مقارنات دولية في الخدمات المقدمة لذوي صعوبات التعلم
إعداد : أ . أمل أحمد الخوفي
باحثة ماجستير بقسم التربية الخاصة
كلية التربية – جامعة الملك فيصل
حينما نتحدث عن مجال التعليم نجد إنه يحظى بمكانة عالية و متقدمة خصوصاً في دول العالم الأول سواء من ناحية طرق التدريس و هيكلة المناهج بما يتناسب مع الفئات العمرية و المراحل الدراسية و توفير البيئة المناسبة و التي تكون مرتعاً خصباً لتقديم الخدمات التعليمية على أكمل وجه , و لو ألقينا بنظرة سريعة و خاطفة حول مجال التربية الخاصة نجد ان الخدمات التربوية و الأكاديمية و النفسية تقدم لمن يستحقها بالفعل من فئات التربية الخاصة و خصوصاً فئة ذوي صعوبات التعلم في تلك الدول , و إنه و في الآونة الأخيرة بدأ الاهتمام يتزايد لتطوير الخدمات المقدمة في مدارس القطاع العام و الخاص في الدول العربية بما فيها المملكة العربية السعودية و دول الخليج , و مما لا شك فيه ان هذا لا يكون إلا بتظافر الجهود ابتداءً من الأسرة إلى المدرسة و المجتمع .
و قد يظهر انه يواجه التلاميذ من ذوي صعوبات التعلم حول العالم ، بعض المشاكل في حياتهم الدراسية متمثلة في وجود عوائق كبيرة في مدى تناسب المناهج مع القدرات العقلية الخاصة بهم ، و بالتالي تظهر أزمة لا يستهان بها في عملية الاستيعاب حيث تؤثر على أداء التلميذ داخل و خارج المدرسة .
بالطبع فإن هناك عشرات الدول حول العالم من أقصى الشرق إلى الغرب و من أبعد نقطة في الشمال و حتى الجنوب قدمت حلولًا لذوي صعوبات التعلم في المدارس لإدخالهم بشكل أفضل في تفاعل المجتمع إلى جانب المساهمة في التنشئة مع الأسرة والمجتمع .
اليوم نصطحبكم في رحلة سريعة حول العالم لزيارة أكثر من دولة من أجل عقد مقارنات دولية في الخدمات المقدمة لذوي صعوبات التعلم في : المملكة العربية السعودية ، والولايات المتحدة الأمريكية، والسودان و ألمانيا .
و لكن حينما نتساءل حول الركائز الأساسية التي تحتاجها أي دولة لتقديم خدمة جيدة لذوي صعوبات التعلم ؟! هل يعتبر تقديم بيئة تعليمية جيدة أمر كافي ؟! أم توفير معلمين على أعلى مستوى من الكفاءة بعد حصولهم على دورات تدريبية إلى جانب التواصل مع أولياء الأمور بصفة مستمرة ؟ ( الخشرمي , 2003 ) .
- نبذة عن صعوبات التعلم :
بادئ ذا بدء ..... كم مرة سمعت عن هذا المصطلح "صعوبات التعلم" و شعرت بحالة من الغموض فيما يخص تفسيره ؟! حسنًا دعني أخبرك بالمقصود .. المصطلح بشكل عام يصف فئة معينة من الأفراد الذين يواجهوا مشاكل في بعض المهارات الأساسية مثل : القراءة ، والكتابة ، والاستماع ، والتحدث وإجراء العمليات الحسابية المختلفة ، وضع في الحسبان أن مستوى الذكاء يختلف من شخص إلى آخر حسبما أظهرت الدراسات الحديثة ، و بالتالي فإن هذه المهارات لا توجد عند الكل بنفس الدرجة بل إن وجود خلل بها بشكل معين سواء أحدها أو جميعها يُسبب مشاكل في التعلم و التعامل مع المجتمع .
- النموذج الأول : المملكة العربية السعودية :
دعونا نبدأ رحلتنا ونُقلع نحو القارة الآسيوية و بالتحديد عند الدولة الخليجية والعربية الرائدة في الكثير من المجالات .. حسنًا سنهبط عند السعودية ونتعرف سويًا على مدى الجهود المبذولة والمقدمة لذوي صعوبات التعلم .
أولاً و قبل كل شيء يُمكنك عزيزي القارئ ان تتعرف على خطط وزارة التعليم ممثلة في إدارة صعوبات التعلم من هنا : https://goo.gl/19XGFw
في تصريح صحفي سابق ، قال الدكتور نياف بن رشيد الجابري ، وكيل وزارة التعليم ( بنين ) ، أن المملكة تُركز في استراتيجيتها على ضرورة التوسع في الخدمات التي يتم تقديمها إلى الطلاب من ذوي صعوبات التعلم بهدف المساهمة في جودة التعليم داخل البلاد إلى جانب إتاحة فرص للكل للمشاركة في المجتمع بشكلٍ فعالٍ .
