|
110620360 زائر
من 1 محرم 1425
هـ
|
|
|
>> ذوي الاحتياجات
<< |
التمكين الاجتماعي لذوي الاحتياجات الخاصة - دراسة ميدانية |
الكاتب : د / مهدي محمد القصاص |
القراء :
17279 |
التمكين الاجتماعي لذوي الاحتياجات الخاصة - دراسة ميدانية
د / مهدي محمد القصاص
مدرس علم الاجتماع – كلية الآداب – جامعة المنصورة
مقدمة :
تقوم فكرة البحث علي عملية إدماج وتفعيل دور ذوى الاحتياجات الخاصة داخل مجتمعهم المحلي حيث تكمن مشكلة المعاق والإعاقة في الظروف والسياقات الاجتماعية المختلفة و المهيأة للإعاقة و التي تضع قيود وعقبات غير مبرره ولا تستند إلى رؤى علميه أمام مشاركة المعاق في فعاليات الحياة الاجتماعية . وتشير العديد من الأبحاث إلى أن مشكلات المعاق الحياتية و التوافقية لا ترجع إلى الإصابة أو الإعاقة في ذاتها ، بل تعود بالأساس إلي الطريقة التي ينظر بها المجتمع إليهم .
وتفسر المداخل التقليدية الإعاقة بوصفها موضوعا طبيا . حيث تنحصر أي محاولة للتعامل مع أو التخلص من الصعوبات التي يعاني منها ذوي الاحتياجات الخاصة علي ما يُعتقد أنه السبب في الإعاقة و المشكلات المرتبطة بها . وترتب علي ذلك أن هُمش واستبعد الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة من مسار الحياة الطبيعية مما أدي إلي فقدان أو محدودية مشاركتهم فيها نتيجة العقبات و الموانع Barriers الاجتماعية و البيئية التي تحول دون تفاعلهم مع المجتمع كالتحيز ضد الإعاقة و المعاقين و الميل إلى الوصم و التنميط وبيروقراطية الإجراءات و تعذر وجود وسائل المواصلات المناسبة ، كما أن مؤسسات التربية الخاصة تقوم علي فكر العزل و بالتالي تفشل في تزويدهم بالمناهج التربوية العادية ، مما يترتب عليه الاستبعاد من فعاليات الحياة الاجتماعية كما ذهب إلي ذلك تحليل " هنت " و أن السبب الأساسي في هذه المشكلات إنما يعزى إلي فشل المجتمع في التسامح مع / و التقبل للاختلافات و الفروق بين المعاقين من المشاركة العادية في فعاليات وأنشطة وخبرات الحياة الاجتماعية اليومية .
ولا يُفهم من ذلك إغفال الفروق الفسيولوجيه ولكن الهدف يتمثل في علاج هذا التأثير دون الالتزام بالأحكام ذات الطابع التقويمي مثل السواء / في مقابل الشذوذ أو العادي / في مقابل غير العادي مع التركيز بصفة أساسية علي الجوانب و الأبعاد المجتمعة التي يمكن تغييرها من خلال الافتراضات العامة للنموذج الاجتماعي في تفسير الإعاقة الذى يؤصل فيه بصفة خاصة ما يعرف بثقافة التمكين Enabling ويقصد به : إكساب ذوي الاحتياجات الخاصة مختلف المعارف والاتجاهات و القيم و المهارات التي تؤهلهم للمشاركة الإيجابية الفعالة في مختلف أنشطة وفعاليات الحياة الإنسانية إلي أقصي حد تؤهله لهم إمكانياتهم وقدراتهم إضافة إلي تغيير ثقافة المجتمع نحو المعاقين و الإعاقة من ثقافة التهميش إلي ثقافة التمكين.
والتساؤل الأساسي : ما الأدوار التي يمكن أن يقوم بها المجتمع بكافة نظمه و مؤسساته لإكساب ذوي الاحتياجات الخاصة المعارف والاتجاهات و القيم والمهارات التي تمكنهم من مثل هذه المشاركة وتقبل المجتمع لهم ؟ وتتم الإجابة علي هذا التساؤل و الأسئلة الفرعية الأخرى من خلال نتائج الدراسة الميدانية .
فكرة البحث :-
التنمية البشرية هي تنمية الفعل من ناحية وتنمية التفاعل من ناحية أخري أي أن التنمية البشرية لابد أن تشمل تنمية رأس المال البشري ورأس المال الاجتماعي في آن واحد , ويشير رأس المال الاجتماعي إلى النظام المؤسسي والعلاقات و الثقافة السائدة و العادات و التقاليد التي تؤثر علي كافة أفراد المجتمع ومن بينها ، ذوي الاحتياجات الخاصة ، بما ينعكس علي المشاركة في التفاعلات الاجتماعية و الاقتصادية ذات التأثير المباشر علي عملية التنمية واستمرارها (1).
وتقوم فكرة البحث علي عملية إدماج وتفعيل دور ذوي الاحتياجات الخاصة داخل مجتمعهم المحلي حيث تكمن مشكلة المعاق والإعاقة في الظروف والسياقات الاجتماعية المختلفة و المهيأة للإعاقة و التي تضع قيود وعقبات غير مبرره ولا تستند إلي رؤى علمية أمام مشاركة المعاق في فعاليات الحياة الاجتماعية وتشير العديد من الأبحاث إلي أن مشكلات المعاق الحياتية و التوافقية لا ترجع إلي الإصابة أو الإعاقة في ذاتها ، بل تعود بالأساس إلي الطريقة التي ينظر بها المجتمع إليهم . وتفسر المداخل التقليدية الإعاقة بوصفها موضوعا طيبا ، حيث تنحصر أي محاولة للتعامل مع أو التخلص من الصعوبات التي يعاني منها ذوي الاحتياجات الخاصة علي ما يُعتقد أنه السبب في الإعاقة و المشكلات المرتبطة بها .
