئات الخاصة بمدينة المحلة الكبرى ) بمشاركة ودعم زوجها الأستاذ عبد الرءوف عطية خضير وابنتها رشا ومجموعة من الشباب المتطوع _ الذين ينادونها ( ماما )_ إضافة لدعم محبي الخير بقلعة صناعة الغزل والنسيج ، لتصبح الجمعية مركزا يقدم الخدمة بمختلف أنواعها( المادية والتعليمية والتأهيلية ) لأكثر من أربعمائة ابن _ كما تصفهم _ من ذوي الاحتياجات الخاصة الذهنية وفاقدي السمع وفاقدي البصر، ويقومُ على التطوع والتبرعات بالدرجة الأولى . وتجذبني ابتسامةُ ( حمادة ) ومعاملته وهو يحييني ورفاقه ، وأساله : مبسوط يا حمادة ؟ فيضحك : الحمدُ لله ، أنا كويس خالص. عاوز أتجوز بقى ..ورغم ابتسامتنا ألمح طيف حزنٍ تواريه السيدة( مثلى ) رغم كل ما تحقق. ومع نجاح ِالسيدة مثلى إسحق عبد الواحد في خلق ِمجتمع ( حمادة ) وأقرانه السعيد ، يمتدُّ حوارُ أمومتنا حول حلم مدرسةٍ لأبناء مدينتنا من ( ضعاف السمع ) ، ولعله يكون واقعا قريبا ؛ فلا مستحيل أمام إيمان وإرادة أ سر آمنت بحق أطفالها ذوي الاحتياجات الخاصة في الحياة ومباهجها بما يلاءم قدراتهم ، ويعينهم على الخدمة الفاعلة في مجتمعاتهم . |
أطبع
الموضوع |
أرسل الموضوع لصديق
|
|
|
|
|