السمع والتخاطب الصرع والتشنج الشلل الدماغي العوق الفكري التوحد وطيف التوحد متلازمة داون الصلب المشقوق وعيوب العامود الفقري
الاستشارات
الإعاقة دوت نت دليل الخليج لذوي الاحتياجات الخاصة مقالات مجلات ندوات وؤتمرات المكتبة العلمية

صحة الوليد - الأطفال حديثي
الولادة

صحة الطفل

أمراض الأطفال

المشاكل السلوكية

مشاكل النوم

الـربـو

الحساسية

أمراض الدم

التدخل المبـكـــر

الشفة الارنبية وشق الحنك

السكري لدى الأطفال

فرط الحركة وقلة النشاط

التبول الليلي اللاإرادي

صعوبات التعلم

العوق الحركي- الاعاقة الحركية

العوق البصري - الإعاقة البصرية

الدمج التربوي

المتلازمات

الإرشاد الأسري ونقل الخبر

امراض الروماتيزم

أمراض الغدد



اشتراك انسحاب


109572922 زائر
من 1 محرم 1425 هـ

البحث في الموقع
 

المكتبة العلمية
الاستشارات
اتصل بنا

سجل الزوار

مذاق الصبر

الريحان والدخان

الكاتب : محمد عيد العريمي

القراء : 5621

الريحان والدخان

صعب على الصبي الاندماج مع اولاد المدينة، وهم لم يألفوه ايضا! هو ظن ان هيئته او لعلها ملابسه الغريبة: دشداشة قصيرة مصبوغة بالورس تعري ركبتيه، وكيس جلد يتحزمه ليلاً ونهاراً لحفظ نقود لم تدخله قط، وحرصه على لبس عمامة لا يلبسها صبيان المدينة الا مرغمين في المناسبات؛ هو مرد هذا الاستقبال الفاتر. لكن اتضح له وهم يرددون السؤال ذاته "ايش اتقول؟" ان لهجته استعصت عليهم ـ او قل على فهمهم ايضا.

طباعه التي تنم عن تربية بدوية يبدو انها ساهمت في خلق هذه الجفوة. فبقدر ما كان غريباً عليهم كانوا هم لا يقلون بالنسبة له غرابة.. خاصة في ألعابهم وتساليهم تلك التي يجري معظمها داخل البحر او على شاطئه.

لم يشعر يوما بهذه الغربة والعزلة! أراد التقرب منهم، ظن خطاء أن البحر سيكون وسيلته. لكن محاولاته تعلم السباحة كانت مثار ضحكهم.

ولشد ما رغب، وهو يكبت وقع سخريتهم منه، ان يعرفوا انه اذا كان لا يجيد السباحة فانه يجيد ركوب الجمال والضغط على الزناد وصيد الغزلان.. لا صيد الحواسين كما يفعلون هم.

ازاء ذلك آثر الانسحاب على وعد من ابيه بتدريبه على السباحة في مكان لا يراه فيه احد. انشغال والده بترتيب وضع العائلة السكني والمعيشي، ووجل البداوة وضيق فسحة المكان كانت اكثر من ان تطاق من صبي فتح عينيه على صفاء السماء وخواء الارض، وسهر على ضوء القمر ونام تحت فوانيس النجوم.

وجاء قريب له ليرافقه الى السوق: كالبحر ايضاً.. السوق سر آخر من اسرار المدينة! لا اباه ذكر شيئا عن السوق ولا امه. كل ما يعرف عنه ما سمعه من مبالغات شباب الوادي عندما كان يعود أحدهم من المدينة، وان اقتصر حديثهم عن السوق على وصف بياض حريم "البنايين" ومهارتهم في تسيير القوافل المحملة داخل ازقتها الضيقة. قال له احدهم يوما: عندما تكبر وتذهب الى المدينة لا تنسى ان تشتري "القشاط"

عند مدخل سوق المسباخ توقف الصبي. نظر: ساحة واسعة تغص بالناس على اختلاف مهنهم: دلالون وبائعه سمك وسقاة مع حميرهم المحملة بقرب الماء والبرسيم، ونساء يعرضن الحلويات، وحمالون.. وآخرون لا يعرف ماذا يفعلون او يبيعون!

وبدهشة ملأت عينيه نظر الى تبريزة ضخمة جلس على طرفها القرفصاء رجل لم يشاهد مثله من قبل: لا لحية له ولا شارب!
سمعه وهو يقول لمحمد ـ الصبي الذي جاء برفقته:
• ود من هذا؟

ابتسم! تذكر خاله وهو يقلد لهجة اهل المدينة ويبالغ في تليين مخارج الحروف عندما ناداه الغربي بلهجة بدت غريبة عليه ولكنها ستصبح مالوفة بل ومحببة له في ايامه القادمة:
• ايش حالك يا عوض؟.. تعال سلم على عمك الغربي.
تردد قليلا! لكن ابتسابة الرجل التي كشفت عن سن تدلى وحيداً من فك فمه العلوي ونزوله عن سطح التبريزة شجعته على الاقتراب منه ومصافحته. ضيف الغربي الصبي بهبشة من سكاكر النعناع ثم عاد الى جلسته السابقة على حافة التبريزة.

جلس الصبي على كرسي خشبي طويل وهو يلوك قطع النعناع، وبطرف عين اخذ يختلس النظر الى الوجه الامرد، لكن سرعان ما شده منظر ما كان يفعل الغربي ونسى وجهه الخالي من الشعر.