وترتب علي ذلك أن هٌمش واستبعد الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة من مسار الحياة الطبيعية مما أدي إلي فقدان أو محدود يه مشاركتهم فيها نتيجة العقبات، الموانع Barriers الاجتماعية و البيئية التي تحول دون تفاعلهم مع المجتمع كالتحيز ضد الإعاقة و المعوقين و الميل إلي الوصم و التنميط وبيروقراطية الإجراءات ، وتعذر وجود وسائل المواصلات المناسبة كما أن مؤسسات التربية الخاصة تقوم علي فكرة العزل وبالتالي تفشل في تزويدهم بالمناهج التربوية العادية ، مما يترتب علية الاستبعاد من فعاليات الحياة الاجتماعية كما ذهب إلي ذلك تحليل " هنت "(2) وأن السبب الأساسي في هذه المشكلات إنما يعزي إلي فشل المجتمع في التسامح مع / و التقبل للاختلافات و الفروق بين المعاقين من المشاركة العادية في فعاليات و أنشطة وخبرات الحياة الاجتماعية اليومية.
ولا يفهم من ذلك إغفال الفروق الفسيولوجية ولكن الهدف يتمثل في علاج هذا التأثير دون الالتزام بالأحكام ذات الطابع التقويمي مثل السواء / في مقابل غير السواء أو العادي / في مقابل غير العادي مع التركيز بصفة أساسية علي الجوانب و الأبعاد المجتمعية التي يمكن تغييرها من خلال الافتراضات العامة للنموذج الاجتماعي في تفسير الإعاقة الذي يؤصل فيه بصفة خاصة ما يعرف بثقافة التمكين Empowerment
هدف البحث :-
يهدف البحث إلي إدماج ذوي الاحتياجات الخاصة داخل المجتمع وتغيير الثقافة السائدة عن الإعاقة ، من خلال تحديد الأدوار التي يمكن أن يسهم بها أفراد المجتمع ومؤسساته لتحقيق التطبيع الاجتماعي مع هذه الفئة وقبولهم وذلك بغرض الوصول إلي وضع سياسات وآليات تعمل علي إدماجهم في كافة قضايا التنمية
أهمية البحث :-
تأتي أهمية البحث من التأكيد علي أن الإعاقة تتخلق أساسا في ظل ظروف اجتماعية معينة حتى وأن كانت ذات منشأ تكوين أو وراثي ، فإن السياق الاجتماعي هو المتغير الأساسي و الفارق في نشأة المصاحبات الاجتماعية والسلوكية بكل تداعياتها السلبية علي المعاق مما يلزم معه تغيير الثقافة السائدة علي الإعاقة وذلك من خلال تبني استراتيجية دمج وتمكين ذوي الاحتياجات الخاصة من المشاركة الاجتماعية و الاستفادة من المميزات و الخدمات التي تنتجها مؤسسات المجتمع للعاديين .
مفاهيم البحث :-
مما لاشك فيه أن بناء وتنمية القدرات البشرية المصرية هي إحدى قضايا الساعة التي تفرضها التحولات المعرفية و المعلوماتية الحادثة عالميا ومما لا شك فيه أيضا أن بناء وتنمية القدرات البشرية المصرية يجب أن يشمل كافة الفئات و الطبقات هنا تبرز قضية التمكين الاجتماعي لذوي الاحتياجات الخاصة وكيفية بناء قدرات تلك الفئة اجتماعيا وتعليميا واقتصاديا وهو ما يسمي ( بالتمكين ) و التعاضد الجماعي (3) في مواجهة وضعهم الذي يوسم بالعجز و القصور و العزل أحيا ناً أو بالتعاطف و الشفقة
وإذا كانت الإعاقة تعرف أنها التداعيات و الآثار الاجتماعية المترتبة علي معاناة الفرد من إصابة أو تلف عضوي وظيفي بدني أو عقلي (4)
التمكين في جوهره العام يعني تمكين الأفراد لتحرير أنفسهم وفي مقابل مفهوم التمكين والقوة كان مفهوم الأضعاف إذا لم يتجاهل هذا الاقتراب الحيلولة دون حصول الآخر ذوي الاحتياجات الخاصة علي القوة أو ما يطلق عليه مفهوم الإضعاف لتلك الفئات ما يعني الحيلولة بين الاحتياجات الخاصة ووصولهم إلي مدخل القوة.
الإعاقة موقف يفتقد فيه الفرد القدرات الضرورية و اللازمة لإشباع حاجاته الأساسية وتطلعاته ومشاركته في فعاليات الحياة الاجتماعية والإعاقة بذلك هي نقص الأحقية الضرورية لمشاركة المجتمع .
فالأحقية هي مزيج من القانون و القوة ويتم بمقتضاها تحويل مطالب الفرد إلي أمر واقع في ظل امتلاكه للقوة وتحت مظلة القانون وبمقتضي نظام أحقية معينة ويطرح مفهوم الأحقية ثلاثة أسس وهي : حقوق الإنسان وحقوق المواطن و حقوق الرفاهية الإنسانية أو تستند حقوق الإنسان علي الحق في قدر معين من الخدمات الصحية و التعليمية وغيرها . في حين يرتبط مفهوم حقوق المواطن بمفهوم الطاعة وأداء الضرائب وخلافة . كما يهتم مفهوم الرفاهية الإنسانية بكيفية تطوير حياة الفرد واستغلال قدراته كاملة دون التميز ضد الإعاقة و المعاقين أو الميل إلي الوصم و التنميط وإذا كانت التنمية هي توسيع خيارات البشر فإن الأحقية تعني تأسيس حق البشر الجوهري في هذه الخيارات (5) .
مفهوم التمكين الاجتماعي : يقصد به إكساب ذوي الاحتياجات الخاصة مختلف المعارف والاتجاهات و القيم و المهارات التي تؤهلهم للمشاركة الإيجابية الفعالة في مختلف أنشطة وفعاليات الحياة الإنسانية إلي أقصي حد تؤهله لهم إمكانياتهم وقدراتهم إضافة إلي تغيير ثقافة المجتمع نحو المعاقين والإعاقة من ثقافة التهميش إلي ثقافة التمكين .
