 |
111187856 زائر
من 1 محرم 1425
هـ
|
|
|
مذاق الصبر
|
السيارة |
الكاتب : محمد عيد العريمي |
القراء :
4465 |
السيارة
ها أنا ذا امتلك القدرة مرة ثانية بعد أن فقدتها على التحرك.. إلى الأمام أو الخلف.. إلى اليمين أو اليسار. اقف متى شئت واتحرك متى أشاء!
بعد ثلاث سنوات من وقوع الحادث ذهبت إلى أمريكا لتلقي مزيدٍ من التأهيل والنظر في إمكانية أجراء عملية جراحية في يدي اليسرى لتثبيت وضع الأصابع بحيث يتسنى لي مسك القلم والأدوات الأخرى دون الاستعانة بأجهزة تعويضية. واثر فحص شامل للأعصاب التي لم تتضرر في يدي قرر الأطباء أن العملية لن تحقق أية إضافة حركية إليها!
لكن لم ارجع من الولايات المتحدة خالي الوفاض، فقد اقترح عليّ الطبيب تعلم قيادة السيارة. وهذا ما لم احلم به قط! تصور إنساناً انعدمت الحركة في رجليه ويديه تماماً يقود سيارة!
في الجلسة الأولى لتعلم السياقة ـ باستخدام مقبض خاص ركب على عجلة القيادة لتثبيت كف اليد اليمنى بالعرض وآخر على جانب العجلة من جهة اليسار تستخدم فيه راحة اليد الأخرى لتشغيل الفرامل ودواسة البترول ـ طارت الرهبة وتبخر الخوف وذهلت من سهولة القيادة باستخدام ذلك الجهاز البسيط. لا أظن أن ثمة من يستطيع تخيل ذلك الشعور الذي طغى عليّ. فها أنا ذا امتلك القدرة مرة ثانية بعد أن فقدتها على التحرك بأي اتجاه أريد.. إلى الأمام أو الخلف.. إلى اليمين أو اليسار. اقف متى شئت واتحرك متى شئت. كان التأثير الذي أوقعه اقتراح الطبيب والتفكير أنني سأعاود القيادة مرة ثانية رهيباً.. لا يوصف، فما بالك أن أجد نفسي فجأة على كرسي السيارة خلف عجلة القيادة.
لم "تسعني الدنيا" في تلك اللحظات ولم أطق للوقت صبراً! وما كنت قادراًعلى الانتظار حتى ينتهي الدرس الأول، فطلبت من المدرب السماح لي بالعودة إلى مركز التدريب لكي ترى زوجتي ما حدث. واظن أن شعورها وهي تشاهدني خلف مقود السيارة كان اقرب ما يكون إلى ذلك الإحساس الذي طغى عليّ في تلك اللحظات. وكانت فرحتنا ـ أنا وهي ـ لا توصف. لم اكتف بذلك وطلبت من المدرب أن نصطحبها معنا في السيارة. تردد أولاً لان نظام المركز لا يسمح بذلك.. وهم محقون! ولكنه استجاب تحت ضغط ابتسامة شاهدها على وجه فاطمة أجبرته على الموافقة ـ ابتسامة اجزم انه لم ير مثلها على وجه أحد من قبل!
مضت سنوات كثيرة على ذلك اليوم لكن ذلك الإحساس الطاغي لا يزال راسخاً في ذاكرتي بتفاصيل المشهد المثيرة، واكثرها وضوحا الفرحة التي أدخلتها على نفس زوجتي بعد أن اعتقدت انه لم يعد لدي ما يدخل البهجة إلى نفسها.
بعد عودتنا إلى عمان حصلت على سيارة مناسبة وبعد تركيب جهاز القيادة أخذت أتدرب عليها في أماكن بعيدة عن الشوارع العامة والمناطق السكنية، وذلك استعداداً للفحص للحصول على رخصة السياقة. وبالفعل حصلت عليها وفي المحاولة الأولى.
أضافت السيارة إلى حياتينا روحاً جديدة ومتعاً رائعة، وأعطت حياتنا قدراً من الاستقلال وأصبحنا نخرج متى شئنا والى أي مكان نريد وأخذت أزاول هواية قديمة ـ وربما غريبة ـ ألا وهي القيادة في الزحمة! هل سمعتم بأحد يتمتع بقيادة السيارة في الشوارع المزدحمة بالناس والسيارات والمركبات! وان كان ثمة مكان يوفر تلك "الإثارة" فان شارع "روي" دون شك هو الأفضل من بينها.
لم تقتصر قيادتي للسيارة على المدينة وحسب وإنما أغنتنا أيضا عن الاعتماد على الآخرين في تنقلنا بين مسقط وصور والإمارات.. ولم تكن ثمة أية مشقة في ذلك. وخلال السنوات العشر التي قضيتها أقود السيارة بنفسي والى أي مكان نشاء لم أتعرض لحادث ولو كان بسيطاً!
|
أطبع
الموضوع |
أرسل الموضوع لصديق
|
|
|
|
|