|
110532266 زائر
من 1 محرم 1425
هـ
|
|
|
إبداعات أدبية
|
تامر أنيس |
الكاتب : سهير عبد الحفيظ عمر |
القراء :
3613 |
تامر أنيس بقلم : سهير عبد الحفيظ عمر حين كانت الأرضُ صخرا من صمت .. كان الجذرُ ينحتُ دربَه لعمقٍ يمنحه البقاء ... وتسامت الأغصان ... فاستنشقت الأوراقُ نورَ الوجود.. ويثمرُ الصمتُ قلبا يفيض ... نبتا يزدهر رغم صحراء الصمتِ المؤلمةِ فيثمر لنا فيضَ أمل ٍيُغرقُ حرفي.. ؛( المهندس تامر )، الأصم العربي الأول ( صمم تام )_ وربما الوحيد في حدود علمي_ الحاصل على بكالوريوس الفنون التطبيقية ، جامعة حلوان ، رئيس الجمعية الأهلية للصم بالمعادي هو من بحثت عنه ، ورحلتُ إليه ، وأردتُ أن يلتقي به ولدي أحمد _ذي الاحتياج السمعي الخاص _ وهو على أعتابِ جامعته .. حملتُ قلقَ أمومتي على كفّ أمنية ٍ يحتضنها القلبُ بنجاح اللقاء . على شاطيء البحر الأبيض المتوسط ... وفي إسكندرية مصر .. وفوق كوبري ( ستانلي ) رست عيوني المبحرة في ميناء لغتهم الإشارية ..وعرفتهم ..تعالى نبضُ قلبي فأنصتوا إليه رغم الصمم ؛ مجموعة من الصم وضعاف السمع ، كان بينهم ( المهندس تامر ) . تلاطمت أمواج ُالبحر تشاركني اضطرابي ...ورغم ذلك قرأتُ فيها تجدد َالأمل وديمومةَ التغير واستمرار الحياة .... .قذف تامر قلقي إلى عمق المياه وهو يؤكد لأحمد ( ستنجح ..سننجح ) ، وتحرر ولداي_ أحمد وشقيقه عمر _ من قيدي ، وانطلقا مع الصم سعيدان بتواصلٍ جديد ، بينما رحلت مع المهندس تامر نطرق نافذة الذكرى ، اندفع حماسه يبدد برودة الجو وهو يتذكر نضاله وأسرته ؛ والده ووالدته .. كيف كان يغوص في كتب شقيقه الأكبر ليصل إلى عمق دررها بنفسه !! كيف كان إصرار أمه وشقيقه الأكبر على تعليمه ..يعزفُ على وتر ألمي حين يتذكر حرصَ أمه على عدم اختلاطه بالصم حتى الخامسة عشر من عمره ..كانت تناضل كي لا يستخدم لغة الإشارة ..ركزت كثيرا على نجاحه الدراسي ، لكن عجزه عن التواصل مع أقران ٍ كان يزلزل كيانه ، وتزلزلني عبارته ..فأتابع أحمد سعيدا بتواصله مع الآخرين كما لم أره في حياتي ..أجتهد أن أواري دموعي المناضلةَ في تطهيري من وزرِ عدم تواصلِ أحمد مع رفاقٍ من الصم وضعاف السمع ..تتابع عبارات ( المهندس تامر ) وهو يتذكر اللقاءات الأولى .. يشكو شعورَ الصمِ بغربتهم بين أُسرهم السامعة ، وعدم احتواءِ واقعَ المدارس لأحلامهم وآمالهم ...تكسو وجهَه موجةٌ من ألمٍ صاخب حين يتذكر اكتشافه لحجم الأمية الواقعة في عالم الصم .. ( الأميةُ طاغية ) _ أخبرني مترجم الإشارة أن تلك أنسب ترجمة لإشارته عن واقع الصم_ مثل الاكتشاف صفعة لآماله لكنه اكتشف أيضا أنهم قادرون على التعلم ، ومن هنا بدأ الفيض ..وينتقي منهم من يتوسم رغبتهم ، وقدرتهم ؛ يبدأ في تعليمهم القراءة والكتابة ، بينما يتعلم لغتهم الإشارية ، وينجحون معا ..وتستمر اللقاءات ..ويعلم الصم بوجوده فيتوافدون 00ويتواصلون ..ويتعلمون ..ثم يستنكرون لقاءاتهم على المقاهي ..فتولد فكرة الجمعية الأهلية للصم بالمعادي .. يؤلمه أن يقارن بين واقع الصم في الدول المتقدمة ، وواقعهم في مجتمعاتنا ، هناك ...لهم لغتهم وقاموسهم ..جامعاتهم وجمعياتهم ، وهنا تعذبهم الغربةُ بين أهلهم .. يحمل الفكرة ومعها أمل بتغيير ذلك الواقع وإن لم يتم في حياته كما قال ، وتولد الجمعية التي تضم بين أعضائها ثلاثمائة وخمسين عضوا عاملا نشيطا من بين المنتسبين الذين يتزايد عددهم وأملهم كل يوم .ويشارك بعض أعضائها في القاموس العربي الإشاري الموحد كأمل يوحد المشاعر قبل الرموز . وأعود معه لإنجازه التعليمي، تلقى تعليمَه حتى المرحلة الإعدادية في مدارس الصم ، لكن جهود والدته وشقيقه الأكبر كانت لها البصمة الأوضح ، يساندها إصراره وحرصه وتميزه ..ثم يلتحق بالثانوية الصناعية الفنية ويحصل على الدبلوم المتوسط ويتميز ويتفوق ، لكنه حين يتقدم للالتحاق بالجامعة يلاقي العديد من العقبات ، فلا يغرق والدته بكاء رغم الحزن بل تنجح في حصوله على حقه في تعليم جامعي يتلاءم مع قدراته ، ويلتحق بكلية الفنون التطبيقية .. أشعة اعتزازه بانتصاره تمنحني قدرة على استمرار التجديف رغم تلاطم الموج ..كان يسجل المحاضرات بالاستعانة بالكاسيت وحين يعود للمنزل تكتب والدته المحاضرات فيلتهمها شغفه للتعلم وتحقيق انتصار، وينجحان معا ويحصل المهندس تامر على شهادته الجامعية وترتيبه الثاني على دفعته السامعة .. ويتزوج ..وينجب ..ويتواصل ..ويعطي . وحين يؤكد حرص أبوته على طفلتيه السامعتين وتواجده في مجلس آباء مدرستهم بحضور مترجم إشارة..أعتذر مقدما عن سؤال عما يؤرقه كأب أصم لطفلتين سامعتين ..تجيبني ابتسامة مرحبة بالسؤال يرافقها إحساس مترقب لمشاعر ابنتيه حين تكبران : ترى ستخجلان من صممي ؟ هل ستتواريان منى ؟. وتندفع مشاعري الممتنة والمقدرة : بل ستكون مصدر فخر وسعادة لهما أيها القلب الفيض إن شاء الله .
عزيزي القاريء .. اسمح لي بتحية تقدير خاصة لفيض قلب المهندس تامر بهاء الدين أنيس .... وتحية امتنان لقلوب شاركتنا اللقاء ؛ مترجمي الإشارة : محمد مصطفي أبو حجر ، ووائل سمير كامل .. |
أطبع
الموضوع |
أرسل الموضوع لصديق
|
|
|
|
|