مفهوم ذوي الاحتياجات الخاصة : هو مفهوم بنائي يتسع ليشمل فئات اجتماعية كثيرة غير ذوي الحاجات الخاصة ( الجسمية أو الذهنية ) فهناك الإعاقة ( العقلية – السياسية – القانونية – الاقتصادية ...) أن ذوي الاحتياجات الخاصة وهم معاقين لأسباب بعضها وراثي وبعضها بيئي ( حادث سيارة – إصابة عمل – سوء تقديم الخدمة قبل الحمل وأثناء الولادة --- كذلك يضم إليهم المعاق ثقافيا وسياسيا و الموهوبون لأنهم ذو احتياج خاص في التعامل ) ويعكس ذلك مدي اتساع فئات الإعاقة .
وتعرف الإعاقة Handicap بكونها فقدان أو تهميش أو محدودية المشاركة في فعاليات وأنشطة وخبرات الحياة الاجتماعية عند مستوي مماثل للعاديين وذلك نتيجة العقبات و الموانع Barriers الاجتماعية و البيئية(6)
تساؤلات البحث :-
ينطلق البحث من التساؤل الرئيسي التالي :
ما الأدوار التي يمكن أن يقوم بها المجتمع بكافة نظمه ومؤسساته لإكساب ذوي الاحتياجات الخاصة المعارف و الاتجاهات و القيم و المهارات التي تمكنهم من الاندماج في فعاليات الحياة الاجتماعية ؟
ويتحقق ذلك من خلال الإجابة علي عدة أسئلة فرعية شملها دليل دراسة الحالة:-
- ما طبيعة إدراك أفراد المجتمع لذوي الاحتياجات الخاصة ؟
- ما تصور أفراد المجتمع للتعامل مع ذوي الاحتياجات الخاصة ؟
- كيف يمكن تنمية النظرة الإيجابية لدور ذوي الاحتياجات الخاصة ؟
- ما أشكال الرعاية الاجتماعية المقدمة لذوي الاحتياجات الخاصة ؟
- ما السبل لتمكين ودمج ذوي الاحتياجات الخاصة في المجتمع و الاستفادة منهم ؟
العينة ومجتمع البحث :-
طبق البحث في مدينة كوم حمادة – محافظة البحيرة في شهري سبتمبر و أكتوبر 2004 علي عدد خمسة عشر حالة تم اختيارهم بطريقة عمدية تتفق وطبيعة البحث وجاءت كالآتي :
خمس حالات عاملون في قطاع تعليم ورعاية ذوي الاحتياجات الخاصة، خمس حالات من المهتمون بقضايا ذوي الاحتياجات الخاصة . وتم اختيارهم بعد توجيه عدة أسئلة إليهم توضح مدي اهتمامهم ولديهم معرفة مسبقة بذوي الاحتياجات الخاصة وهم عادة من أقربائهم أو جيرانهم … إلخ) خمس حالات لأرباب أسر لديهم طفل معاق ، تم دراسة هذه الحالات من خلال المقابلة وكذلك المقابلات الجماعية المفتوحة .
أولا:- ذوي الاحتياجات الخاصة بين التجنب و الرعاية :-
عندما نتحدث عن ذوي الاحتياجات الخاصة بشكل عام ، فإننا نتجه إلي التركيز علي الإعاقة ، بكل أسف ، بدلا من الاهتمام بالفرد ذاته وما لدية من مميزات وقدرات خاصة لذا جاءت النظرة سلبية إليه فقديما كان ينظر للإعاقة علي أنها عاهة ثم بعد ذلك صنف بحكم قرارات إدارية مما ساهم في عزلتهم وتهميش دورهم و إلصاق المسميات السلبية بهم وفي ظل المبدأ التوجيهي الذي ينادي بجعل المعاق إنسان طبيعيا وهو اتجاه اجتماعي يهدف إلي إتاحة الفرصة أمام ذوي الاحتياجات الخاصة للحياة مثل الأفراد العاديين وهذا يتطلب التعامل مع هؤلاء الأفراد علي نحو طبيعي وإعطائهم الفرص ومساواتهم في الحقوق ، وجعل الظروف المحيطة بهم عادية وهناك العديد من الأفكار التي تبنت وجهات نظر مختلفة وفيما يلي نعرض لبعض هذه الأفكار .
- فقديما أرجع الناس الإعاقة إلي قوى غيبية أو تصورات غير منطقية ومنهم من اعتبرها نذير شؤم بمقدمها إلي الحياة ، أو هي دلالة علي غضب الآلة ، وكانت الكنيسة في أوربا تقول بأن المرض بجميع أنواعه قصاص علي ما اقترفه الإنسان من ذنوب ، وأن الإعاقة تقهقر فكري تضعف فيها الروح وتسير عليها المادة .
- شهد العصر الإغريقي التخلص من الأطفال المعوقين عن طريق قتلهم للمحافظة علي نقاء العنصر البشري كما نادي أفلاطون في جمهوريته وكذلك الحال في إسبارطة
- أما في العصر الروماني فقد بقي مصير المعوقين بين شيخ القبيلة الذي كان بيده وحده تقرير مصائرهم اعتمادا علي درجة تقدير الإعاقة إلا أنه كان يتم التخلص من المعوقين عن طريق إلقائهم في الأنهار أو تركهم علي قمم الجبال ليموتوا بفعل الظروف المناخية.
- أما في العصور الوسطي بأوربا – بما صاحبها من مظاهر الجمود الفكري- فقد عملت محاكم التفتيش علي اضطهادهم وإيذائهم حتى الموت بوسائل متعددة من خلال اتهامهم بممارسة السحر أو تقمص الشياطين لأجسامهم وبذلك فقد أصبحوا صنائع الشيطان .