وأكد الجابري أن نسبة من يُعانوا من صعوبات التعلم في المملكة تصل إلى 1% ، والهدف الدائم التحسين من مخرجات التعليم في المملكة ، و يظهر ذلك الأمر جليًا في رؤيتي المملكة في 2020 و2030.
وهذا ما أراه ينبع من مبادرة تطوير نظام تقويم شامل للمقررات الاساسية و تحديد الفجوة بين مستوى الطلاب و المتوقع منهم ...
لك أن تعرف عزيزي أن المملكة تُقدم منهجية كاملة لتسهيل سبل التطوير التعليمي في 2030 ، و تشمل التعليم لذوي الاحتياجات الخاصة ، وتوفير الدعم المناسب لكل فئاته حيث يحظى ذوو الاحتياجات الخاصة برعاية خاصة واهتمام من الإدارة .
- الأساليب التربوية الحديثة :
و بالنظر إلى لغة الدراسات والأرقام فإن السعودية تعتبر من الدول ذات العطاء اللامتناهي في تنفيذ الكثير من الاستراتيجيات التربوية المستحدثة و المُعدة لذوي صعوبات التعلم وذوي الاحتياجات الخاصة سواء بنين أو بنات في المدراس ( الموسى , 2012 ) .
ومن خلال نظرتي للمدارس التي تحتوي على برامج صعوبات التعلم حقيقة أجد الدعم المناسب من إدارة التربية الخاصة و على راس الهرم وزارة التعليم في السعودية , و المتمثل بتجهيز غرف المصادر بالتجهيزات و الوسائل و الأدوات المناسبة , و كذلك تقديم الدورات التدريبية لمعلمي و معلمات صعوبات التعلم , و لكن هذا لا يعني ان الخدمات في السعودية تصل إلى الكمال , و لكن تعتبر الخدمات جيدة إلى حداً ما و هي بطبيعة الحال تحتاج إلى وقت كافي للوصول إلى مطاف الدول المتقدمة .....
- النموذج الثاني : الولايات المتحدة الأمريكية :
من المعروف أن أمريكا بلد عظمى نجحت في تقديم الكثير من الحلول للبشرية في الكثير من القضايا واليوم نُسلط الضوء على جهودها في الخدمات المقدمة لذوي صعوبات التعلم ، و خاصة أن هناك طفل من بين 5 أطفال في أمريكا يُعاني من صعوبات التعلم ، و هناك إحصائية تُشير إلى وجود 3 مليون طفل تقريبًا يُعانوا من صعوبات التعلم .
أمريكا من البلدان التي نجحت في تقديم حلول كثيرة منذ أكثر من 40 عامًا حيث سنت قوانين لإعادة تأهيل هؤلاء الأطفال كما لعبت الحكومة الفيدرالية الأمريكية دورًا هامًا في تقديم فرص متساوية من خلال الدعم الفعال و المستمر للأطفال ذوي صعوبات التعلم تحت مبدأ التعليم حق للجميع و كذلك إتاحة فرص التوظيف الملائمة لهذه الفئة Cortiella,2014 ) ) .
- النموذج الثالث : السودان :
و في احدى الدول العربية مثل السودان كانت تجربة الأستاذة سلمى أحمد رضا أكبر دليل على الاهتمام بذوي صعوبات التعلم حيث لاحظت عدم وجود أطفال من ذوي صعوبات التعلم ببعض المراكز فتبلورت لديها الفكرة بدمج أطفال ذوي صعوبات التعلم مـع الأطفال العاديين في مرحلة التعليم قبل المدرسي ، فـكان إنشـاء روضة للأطفال عام 1993م تعنى بدمج طفل واحد من ذوي صعوبات التعلم , و قد هدفت التجربة عـلى استيعاب حالات ذوي صعوبات التعلم والإعاقات الذهنية كجانب انساني لانتشالهم من العزلة المفروضة عليهم بدمجهم في المجتمع , ثـم تطورت التجربة بإضافة المرحلة الثانوية ، و بعـد هـذا الجهـد الكبـير و المضني من التطور تـم تغيير المسمى إلى أكاديمية رضا المتكاملة ، حيث يتم فيهـا إعداد وتدريب ذوي صعوبات التعلم ومن ثم يتم تحويلهـم إلى الأقسام الأكاديمية ( محمد , 2015 )
و من خلال تجربة عملية و خبرة نظرية ارى ان فكرة الدمج فكرة جيدة على الرغم من عدم استيعابها لكل فئات ذوي صعوبات التعلم سواء في السودان أو في غيرها من الدول إلا إن لها اثر ملموس في عدم شعور هذه الفئة بالنقصان فعندما نأخذ الطالب الى غرفة المصادر من أمام طلاب فصله فهذا يؤثر على نفسيته و بالتالي على أدائه و قد يفشل في البرنامج التربوي المقدم له بسبب نظرة زملائه له و المجتمع من حوله .
