 |
111187875 زائر
من 1 محرم 1425
هـ
|
|
|
مذاق الصبر
|
التصالح مع الإعاقة |
الكاتب : محمد عيد العريمي |
القراء :
4776 |
التصالح مع الإعاقة
لم يطرأ عليّ تغيير بمجرد أنني استخدم الكرسي المتحرك للتنقل من مكان لآخر بدلا من قدمي
آن اصبح غير قادر على الحركة وممارسة حياتي الطبيعية نتيجة لإصابة في العمود الفقري، فذلك أسوء ما حدث لي في حياتي! فلقد أخلت الإعاقة بحياتي على كافة مستوياتها: الصحية، الاجتماعية، الزوجية، والوظيفية. وسواء قبلت وضعي الجديد كمعوق أو رفضته.. نسيته أو تجاهلته، كان لا سبيل أمامي سوى أن أتصالح مع الإعاقة واقبل شروطها وأتعايش مع تبعاتها مهما كانت قاسية! وكان عليّ إعادة بناء حياة جديدة على أنقاض أخرى تحطمت، وبناء أحلام أخرى في إطار الحدود التي تفرضها إعاقتي ومستقبل حياتي الزوجية.
لكن.. وان تحطمت الأحلام، فان الإرادة موجودة للاستفادة مما يتاح لي في الدنيا افضل استفادة.
عندما يبدأ المعوق المصاب حديثاً في العمود الفقري بالعودة إلى المجتمع بعد العلاج، سيجد أن الناس سواء الأقارب أو الأغراب لا يعاملونه تماما مثلما كانوا قبل الإصابة.. وهذا طبيعي! كذلك سيجد أن الناس الذين يقابلهم لا يرتاحون كثيرا لوجوده حولهم. لعلهم لا يعرفون ماذا يقولون أو كيف يتصرفون معه!
وكنت أدرك أن هذا التغيير المفاجئ في وضعي سيثير ردود أفعال مفهومة أو لا بين أهلي وأصدقائي، فهم جزء من المجتمع ولربما لديهم نفس الاعتقادات والمواقف المشوشة عن المعوقين. ولقد تعلمت خلال فترة التأهيل آن أكون تلميذا وتعلمت بعد عودتي آن أكون "معلماً" أساعد أهلي وأصدقائي والناس المحيطين بي على فهم إعاقتي ومن ثم إعادة صياغة مواقفهم من الإعاقة والمعوقين!
ومن نافلة القول أن اقرب الناس إلى المصاب هم أكثرهم تأثرا بإعاقته. وإذ ذاك كنت دائما أحاول أن اعبر عن شعوري تجاه إعاقتي من خلال مناقشة تبعاتها الصحية والنفسية والاجتماعية دون مواربة أو تردد! وأؤكد لهم، بالتصرف حيناً أو الكلام حيناً آخر، انه لم يطرأ عليّ تغيير لمجرد أنني فقدت القدرة على المشي واستخدم الكرسي المتحرك للتنقل من مكان لآخر بدلا من قدميّ. ولكي أكون اكثر وضوحا، أبين انه ليس هناك أي سبب يدعو للافتراض أن شخصيتي.. قدراتي العقلية.. سلوكي في التعامل مع الناس أو أية صفات أخرى تغيرت لأنني تعرضت لإصابة أقعدتني عن المشي!
يظن بعض الناس أن المعوقين يصابون اكثر من غيرهم بحالات الاكتئاب والحزن وهم اكثر هشاشة أمام مصاعب الحياة اليومية، ومن ثم فان هذه التداعيات التي تعزى للإعاقة تلعب دورا مؤثرا وبشكل مباشر وقوي في حياتهم الاجتماعية والصحية، إلا أنني لا اعتقد أن معاناة الإنسان المعوق من إحباطات وخيبات أمل تعود فقط إلى حالته الصحية، وإنما العراقيل التي تمنعه من التكيف مع الإعاقة لها دور كبير في هذه المعاناة.
وكنت واجهت في الفترة الأولى من سنوات الإعاقة بعض مصاعب المعاملة الخاصة (ما يطلق عليه التمييز الايجابي) حيث كان أهلي يتحاشون المواقف التي ربما قد تزعجني وتثير أعصابي. فقد أجد نفسي أحيانا غاضبا أو حزينا ككل الناس لسبب أو لآخر، ولكن شعوري ذلك كان ينعكس على تصرف الناس المحيطين بي. ورغم أني أدرك تماما انه لا يجب آن اخفي شعوري أو وجعي، وليس المطلوب مني آن أكون قويا أمامهم ـ فهم أهلي وأصدقائي، لكن وجدت أن التصرف على ذلك النحو لن يفيدني ولن يفيدهم!
وإذ ذاك.. كنت سرعان ما اكبح غضبي أو اخفي حزني وأتراجع للتحدث مع نفسي! ماذا حدث؟ ولماذا أنا غاضب أو حزين؟ وهل ثمة ما يستحق هذا العناء النفسي؟ هذه المراجعة (التحدث إلى النفس) تساعدني على الرجوع عن المشكلة التي كانت السبب، وتخفف حدة التأزم، وتمكنني من إعداد نفسي بإيجابية لمواصلة ما كنت عليه متحاشيا مسببات ذلك.
وكنت أبين لهم انه لا غرابة في أن أمر أحيانا بشعور مثل الإحباط أو اليأس أو الغضب، فهذه ردود أفعال يمكن أن تنشأ لدى أي شخص يتعرض لضغوط الحياة اليومية قد يعود سببها لنفسه أو أهله أو ماله.
ومن الطبيعي أن اشعر بحزن مرده الإعاقة، ولكن حزني لا يكون طاغيا بحجم شدة إعاقتي! وان كان هذا الإحساس مرتبطا بالإعاقة إلا انه لا يدفعني إلى اليأس أو التوقف عن مزاولة نشاطي اليومي المعتاد. |
أطبع
الموضوع |
أرسل الموضوع لصديق
|
|
|
|
|