- وعندما جاء الإسلام نادي بعدم التفرقة بين البشر وأقامه المساواة كما أكد علي وجوب النظر إلي الإنسان علي أساس عملة وقلبه وليس علي أساس شكله أو مظهره وطلب كف الأذى المعنوي المتمثل في النظرة و الكلمة و الإشارة وغيرها من وسائل التحقير و الاستهزاء
ويشير كتاب تاريخ " البيمارستانات " في الإسلام إلي النظرة الإيجابية التي كان ينظر بها أفراد المجتمع الإسلامي للمعوقين ومساواتهم بغيرهم إذ يٌروى أن " الوليد بن عبد الملك " قد أعطي الناس المجذوبين وقال لا تسألوا الناس وأعطي كل مقعد خادما ، وكل ضرير قائدا ولم يهمل المجتمع الإسلامي أمر علاج الإعاقات التي كان لها علاج معروف في ذلك الوقت (7) . وأكد ابن القيم الجوزيه علي أهمية الاهتمام بالطفولة المبكرة وتوفير الرعاية المتكاملة لها ، وحث الأسرة علي ملاحظة نمو أطفالها مما يسهم في الاكتشاف المبكر للإعاقة . وأشار إلي أهمية راحة الجسم من الاضطرابات الانفعالية السلوكية (8)
- وفي العصر الحديث اهتمت الحكومات بذوي الاحتياجات الخاصة من خلال إنشاء مؤسسات إيواء لهم وتعليمهم وتأهيلهم بصورة منعزلة ثم تطورت إلي عملية دمجهم داخل مجتمعاتهم وهذا ما نهدف إليه من هذا البحث
- ويشير بيان" سلامنكا " بشأن المبادئ و السياسات و الممارسات في تعليم ذوي الاحتياجات التربوية الخاصة ، إلي إعلان حقوق الإنسان لسنة 1948 ، الذي يؤكد علي حق كل فرد في التعليم وجاء المؤتمر العالمي حول التربية للجميع في 1990 وكفل هذا الحق للجميع بغض النظر عما بينهم من فروق فردية، ونذًّكر بمختلف الإعلانات الصادرة عن الأمم المتحدة ، التي توجت سنة 1993 بإصدار القواعد الموحدة بشان تحقيق تكافؤ الفرص للمعوقين(9)
وهناك خطوات عديدة اتخذتها الحكومة المصرية لحماية المعاق في المجتمع ومن بينها ما يلي :-
قانون التأهيل الاجتماعي للمعاقين /29 لسنة 75 تحت رعاية وزارة الشئون الاجتماعية وهي تعتمد في تقديم برامجها علي ما يلي :
أ- مكاتب التأهيل الاجتماعي ويبلغ عددها 115 مكتبا موزعة علي كافة أنحاء الجمهورية وهي تتولى تأهيل المعاقين ممن ليسوا في حاجة إلي رعاية داخلية وتعتمد في تدريب الحالات علي المؤسسات الموجودة بالمجتمع
ب- مركز التأهيل المهني : وعددها 17 مركزا وهي مؤسسات يقيم بها المعاقون الذين تقتضي ظروفهم الخاصة الإقامة الداخلية لشده إصابتهم أو حاجاتهم إلي مراقبة مستمرة وهي تضم أقسام للبحث الاجتماعي و العلاج الطبيعي ، والتدريبات العلاجية و التدريب المهني .
ج- مصانع الأجهزة التعويضية : وعددها 10 مصانع متخصصة في الأجهزة التعويضية والأطراف الصناعية
د- المصانع الخاصة أو المحمية : وعددها 4 مصانع متخصصة لتشغيل المعاقين الذين يتعذر إلحاقهم بالعمل في سوق العمل الحر لحاجتهم إلي رعاية خاصة أو نظام معين في التشغيل
هـ- مراكز العلاج الطبيعي : وعددها 51 مركزا
و- حضانات الأطفال المعاقين : وعددها 35 حضانة
ز- مؤسسات التثقيف الفكري وعددها 14 مؤسسة وهي دور معده لرعاية المعاقين ذهنياً من النوع الخفيف و المتوسط أي القابلين للتعلم و التدريب بالنظام الداخلي أو الخارجي (10)
وفيما يلي جدول يوضح عدد المستفيدين من خدمات التأهيل الاجتماعي
عدد المستفيدين من خدمات التأهيل الاجتماعي حسب الجنس
و نوع الخدمة لعام 1998
تأهيل أجهزة علاج طبيعي بطاقة معوق المجموع
ذكور إناث ذكور إناث ذكور إناث ذكور إناث ذكور إناث
21444 6147 2436 1569 334 268 7009 1519 31223 9503
المصدر : الكتاب الإحصائي السنوي 98\99 ، وزارة الشئون الاجتماعية : مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار ، جمهورية مصر العربية ، ص 135
- وقانون رقم 39 لسنة 1975 بشأن تأهيل المعوقين (11)
- وقانون رقم 49 لسنة 1982 بتعديل بعض أحكام القانون رقم 39 لسنة 1975 بشأن تأهيل المعوقين (12)
أ- نص المادة الثالثة التي جعلت التأهيل حق لكل معوق تؤدي الدولة خدماتها له دون مقابل .
ب- نصت المادة التاسعة علي إلزام كل صاحب عمل يستخدم 50 عاملا فأكثر بتشغيل 5% من عدد العاملين من بين المعاقين .
