 |
111187835 زائر
من 1 محرم 1425
هـ
|
|
|
مذاق الصبر
|
عزلة ليست من اختياري |
الكاتب : محمد عيد العريمي |
القراء :
4344 |
عزلة ليست من اختياري
تفرض آلام الإعاقة عزلة قهرية ليست من اختياري، فيتعاظم إحساسي بإعاقتي وتضيق الحالة الآدمية في داخلي!
تفرض آلام الإعاقة ـ وهي كثيرة في مثل إصابتي ـ واشدها آلا م "جذور الأعصاب" أحيانا عزلة قهرية ليست من اختياري، ومع التكرار تضيق الحالة الآدمية في داخلي وافقد "شهية" الحياة ويقتصر اهتمامي بها بمجموعة أفعال لا تتجاوز المستلزمات الأساسية للعيش، كالحاجة للطعام لدرء الجوع والقراءة لقتل ساعات اليقظة وليس لرفد الفكر وإثراء الحصيلة المعرفية.
ويتعاظم في هذه الأوقات إحساسي بإعاقتي ويخيل لي أنني في صراع دائم مع الآلام التي تزكيها هذه الإعاقة.. صراع نتائجه مغايرة لكل أنواع الصراعات. فانتصاري هو أن يستمر الصراع! هي تريدني أن ارضخ، اضعف، ارفع الراية البيضاء، استكين، ابكي، وأسأل" لماذا أنا؟" لكني أقاوم.. ارفض، وارفع مستوى الصراع والتحدي إلى مرتبة "النضال". وهذا يتطلب أن أبقى قويا واكثر قدرة على المواجهة، فإما أن ابقي الصراع قائماً أو انكسر.
ويضنيني عبء التفكير في الأيام القادمة: سنوات الشيخوخة والوحدة والوهن! ويثير الموقف سؤالاً لا مناص منه.. إلى متى يمكنني أن أقاوم؟ هنا ارتعد خوفاً! فزمن المستقبل ليس زمني ولن يكون لصالحي! وظني أن قدرتي ـ كأي إنسان ـ سوف تضعف على المقاومة، لكن افضل ما يمكن عمله هو الحيلولة دون أن لا تكون تبعات الإعاقة في ذلك الزمن مفاجئة وثقيلة، وربما استطعت بأدوات أخرى أجهلها الآن إطالة أمد هذه المواجهة إلى أن يشاء الله.
ورغم سلبيتها، إلا أن إفرازات هذه المعاناة لا ترسخ اليأس المطلق وإنما توقظ رغبات منهكة تستدعي رؤية أخرى.. تفاسير مغايرة للناس والحياة وتجسيد معانٍ للأشياء تتعدى ظواهرها. وتولد لدي مواقف إيجابية تجاه الذات مسنودة بإنجازات ما حققته فيما مضى من أيام تعايشي مع الإعاقة. فلقد استطعت مواجهة كل تلك الآلام والمعاناة، وتسنى لي الاستمرار طوال هذه الفترة في الحياة وبرغبة.. وأنا من اجتمعت عليه الخطوب من كل حدب وصوب.
فتبدو الحياة عندئذ فرصة نادرة وقصيرة. ولابد من جعلها اجمل وان فقدت حيويتها، واكثر احتمالا وان بدت قاسية. ما أشد حماقة الإنسان عندما يقرر ـ وبمحض إرادته ـ هدر إمكانيات دنيوية والعوم على وجه الأرض دون غاية يسعى لتحقيقها أو هدف يروم بلوغه.
أن الاحتفاظ بعلاقات اجتماعية نشطة بين أهلي ومجموعة من الأصدقاء المخلصين ممن يحيطوني بالعناية والاهتمام ويضفوا البهجة على نفسي يشكل أهمية عظيمة لمواصلة الحياة رغم المعوقات والعقبات التي تفرضها الإعاقة، وهي إحدى الركائز التي تقوم عليها حياتي.
وكم سيكون الأمر رهيباً وقاسياً لولا الظروف والمواقف الإنسانية التي تظافرت لمساندتي!
كما أن الرفقة الطيبة والتفاعل الشخصي والقناعة بالذات والإحساس بالأهمية لنفسي وللآخرين، من خلال العمل والعلاقات القوية بالأهل والأصدقاء والانتماء للمجتمع كفرد نافع، كلّ هذا يمدني بالقوة لمواجهة التحديات التي تفرضها المواقف السلبية التي يرصدها فقط من هم في وضعي.
فأنا أرى نفسي معوقاً، لكني في أحيان كثيرة أنسى أو أتجاهل هذه الإعاقة. ولا أشعر بمركب النقص أو أغرق نفسي في اليأس متسائلا "لماذا حدث هذا لي أنا؟" فقد رضيت بالقضاء والقدر.
|
أطبع
الموضوع |
أرسل الموضوع لصديق
|
|
|
|
|