و قد أشارت عواطف عبدالله بأن هناك دور لمؤسسات التربية في عملية الدمج من حيث السياسات و الاستراتيجيات و المناهج , و لكن لم يتحقق المطلوب ؛ مما يوجهنا للقول بأن وزارة التعليم السودانية لها استراتيجية لتعليم ذوي صعوبات التعلم , ولكـن التنفيـذ يسيـر ببطء في التوعية والتدريب وتهيئة البنية التحتية للبيئة الدراسية مما يجعلنا نقول أن دور الوزارة في الدعم المادي سواء للمؤسسات و المراكز الخاصة القائمة ضعيف جداً و قد يكون معدوم في بعض الأحيان , و يمكن القول أن تجربة أكاديمية رضا المتكاملة تسير بصورة طيبة وناجحة , ولكن تحتاج لبعض التدخلات الإصلاحية والدعم الحكومي والمجتمعي لتذليل بعض المشكلات التي تواجههم ، علماً بـأن هـذه التجربة خبرتها في الممارسة طويلة ( 1993- 2015 م ) .
- النموذج الرابع : ألمانيا :
التجربة الألمانية فيما يخص تقديم الخدمات المتنوعة لذوي صعوبات التعلم من أنجح التجارب على الإطلاق ، وبالفعل كانت وما زالت تسعى ألمانيا - إلى الآن - من أجل تقديم كافة التسهيلات وتذليل الصعوبات من أجل اندماج ذوي صعوبات التعلم وذوي الاحتياجات الخاصة في المجتمع .
ولكن ما هي الآليات التي تلجأ لها الإدارة والمؤسسات الألمانية في هذا الصدد ؟ في الحقيقة فقد ذكر جنتر ان ألمانيا تُركز على تطوير البنية التحتية للتعامل مع هذه الشريحة بالشكل المناسب إلى جانب تقديم كل ما هو جديد في عالم الابتكارات .
هل تعلم عزيزي أن الساسة في ألمانيا لديهم اهتمام كبير للغاية بهذه الشريحة ، لذلك فإن ألمانيا شكلًا وموضوعًا من أفضل البلدان الأوروبية التي تُجيد التعامل مع ذوي صعوبات التعلم كما تكفل لهم فرص عمل في مؤسسات حكومية ...... لن تجد أحدًا يُحيد عن الفكر العام فالقضية مُعلنة والجميع يسعى لتقديم الحلول ! ( ( Opp,1992
يوجد في ألمانيا أيضًا الكثير من مراكز التأهيل والعناية بذوي صعوبات التعلم وذوي الاحتياجات الخاصة حتى يتمكنوا من ممارسة الحياة الطبيعية بشكل طبيعي ، و يقف المجتمع الألماني بجانب الأسر لدعمهم ومساعدتهم منذ مرحلة رياض الأطفال .
و يُمكننا القول أن ألمانيا نجحت في تقديم مثلث الخدمات الأمثل لذوي صعوبات التعلم : علاج الأعباء المادية ، والأعباء المعنوية وتوفير الإمكانيات اللازمة .
وحقيقة و من وجهة نظري ارى ان بناء منظومة تعليمية متكاملة تشمل بيئة جيدة و تعليم عالي الجودة و خدمات طبية و نفسية و تربوية و اجتماعية و استراتيجيات تعليمية , و تعديل المناهج بما يتناسب مع ذوي صعوبات التعلم كفيل بأن نأخذ بيد هذه الفئة و نصعد بها إلى القمة ......
والآن بعد أن استعرضنا 4 تجارب أخبرنا ما هي المنهجية التي قد تلجأ إليها دولتك في تحقيق سبل الراحة اللازمة لذوي صعوبات التعلم ؟!
قائمة المراجع :
1- الخشرمي , سحر أحمد ( 2003 ) : تطور التربية الخاصة في المملكة العربية السعودية - برامج التوحد نموذجًا , ورقة عمل , الرياض , جامعة الملك سعود .
2- الموسى , ناصر علي ( 2012 ) : مسيرة التربية الخاصة في المملكة العربية السعودية من العزل إلى الدمج , دبي , دار القلم .
3- محمد , عواطف عبد الله ( 2015 ) : دور مؤسسات التربية في إدماج أطفال صعوبات التعلم , بحث منشور , المجلة العلمية النموذجية لمؤتمر العمل الاجتماعي السنوي في بيروت " تجربة دمج ذوي الصعوبات التعلمية و دور الاختصاصي في العمل الاجتماعي , العدد الثالث , ص 29 – 32 .
4- Cortiella , Candace and Newman, Lynn and Kaye, Stephen ( 2014 ) : The State of
Learning Disabilities Facts, Trends and Emerging Issues, Third Edition, A publication of the National Center for Learning Disabilities ..
5- Opp, Günther ( 1992 ) : A German Perspective on Learning Disabilities, article Published, Journal of Learning Disabilities .
|