ج- نصت المادة العاشرة التي خصصت 5% من مجموع وظائف المستوى الثالث الخالية بالجهاز الحكومي و القطاع العام لشغلها بالمعوقين الحاصلين علي شهادات التأهيل الاجتماعي
- إنتاج خمس برامجsoftware مشتملة علي القاموس المرئي لخدمة التلاميذ ذوي الاحتياجات الخاصة ( الصم – البكم ) وقد تم توزيع هذه البرامج علي 275 مدرسة (13)
وتعد هذه بعض خطوات التمكين الاجتماعي لذوي الاحتياجات الخاصة بالإضافة إلي التأكيد علي تنمية وعي الجمهور وبوسع وسائل الإعلام أن تلعب دورا هاما في تشجيع المواقف الإيجابية إزاء دمج الأشخاص المعوقين في المجتمع و التغلب علي التمييز و المعلومات المضللة وغرس المزيد من التفاؤل وسعة الخيال بصدد قدرات الأشخاص المعوقين ، وكذلك تشجيع أرباب العمل علي أن يتخذوا مواقف ايجابية إزاء استخدام الأشخاص المعوقين وكذلك اطلاع الجمهور علي النهوج الجديدة في التعليم وخاصة فيما يتعلق بتوفير خدمات تعليم ذوي الاحتياجات الخاصة في المدارس العادية ، وذلك بالترويج لأمثلة من الممارسات الجيدة و التجارب الناجحة في هذا المجال (14)
وترتب علي ذلك تغيير مفهوم الإعاقة من حيث :-
- كيفيات الفحص ، إذ أنها لم تعد تتمثل في تصنيف الأفراد ، بل أصبحت تستهدف وصف احتياجات كل واحد منهم وتحديد ما ينبغي الاحتياط له استجابة لهذه الاحتياجات
- أن مؤسسات التربية الخاصة أصبحت تتخلى عن النظام القائم عل العزل الموجود للأطفال المنتمين إلي صنف معين لتقديم تشكيلة كاملة من أنماط الخدمات المختلفة لكل من لهم احتياجات خاصة أيا كان المقر الذي يتلقون فيه الخدمة
- تطور مجموعة المصطلحات المتعلقة بأنماط العجز و الإعاقة و أصبحت المصطلحات تصف مجالات مخصصة لأصحاب المهنة(15)
ثانيا : المدخل النظري لفهم الإعاقة :-
من المتفق عليه بين عامة الناس و المتخصصين أن ذوي الإعاقة لا تتاح أمامهم مختلف فرص التفاعل مع مختلف مواقف وخبرات الحياة الاجتماعية ، ويعيشون في نوعية حياه أقل كثيرا مقارنة بأقرانهم العاديين ، وتعتمد أي محاولة للتعامل مع أو للتخلص من الصعوبات التي يعاني منها المعوقين علي ما يعتقد انه السبب في الإعاقة و الصعوبات المرتبطة بها ويوجد طريقتين مختلفتين لتفسير ما يعتقد انه السبب في الإعاقة وتداعياتها النفسية وقد أمكن بلورة هاتين الطريقتين فيما يطلق علية نموذجا لتفسير الإعاقة وهما :
( أ ) النموذج الطبي للإعاقة Medical Model of Disability
( ب ) النموذج الاجتماعي للإعاقةSocial Model of Disability
يركز أنصار النموذج الطبي بشكل كبير علي الملامح و الخصائص الأساسية للفرد من حيث البنية التكوينية العضوية ، في حين يتبني مؤيدو النموذج الاجتماعي التفسيرات التي تعتمد علي الخصائص الأساسية للمؤسسات الاجتماعية وما يسود المجتمع بشكل عام من أنساق قيم ومعتقدات تجاه الإعاقة و المعوقين وفيما يلي تناول موجز لكلا النموذجين :
1- النموذج الطبي للإعاقة :
ينظر في ظل هذا النموذج للإعاقة علي أن عجز أو عدم قدرة المعاقين علي الارتباط و المشاركة في أنشطة وخبرات الحياة ترجع بالأساس إلي معاناة الفرد من إصابة Impairment تتلف أو تحدث تدميرا لعضو ما من جسده يترتب علية قصور أو عجز وظيفي شديد لا يمكنه من الاستفادة و المشاركة في فعاليات وخبرات الحياة الاجتماعية ولا يرجع هذا العجز من قريب أو بعيد لملامح وخصائص وأنساق القيم و المعتقدات في المجتمع .
وعندما يفكر صناع السياسة في الإعاقة وفق النموذج الطبي فإنهم يميلون إلي تركيز مجهوداتهم في تعويض ذوي الإصابات أو التلف العضوي وما يرتبط به من قصور وظيفي وذلك من خلال صياغة نظم تربوية ورعاية وتزويدهم بالخدمات العلاجية و التأهيلية في مؤسسات قائمة علي العزل والاستبعاد من فعاليات وخبرات الحياة الاجتماعية العادية.
