 |
111187895 زائر
من 1 محرم 1425
هـ
|
|
|
مذاق الصبر
|
سكة البنايين |
الكاتب : محمد عيد العريمي |
القراء :
4035 |
سكة البنايين
سكة البنايين ـ الجزء الثاني من السوق ـ عالم آخر تردد الصبي كثيرا قبل دخوله. فمن فتحة احد الازقة على الركن الشمالي للمسباخ تنبعث روائح البخور والعطور الممتزجة بروائح التوابل النفاذة والتبغ وروث الجمال. وتزدحم السكة بالتجار والزبائن وقوافل الجمال وحمير النقل ونساء البنايين البيضاوات لابسات الساري كاشفات البطون.
فعلى جانبي فتحة السكة يتولى البلوش بيع التبغ والادوية الشعبية والعطارة، وتعتبر هذه السكة ايضا الفاصل بين حارة البلوش واحياء العرب. وكلما توغلت الى الداخل ازدادت محلات البنايين الذين يحتكرون تجارة بيع المواد الغذائية والمنسوجات بالجملة. وتتقاطع هذه السكة في امتدادها شمالاً نحو البحر مع طريق قوافل الجمال (سكة البوش) القادمة من مرفأ خور البطح في الشرق والمتجهة الى خارج المدينة في طريقها الى المناطق الداخلية من عمان.
ولان عدداً كبيراً من زبائن البنايين هم من سكان المناطق الداخلية، فان هذا الجزء من السوق يشهد حركة نقل نشطة حيث تتحرك يومياً القوافل محملة بالرز والسمن والطحين والاقمشة الحلبية وسواها من المنسوجات وضروريات الحياة.
ويشكل اصحاب السفن ايضا قوة شرائية رئيسية حيث يتزودون بالمؤن قبل السفر الى مناطق شمال الخليج العربي والهند وشرق أفريقيا. ويكون الدفع عادة على حساب مؤجل حتى عودتهم، لكن البنايين يحصّلون فوائد بنسبة محددة تغطي مدة الدين! وفي ظل غياب البنوك، يتولى البنايون، الى جانب التجارة العامة، مهام مصرفية عديدة، منها: الايداع ومنح القروض وتشغيل الاموال والصرافة وتحويل الاموال خاصة الى الهند وشراء الذهب والفضة.
ونظرا لارتباط المدينة القديم بالهند الذي رسخته السفن الصورية طوال مئات السنين وانفتاح المدينة على شبه القارة الهندية اكثر من انفتاحها على عمقها العربي، فقد كانت الدكاكين زاخرة باصناف المواد الاستهلاكية الهندية والعطور الشرقية والعنبر والعود والمسك وكافة اصناف التوابل والمواد الغذائية الهندية. وكانت محلات الصاغة التي تأثرت باساليب صناعة الذهب الهندية تنتج حليا ومشغولات فضية وذهبية ذات جودة عالية. وعرفت المدينة نتيجة لهذا الارتباط صناعة النسيج باستخدام خيوط البريسم، خاصة الشوادر والعمائم والازر، فضلا عن المطرزات الزاهية كالقبعة النسائية.
تعكس السوق بصورة جلية التركيبة السكانية للمدينة بكل تفاعلاتها وتفاوتها الاجتماعي وانتمائها العشائري او العرقي. ويشكل المسباخ مركز المدينة، فهو ليس فقط مكاناً للبيع والشراء وانما ايضا مكان يجمع الناس لمناقشة امور حياتهم المعيشية وسماع الاخبار السياسية، وهو بهذا يصوغ علاقات الناس الاجتماعية حيث يتبادل الناس فيه الاخبار والمنافع، ويتواصل فيه سكان المدينة مع سكان المناطق الاخرى التي تحصل على معظم حاجاتها من سوق صور. واذا كانت الانتماءات العشائرية تباعد بين منازل السكان فان سوق المسباخ تجمع بينهم وتطغى روابط العمل والمصالح التجارية على الاعراف والعصبيات القبلية او العرقية!
________
الحلبية: اقمشة كانت تستورد من حلب بسورية. قبعة: عباءة مطرزة تلبسها النساء
|
أطبع
الموضوع |
أرسل الموضوع لصديق
|
|
|
|
|