كان يمسك بأطراف اصابع يد واحدة ورقة بيضاء صغيرة قعرها على طولها ثم دس ابهام يده الاخرى وسبابتها في عبوة معدنية واخرجهما ممسكا بشيء يشبه الشعر وزعه على طول قعر الورقة ولفها بمهارة على شكل اسطواني، وبلل حافتها بطرف لسانه وفركها قليلا ثم رصها في صينية وضعها بجانبه.

الصبي كان يتابع حركات الغربي التي توالت على نفس المنوال.. ومعها كان يغني نوعاً من الغناء الشعبي. قطع عليه الرؤية زبون جاء يطلب واحدة من تلك اللفائف التي يصنعها صاحب التبريزة.

وضع الزبون اللفافة من طرفها المستدق في فمه. اشعل طرفها الآخر بعود ثقاب. سحب نفساً. امسك اللفافة بين اصبعين. كتم نفسه لحظات طالت او قصرت. اخرج من فمه دخاناً كثيفاً نفخه الى الاعلى وتابع تلاشيه في الجو بطرف نظره!

اذ شعر الزبون بمتابعة الصبي لحركاته اخذ ينفث الدخان من انفه حيناً، وحيناً آخر كان، يخرجه من فمه على شكل حلقات متتابعة تذوب تدريجيا في الهواء الواحدة تلو الاخرى.

غادر الزبون. نزل الغربي الذي كان يتابع اندهاش الصبي من منظر الرجل المدخن. جلس الى جانبه وهو يمسك واحدة من تلك اللفائف. شرح له عما في داخلها واخبره ان اسمها سيجارة، واضاف:
• ولكن مب زينة وريحتها خايسة.
وهو ينظر الى ذي الوجه الامرد قال في نفسه " اذا كانت خايسة ليش تبيعها للناس!!". أراد ان يجهر بها، لكنه فجأة سمع صوت امه يتردد في مكان ما داخله "لسناك حصانك ان صنته صانك"، علك طرف لسانه باسنانه وصدر منه صوتا كعواء الثعالب لم يستطع كتمه!

تشتهر تبريزة الغربي بأفضل وابرد شربة ماء يمكن الحصول عليها في السوق كله. يبرد الغربي الماء في برنية مثبتة من قاعدتها المخروطية داخل ثقب دائري على طاولة خشبية ارتفاعها حوالي متر واحد. والى جانب البرنية صف عدد من الكريوات ثبتت على ذات الطاولة بنفس طريقة البرنية، وفي هذه الاواني الصغيرة تباع شربة الماء مقابل بيسة واحدة.
ويعطر الغربي بعض الكريوات باوراق الريحان لمنح زبائنه الاختيار ما بين الماء العادي وشربة بعبير الريحان.
ـــ
القشاط: حلويات تصنع محليا من السكر والمشاء والمكسراتالورس: خضاب لصبغ الاقمشة. الحواسين ومفردها حاسون: سمك صغير يصطاده الاولاد قرب شاطئ البحر. البنايين: التجار الهنود الذين كانوا يحتكرون تجارة الجملة، وبالاخص مع سكان المناطق الداخلية. المسباخ: الساحة المفتوحة من السوق. تبريزة: صندوق خشبي ضخم يتراوح طوله ثلاثة امتار وعرضه متران وارتفاعه متر ونصف.. كان يستخدم كمخزن ومعرض للبضائع في السوق الشعبية بمدينة صور حتى منتصف السبعينيات من القرن الماضي. هبشة: حفنة. برنية: اناء فخاري كبير مخروطي يحفظ فيه الماء ويبرد قبل ان يوزعه اصحاب التبريزات في كريوات ومفردها كريوة: اناء فخاري ايضا بحجم قوارير المشروبات الغازية ويشرب منه الزبائن مباشرة مقابل بيسه: قطعة نقد تركية كانت تستخدم في عمان قبل سك النقود الحالية وهي تساوي واحد من المائة من القرش الفضي او ما يعرف بالدولار النمساوي (دولار ماريا تريزا).

 أطبع الموضوع أرسل الموضوع لصديق

فهرس الموضوعات

المؤلف في سطور

نبذة عن الكتاب

توطئة الجزء الأول

مذاق الصبر

صور لم تبرح ذاكرتي

الكرسي المتحرك

عزومة على الشاي

اليأس والسأم

لم احسن الظن

التصالح مع الإعاقة

الانطباعات المقولبة

لست بطلا ولا اطلب بطولة!

هواجس

عزلة ليست من اختياري

معوًّقون لا معوقين

تكافؤ الفرص

ذوو الاحتياجات الخاصة

المعاشرة الزوجية

كيف يتحول مهندس فجأة إلى مترجم

السيارة

التبعات الصحية للإعاقة

توطئة (الجزء الثاني)

عوض

وطني الأكبر

عبق لا يزول من الذاكرة

الوجه الآخر للشمس

الشعلة التي أضاءت الصحراء

المدينة

الريحان والدخان

البرزة

تجليات الجنون

الشمروخ

ود مطر

الحرف والعصا

المقراع

دمعة

سوق المسباخ

سكة البنايين

صور

كلمة اخيرة


[   من نحن ? |  سياسة الخصوصية | منتدى أطفال الخليج (جديد) | الصفحة الرئيسية ]

خدمة الخلاصات تاريخ آخر تحديث: 1/4/2022

أطفال الخليج ذوي الإحتياجات الخاصة

جميع الحقوق محفوظة