 |
111187834 زائر
من 1 محرم 1425
هـ
|
|
|
مذاق الصبر
|
تكافؤ الفرص |
الكاتب : محمد عيد العريمي |
القراء :
5382 |
تكافؤ الفرص
تعني صياغة نهج يضمن توفير إمكانات مناسبة تتيح للمعوقين ممارسة حياتهم على غرار الآخرين
تلك التجربة تركت في نفسي مرارة بغيضة فعزمت على كتابة مقالة كنت آمل أن تساهم في توعية المجتمع بهموم وشجونهم. التالي بعض ما جاء فيها:
تبنت دول الخليج، انسجاماً مع التطور الذي حققته في ميادين حضارية كثيرة وعلى غرار معظم الدول المتحضرة، القوانين المعيارية أو القواعد الموحدة لتحقيق تكافؤ الفرص للمعوقين التي اوصت بها لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان الخاصة بالمعوقين والتي تتضمن التزامات أخلاقية نحو اتخاذ قرارات ووضع تدابير وبرامج تمنح المعوقين فرصاً على قدم المساواة مع المواطنين الآخرين.
ومفهوم الإعاقة في نصوص هذه القواعد يربط بين اوجه القصور الوظيفي في عضو من جسم الإنسان والمعوقات التي تفرضها البيئة المادية (العوائق المتصلة بالتصميم الهندسية والمواصفات المعمارية للمباني والمساكن والمرافق العامة التي تحد من حركة المعاقين وتحول دون استفادتهم من هذه المرافق) ما يحول دون تكافؤ الفرص ـ أي أن الإعاقة هي نتاج معوِّقات بيئية واجتماعية.
وتكافؤ الفرص في نفس السياق يعني صياغة نهج يضمن توفير إمكانات مناسبة تتيح للمعوقين ممارسة حياتهم على غرار الآخرين واتخاذ التدابير اللازمة لإزالة المعوقات وتكييف البيئة المادية والاجتماعية وتعديل التصاميم المعمارية للإيفاء بمتطلباتهم ومراعاة حاجتهم لوجود مرافق تسهل وصولهم إلى كافة المباني العامة، كالمنحدرات لتسهيل دخول مستخدمي الكراسي المتحركة، وبالتالي الاستفادة من الخدمات وفرص العمل والأنشطة الترفيهية وسواها دون حواجز تقف حجر عثرة في سبيل تحقيق المشاركة والمساواة الكاملة.
والتزاما بذلك سعت المؤسسات المعنية برعاية المعوقين لوضع واعتماد قواعد تحميهم وتزيل عن كاهلهم كافة الوان التمييز وتوفر لهم الفرص المناسبة لكي يثبتوا قدراتهم ومهاراتهم، إلا أن هذه القواعد لا تجد، وللأسف، طريقها للتنفيذ عند بعضهم.. إما لأن القائمين على هذه المرافق لا يأخذون هذه القواعد على محمل الجد ولا يدركون حجم المعاناة التي يفرضونها على المعوقين أو لعدم وجود آلية لمتابعة التنفيذ.
ومع أن هذه القواعد لا تملك قوة القوانين الملزمة إلا أنها أصبحت على مستوى العالم كله بحكم خصوصيتها الإنسانية دليلاً على التحضر (لا التمدن) ومؤشراً على الوعي الاجتماعي. وظني أن هذه القواعد لو اعطيت فقط نفس أهمية الاشتراطات الهندسية والمعمارية والبيئية التي تفرض على المباني الجديدة، مثل واجهات المباني والارتدادات التي تكفل حرمة الجار ووضع معدات إطفاء الحريق وسعة الأبواب وتوزيعها، لحققنا تقدماً كبيراً لتهيئة البيئة المناسبة للمعوقين.
وأرى أن تطبيق قواعد الأمم المتحدة لا يستدعي تفسيراً، فهي واضحة ولا يكتنفها أي غموض قد يستغله البعض للتنصل من الالتزامات التي جاءت في نصوصها. فعندما تقف المعوقات الهندسية دون الوصول إلى المباني العامة حيث يصبح مستخدم الكرسي المتحرك غير قادر على الحصول على الخدمات المتوفرة لبقية الناس، وعندما يعجز الكفيف المؤهل عن إيجاد وظيفة توفر له دخلا يلغي اسمه من قائمة المستحقين لمعونات الضمان الاجتماعي.. هنا يجب اتخاذ قرار إلزامي بحق هذه المؤسسة أو تلك لتوفير الوسيلة المناسبة للتغلب على تلك المشاكل. ولا أظن ذلك مطلباً تعجز عنه موازناتها!
قائمة المرافق المعوقة هذه تضم الكثير من المؤسسات العامة والخاصة التي تأخذ بالمثل المصري "اذن من طين وأخرى من عجين". ومما يؤسف له أن ضيق الأفق هذا لا يقتصر على الأشخاص الذين يبرر قصور وعيهم تصرفَهم، وإنما تصدر من آخرين يحملون درجات علمية ويفترض أن يكونوا قدوة ونموذجا يحتذى به. فقد تناهى إلى سمعي أن رئيس مؤسسة ألغى مخصصاً مالياً لا يتجاوز ربع راتبه تقريبا لإنشاء منحدر يسهل دخول مستخدمي الكراسي المتحركة إلى المبنى بدعوى أنها ليست مؤسسة خدمات عامة ولا تقدم خدمات للمعوقين ـ وهو عذر اقبح من ذنب!
تكافؤ الفرص يفترض أيضا تحقيق مبدأ المواطنة. والمواطنة في شكلها العام، دون الخوض في التفاصيل، هي تعبير عن الانتماء للوطن.. انتماء يفرض على الإنسان واجبات ويمنحه حقوقاً. والشخص المعوق مواطن كسواه من المواطنين يجب ألا تحول إعاقته دون اداء واجبات المواطنة في إطار ما تتيح له إعاقته، ولا تحرمه من التمتع بحقوقها.
بيد أن ممارسة المعوق للمواطنة مرهونة بإرادة المجتمع أولاً وإرادته الشخصية ثانيا. فإذا حصل على فرص متكافئة فان ذلك يفرض عليه أن يكون مواطناً فاعلا يساهم في أنشطة المجتمع على كافة اصعدتها.. هذا إذا كانت إرادة المجتمع قد وفرت له السبل لممارسة المواطنة وأتاحت له فرصة المشاركة الكاملة التي تكمن في تهيئة البيئة اجتماعياً واقتصادياً بحيث تستوعب متطلبات إعاقته وتلبي الحد الأقصى من حاجاته وتزيل كافة العوائق التي تحول دون تعليّمه أو تأهيله أو عمله الأمر الذي يؤثر على اكتساب المواطنة بحقوقها وواجباتها والحياة في المجتمع بالشكل الطبيعي وبالدرجة نفسها لمشاركة غير المعاقين.
|
أطبع
الموضوع |
أرسل الموضوع لصديق
|
|
|
|
|