 |
111187906 زائر
من 1 محرم 1425
هـ
|
|
|
مذاق الصبر
|
توطئة الجزء الأول |
الكاتب : محمد عيد العريمي |
القراء :
5167 |
مذاق الصبر
الجزء الأول
توطئة (الجزء الأول)
عندما خطر لي كتابة تجربتي مع الإعاقة، توقفت طويلاً.. فكرت كثيراً.. واستشرت بعض الأصدقاء. وكان السؤال، أو بالأحرى الأسئلة: لماذا اكتب؟ وماذا اكتب؟ ولمن اكتب؟ فأنا، والكتابة ليست شرفاً ادعيه، لا أستطيع إقناع نفسي ناهيك عن إقناع الآخرين بالكتابة إذا لم يكن لدي ما يستحق القراءة ويفيد القراء!
احد الأصدقاء بسط الموضوع، قال: الآمر لا يتعدى كتابة ما حصل لك، وما ترتب عليه فيما بعد! وهذا على حد قوله يستحق عناء الكتابة وتعب القراءة. وهو يعلم ـ اعتمادا على اطلاعه بوضعي الصحي ـ إن الإعاقة تجربة قاسية، مضنية، ومرة، تابع يقول: ولعل الكتابة عنها تشبه "الفضفضة" عن كرب ومتنفسا لإراحة البال ولو قليلا. وهو يظن إنها تجربة غنية، وان كان غناها يكمن في مرارتها، ضناها، وقسوتها!
صاحب آخر نظر إلى الموضوع من زاوية مختلفة، قال:إذا كانت تجارب الناس الحياتية حرمة لا يجب انتهاكها، فهي إذن تكون "فريدة" يجب تسجيلها لكي يطلع عليها الآخرون للاستفادة منها.
تشجعت، وان كنت لا أزال عند رأيي أن تجربتي عادية، ويعيشها آلاف الأشخاص وان تفاوتت درجاتها من شخص لآخر ومن إعاقة إلى أخرى. وانطلاقا من ذلك فان إعاقتي بذاتها ليست مجالا لاستخلاص العبر وإنما تداعياتها وتفاعلها مع المحيط الاجتماعي أضفت عليها بعدا عاما وحولت بعض من المواقف الشخصية إلى ملامح تتجاوز الإطار الذاتي.. ملامح ربما يلمس بعض الناس فيها صوراً لأشخاص كان جل ما يربطهم بهم ليس سوى الشفة والرثاء.
وفي أتون محاولة خلق نص كانت غايته "إباحة" الذات على نحو منهجي وبأسلوب يرقى إلى ذائقة شريحة من الناس ـ قرأ الكتب التي ما فتأت دائرة عددها تضيق شيئاً فشيئا، قرأت، وكتبت.. أضفت، وحذفت، وفي النهاية بدا النتاج لي دون المستوى الذي كنت آملة!
لملمت الورق وحزمته في ضبارة حشرتها داخل خزانة أوراق قديمة تضم بينها شهادات الدراسة منذ الصف الرابع الابتدائي، وأخرى رسمية منها واحدة تثبت خلوي من الأمراض المعدية ولا خطر من دخولي الولايات المتحدة، ورسالة قصيرة كتبت بلغة إنجليزية ركيكة اطلب بها عملاً من أحد بنوك مدينة صور بعد ما اعترضتني مصاعب مؤقتة حالت دون سفري مع البعثة الدراسية إلى أمريكا لمواصلة تعليمي الجامعي.
الغاية! صاحبي الثاني لم ينس الموضوع، فسألني بعد اشهر عن "المشروع" كما أطلق على محاولتي للكتابة. وإذ عرف أنني لم اقتنع أن ما كتبت يستحق القراءة، قال بلهجة تحريضية: أنت لست القارئ المناسب لإصدار الحكم على كتابتك!
اخذ الملزمة، وفي اليوم التالي اتصل ليقول: فتحت الملزمة لتصفحها، ولم اتركها إلا بعد قراءة آخر كلمة فيها. وعقب "قراءتها بالكامل" حتى لا أظن انه قرأ الكلمة الأخيرة ليس إلا! وفي رأيه أنها صالحة للنشر بعد عرضها على أصحاب الخبرة، لكنه يعتب عليّ شحي في سرد المزيد من التفاصيل.
اعترضت على ذلك! وشرحت له أن إحجامي عن التطرق إلى تفاصيل قد تضيف شيئاً أو لا يعود إلى سببين: أولهما، أن التطويل في هذا النوع من الكتابة، خاصة لغريب عن الأدب، ربما يفقد القارئ حافز المتابعة فيلقي بالموضوع جانبا إلى غير رجعة! وثانيهما، أن حياة الإنسان ـ أيا كان ـ نتاج ماض لا يقتصر على تجاربه الذاتية فقط، وإنما تتداخل معها تجارب ناس آخرين. وثمة خصوصيات في حياة كل منا يشكل البوح بها حرجا ليس لصاحبها وحسب، بل أيضا لمن كانوا أطرافا في هذه التجارب، وهذا ما جعلني أتحاشى ذكر تفاصيل لا يحق لي الخوض فيها!
لقد وضعت نصب عيني تسجيل العموميات التي تخدم الغاية من هذه الكتابة فتوقفت عند المفاصل الأساسية من تجربتي ودونت ما اعتقدت انه يخدم هذه المحاولة دون التطرق إلى ما لا يضيف إليها شيئا.
آمل آن يجد القراء في هذا البوح بعض المتعة وشيئا من منفعة تستحق الوقت الذي أمضوه في قراءتها.
|
أطبع
الموضوع |
أرسل الموضوع لصديق
|
|
|
|
|