ويؤثر النموذج الطبي للإعاقة أيضا علي الطريقة التي ينظر ويفكر المعاقون بها حول أنفسهم إذ عادة ما يتبنى الكثيرون منهم رسالة سلبية مفادها أن كل المشكلات التي تواجه ذوي الإعاقة تنشأ عن امتلاكهم أجساد غير عادية أو بها عيب تكويني ، وعادة ما يميل المعاقين إلي الاعتقاد بأن إصابتهم تحول بالضرورة دون مشاركتهم في الأنشطة الاجتماعية ، ويؤدي إستدخال هذه الأفكار و المعتقدات في البنية الفكرية لذوي الإعاقة إلي عدم مقاومتهم محاولات استبعادهم من الاندماج Mainstreaming في فعاليات وخبرات الحياة الإنسانية في المجتمع (16)
2- النموذج الاجتماعي للإعاقة :
تبدأ الرؤى التفسيرية للإعاقة وفق النموذج الاجتماعي من التحديد للاختلاف بين مفهومي الإصابة أو التلف أو العطب Impairment و العجز أو الإعاقة Disability وقد بدأت صياغة النموذج الاجتماعي من قبل بعض العلماء إثر إظهار العديد من المعوقين استيائهم وامتعاضهم من النموذج الفردي أو الطبي لكونه لا يقدم تفسيرات مقنعة لاستبعادهم من الاندماج في مسار الحياة الاجتماعية ولأن هناك العديد من الخبرات لمعاقين أظهرت أن مشكلاتهم الحياتية و التوافقية لا ترجع إلي الإصابة أو الإعاقة في ذاتها ، ولكن تعود بالأساس إلي الطريقة التي ينظر بها المجتمع إليهم ( 17) ويتجاوز هذا النموذج المسلمات التي ينطلق منها النموذج الطبي و التي تتمثل في عدم التفرقة بين الإصابة و التلف و العطب، و العجز لأن كليهما يؤدي إلي قصور وظيفي وان هذا القصور الوظيفي كامن داخل الفرد نفسه ومنعزل عن المتغيرات الخارجية ، مسلما بأن العجز وليس العقبات أو العناصر الأساسية للمؤسسات الاجتماعية التي لا تلقي بالا بحاجات وخصائص المعوقين بأي شكل من الأشكال ، وهنا يبدو أن المجتمع هو سبب الإعاقة بمعني أن المجتمع هو المعوق لأن الطريقة التي يشيد بها تمنع ذوي الإعاقة من الاشتراك في فعاليات و أنشطة وخبرات الحياة اليومية ، وإذا ما أريد اشتراك واندماج ذوي الإعاقة في مسار الحياة الاجتماعية لابد أن يعاد تنظيم المجتمع من حيث بنائه ووظائفه ، وأيضا لا بد من القضاء علي كل الحواجز و الموانع و العقبات التي تحول دون هذا الاندماج . ومن هذه العقبات أو الحواجز :
- التحيز ضد الإعاقة و المعوقين والميل إلي الوصم و التنميط .
- عدم مرونة الإجراءات و الممارسات المؤسساتية
- تعذر الحصول علي المعلومات الصحيحة
- تعذر وجود البيانات و المؤسسات المناسبة
- تعذر وجود وسائل المواصلات والنقل المناسبة (18)
ويشير تحليل " هنت " ( Hunt) إلي أنه يعتقد أن المعوقين يواجهون اضطهاد وإساءة معاملة من قبل الآخرين وتتضح تجليات ذلك في ظاهرة التمييز discrimination والاستبعاد من فعاليات الحياة الاجتماعية الطبيعية ، وخلص " هنت " من تحليله لهذه الأوضاع إلي التأكيد علي وجود علاقة مباشرة بين الاتجاهات الاجتماعية و الثقافية والاقتصادية نحو الإعاقة و المعوقين ، و التداعيات النفسية و السلوكية للإعاقة باستخدام مصطلحات القيود و الحدود ، و العقبات التي تفرض Imposed علي المعاقين من قبل المؤسسة ، وقد استخدم المعوقون في بداية السبعينيات من القرن العشرين خبراتهم الشخصية مــع الإعــاقـة وعن حيــاتهم فــي المــؤسســات ( مؤسسات الرعاية والإيواء و التربية القائمة علي العزل ) ليظهروا أن إصابتهم أو نواحي العجز لديهم ليست السبب في المشكلات العديدة التي يواجهونها في حياتهم أو في التداعيات النفسية و السلوكية المصاحبة للإعاقة ، وأن السبب الأساسي في هذا العجز وهذه المشكلات إنما يعزي إلي فشل المجتمع في التسامح مع / والتقبل للاختلافات و الفروق بين المعوقين من المشاركة العادية في فعاليات وأنشطة خبرات الحياة الاجتماعية اليومية ، وقد أطلق علي هذه الطريقة في التفكير حول / ومناقشة وتحليل الإعاقة بالنموذج الاجتماعي للعجز أو الإعاقة ، إذ يفسر فيه العجز أو التعويق بوصفة نتاج أي سلوك أو عقبات تمنع أو تحول دون قيام المعوقين من الاشتراك في فعاليات الحياة في المجتمع ولا يفهم من ذلك أن النموذج الاجتماعي يغفل أو ينكر تأثير الإصابات و الفروق الفسيولوجية ولكنه يعالج هذا التأثير دون التقيد أو الالتزام بالأحكام ذات الطبع التقويمي لذا فمن المتصور أن استخدام النموذج الاجتماعي يؤدي إلي التمكين الاجتماعي لذوي الاحتياجات الخاصة(19)
وباختصار يؤكد النموذج الاجتماعي أن العجز و الإعاقة ناتجة عن عدم إدراك وعدم رغبة المجتمع في التعامل و التسليم بالاختلافات و الفروق في الخصائص والإمكانات البدنية و العقلية بين ذوي الإعاقة وأقرانهم العاديين .
3- الدمج الاجتماعي :
الدمج كلمة تكتسي معاني مختلفة حسب المستعملين لها ، فهي تعني عند بعضهم وجود أطفال معوقين داخل فصول مدرسية عادية ويتابعون تعليمهم في ظروف الأسوياء نفسها ، وتعني عند بعضهم الآخر وجود أطفال معاقين داخل فصول مدرسية عادية مع تحوير جزئي في وسائل وظروف التعليم مثل الاعتماد علي بعض طرائق التربية الخاصة مثل طريقة برايل والاستفادة من دعم تعليمي خارجي، وتعني عند فريق آخر من المهتمين بالتربية الخاصة استفادة المعوقين من بعض المواد المدرسية المدرجة ضمن الفصول العادية كالأشغال اليدوية و الرسم مع مواصلة تعليمهم بمراكز التربية الخاصة ، أما المعني الرابع للدمج فيعني وجود فصول للمعاقين داخل المدارس العادية لها مربوها المختصون ووسائلها المناسبة ولا يختلط المعوقون بالأسوياء إلا في فناء المدرسة أو في بعض المناسبات(20)
وهناك من يري أن الدمج يعني تمكين بعض فئات المعاقين من متابعة تعليمهم في الفصول العادية وما يترتب علي ذلك من إعداد التلميذ المعاق ولظروفه التعليمية و للمعلم من حيث برامج الإعداد و التأهيل ويجب أن لا يفهم من الدمج علي أنه مجرد حضور الطلاب المعاقين في الفصول المدرسية العادية ، بل هو محاولة لمساعدة الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة من أجل أن يتطورا اجتماعيا وعقليا وشخصيا من خلال الاتصال و التفاعل مع أقرانهم العاديين ، وهذا يتطلب إحداث تغيير في المدرسة و المناهج وطرائق التعليم المستخدمة في الصفوف وأنظمه التقويم ، فالدمج ليس اختيارا بين كل شئ أو لا شئ لأنه يستند إلي فكرة أن تكون التربية أكثر مرونة ، ولهذا السبب فإن التلاميذ الذين يعانون من أي صعوبات سوف يكونون قريبين من أقرانهم بالقدر الذي يستطيعون وبما يسمح لهم بالنمو والاندماج الاجتماعي . ومهما تعددت الآراء و الاتجاهات تباينت وجهات النظر فإن الدمج كإستراتيجية جديدة في التربية الخاصة ينطلق من :
- التغيير الواضح في الاتجاهات الاجتماعية نحو الأطفال غير العاديين من السلبية إلي الإيجابية.
- توفير الفرصة الطبيعية للأطفال غير العاديين للنمو الاجتماعي و التربوي مع أقرانهم العاديين .
- إزالة الوصمة المرتبطة ببعض فئات التربية الخاصة ، ويقصد بذلك الآثار السلبية الاجتماعية لدي بعض فئات التربية الخاصة وذويهم و المرتبطة بمصطلح مثل الإعاقة (21)
وقد ترتب علي ما سبق ظهور أفكار جديدة دفعت بحركة تربية ورعاية المعاقين إلي الاتجاه الإنساني وتنادي بالأخذ بمبدأ جعل المعاق طبيعيا أو سويا Normalization وهو اتجاه اجتماعي يهدف إلي إتاحة الفرصة أمام المعاق للحياة مثل الأفراد العاديين و التعامل معهم علي نحو طبيعي وإعطائهم الفرص ومساواتهم في الحقوق وجعل الظروف المحيطة بهم عادية ، ولكي يتم هذا الهدف استخدمت العديد من المصطلحات كمحطات أساسية في طريق تحقيقه ، مثل مصطلح:التحرر من المؤسسات Deinstituations : وبيئة تربوية أقل تقييدا least restrective invinromentو التكامل التربوي invinroment Educational الدمج أو توحيد المجري التعليمي Mainstreaming ، والاحتواء أو المدرسة الشاملة inclusive school وقد استخدم مصطلح التحرير من المؤسسات ليشير إلي تلك العملية التي تتضمن إبعاد المعوقين عن المؤسسات الخاصة الداخلية ووضعهم في بيئات مفتوحة وأقل تقيدا لحرياتهم قدر الإمكان ، وبما يسمح بإسهام المجتمعات المحلية في رعاية المعوقين بصورة تساعد علي تعويدهم الحياة بين أقرانهم العاديين (22) مفهوم التحرير من المؤسسات يستند إلي ثلاث مفاهيم أساسية هي : التعويد أو التطبيع - بيئة أقل تقييدا - الأسلوب النمائي.
وهكذا ظهر مصطلح التعويد أو التطبيع الذي يقضي بأن تتاح للمعوقين نفس أساليب وظروف الحياة العادية المتاحة لبقية أفراد المجتمع ، وذلك باستخدام وسائل الثقافة العادية لمساعدة المعوقين علي الحياة في ظروف أو مستوي يماثل تلك الظروف التي يعيش فيها الأفراد العاديون ، كما أنه يتضمن تعليم المعوقين أساليب السلوك المناسب وتشجيعهم علي استخدامها وتعويدهم علي الظهور بالمظهر اللائق ، وتعريضهم لخبرات متعددة تقربهم من أساليب الحياة العادية وتيسر لهم الاندماج فيها .
وقد استخدم البعض مصطلح التكامل ليشير إلي ضرورة تعليم المعوقين ورعايتهم وتدريبهم مع أقرانهم العاديين ، ويري أصحاب هذا الرأي أن مصطلح التكامل يعد أكثر ملائمة حيث يتضمن عملية تكيف الجوانب الاجتماعية و العضوية و المهنية للمعوقين مع المجتمع، مع مراعاة الحاجات الخاصة بكل فرد واختيار ما يناسبه من الظروف البيئية (23) . وبناء عليه فإن ما يقوم به المعوق لا يمثل سوى نصف المطلوب ، حيث يقع النصف الآخر علي عاتق الأطراف الاجتماعية الأخرى التي ستتولى مهام استقبال المعوق و التعرف علية ويتطلب ذلك عدد من القضايا المرتبطة بقضية دمج المعوقين في المجتمع وهي ضرورة العمل علي نشر جمعيات أصدقاء المعوقين ولا تذكر قضية دمج المعوق في المجتمع إلا وتذكر معها قضية تشغيل المعوق وتوفير مواقع العمل المناسبة له(24) . وهناك وسائل مساندة أو دعم لذوي الاحتياجات الخاصة اجتماعيا من خلال :-
- خدمات الإرشاد و التوجيه.
- خدمات المساندة الاجتماعية
- خدمات المساندة الصحية
- نظم خدمات المساندة المتبادلة أو التكاملية (25)
وتتنوع طرق التدريس الخاصة بذوي الاحتياجات الخاصة ومنها :
- مدخل التدريس المضبط.
- مدخل التعليم أو التدريس المباشر .
- مدخل تدريب القدرة .
وسوف نركز علي مدخل تدريب القدرة لأنه يعتمد علي أسلوب الممارسة المركزة في المجال الذي يعاني فيه التلميذ من صعوبة كذلك يساعد التلاميذ علي حسن توظيف جوانب القوة و التميز لديهم في تعويض أي خلل أو تقصير في قدراتهم علي سبيل المثال يمكن تعليم الطفل الذي لدية قصور في التميز السمعي باستخدام ما يعرف بالمدخل الكلي في تعليم اللغة WHOLE – Language approach كذلك يستخدم عندما يحتاج التلاميذ إلي إتقان المهارات قبل الأكاديمية التي بمقتضاها يكتب التلاميذ المهارات الأكاديمية القراءة ، الكتابة ، الحساب (26) ذلك لأن حرمان الطفل من التعرض للمثيرات واكتساب الخبرات ، ومن تنمية قدراته العقلية و الجسمية والاجتماعية ، ومن تطوير مهاراته وبخاصة الحسية منها ، مهما كان شكله وطبيعته ، يؤدي إلي وقف نموه وعدم تطوره لافتقاره إلي التعليم و التدريب(27)
وقد شهدت التربية الخاصة تفسيرات جذرية ففي منتصف القرن الماضي كان التوجه نحو التربية الخاصة من منظور التأهيل ومن منظور الفئوية أي تصنيف المعاقين في فئات خاصة ومن ثم تميزهم بنوع من التربية منفصلا عن مجتمع العاديين وتربيتهم أما التربية الخاصة المعاصرة فهي تقوم علي الوصل لا الفصل بين مجتمع العاديين وغير العاديين وتهدف إلي توفير مكان ومكانة لذوي الاحتياجات الخاصة سواء في المدرسة أو في المجتمع(28)
ويذهب ( بنكس وما يناهام ) pincus and Minaham إلي القول بضرورة الاهتمام بالتفاعل الذي يحدث بين المعوقين وبيئاتهم الاجتماعية بهدف مساعدتهم علي القيام بواجباتهم الحياتية وتحقيق آمالهم بأقل قدر من الضيق و التوتر ومن ثم فإن الخدمة الاجتماعية تهدف إلي مساعدة الأفراد المعوقين علي اكتساب مقدرة متزايدة لحل ما يقابلهم من مشكلات وربطهم بالأنظمة الاجتماعية التي تمدهم بالموارد و الخدمات و الفرص التي يحتاجون إليها ، مع تقوية وتدعيم تلك الأنظمة حتى تتمكن من تأدية وظائفها بفاعلية متزايدة . (29)
4- عملية الدمج وتعليم ذوي الاحتياجات الخاصة :
يعد دمج الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة من الموضوعات الهامة التي تنتج عنه تغير النظرة التقليدية لعملية التعليم و التي كانت تتم في مدارس خاصة بالمعاقين بما لا يسمح للمعاق بالتعامل أو التفاعل مع مجتمع العاديين، مما دفع المهتمين بشئون تعليم وتأهيل المعاق إلي إعادة النظر في الأسلوب المتبع في رعايته وتربيته ، ومن هنا انبعثت فكرة دمج أو توحيد المجري التعليمي Mainstreaming أو تكامل التعلم بالنسبة للمعاق مع الأطفال العاديين وبدأت فكرة عزل المعاقين بعيدا عن العاديين تلقي رفضا من بعض العلماء المتخصصين، وخصوصا إن المناهج التي تقدم للمعاقين ضعيفة ويقوم بتدريسها مدرسون من غير المتخصصين (30) . ومن المسلمات التربوية المعروفة أن لكل طفل الحق في الحصول علي قدر معين من التربية و التعليم ، لا فرق في ذلك بين سوي ومعاق ، كما أن أغراض التربية وأهدافها متماثلة بالنسبة لجميع الأطفال بالرغم من أن المتطلبات اللازمة لإتمام عملية التربية لكل طفل قد تختلف تبعا لقدراته وإمكاناته واستعداداته.
وقد أكدت الإحصائيات المنشورة بمنظمة الصحة العالمية World heath organization (W.H.O ) أن حوالي ( 10% ) علي الأقل من جميع الأطفال يولدون بإعاقة بدنية أو عقلية أو يكتسبونها بالدرجة التي تجعلهم في حاجة ماسة إلي مساعدة خاصة من أجل ممارسة الحياة اليومية العادية (31) وقد تبين أن هذه النسبة قد تصل إلي 15% بل 25% في بعض المناطق من دول العالم الثالث ، وهذه التقارير تعد بمثابة ناقوس الخطر لمدي الكارثة التي سوف نواجهها في مستقبل حياتنا بفقد نسبة ليست بالقليلة من سكان المجتمع ، تعيش في عزلة عن مجريات الأمور ، ولا يسعى المجتمع إلي اشتراكها في حياته العامة(32).
وإذا كانت منظمة الصحة العالمية ترفع شعار " الصحة للجميع " إستراتيجية للصحة مع مطلع القرن الحادي و العشرين فإن هذا الشعار لم يجد طريقة للمساواة بين الشخص المعاق و السوي ، وما يزال المعاقون في معظم أنحاء العالم يعانون من مشكلات تتعلق بحصولهم علي الخدمات التربوية والاجتماعية و الصحية التي يحتاجون إليها (33)
ويكفي للتدليل علي ذلك أن منظمة الصحة العالمية تقدر بأن الخدمات التي تقدمها المدارس الخاصة في الوقت الراهن لا تلبي سوي نسبة تتراوح بين ( 1% ) إلي ( 3%) من احتياجات الأشخاص المعاقين الذين يحتاجون إلي التأهيل في البلدان النامية أكثر من ذلك نجد أن نسبة المعوقين في المؤسسات الخاصة في معظم بلدان العالم ( فيما عدا الولايات المتحدة الأمريكية وبعض دول أوروبا لا تتجاوز ( 5% ) وبعبارة أخري فهناك ( 95%) تقريبا من المعوقين في تلك البلاد لا يتلقون رعاية منظمة(34) .
وفي إطار هذه الحقائق ومع التسليم بأن التفوق في حد ذاته ليس له دور يذكر في حياة الفرد من المعوقين ، بقدر ما يكون لاتجاهات المجتمع و الأفراد المحيطين به دورهم في اضطراب حياته النفسية بسبب الإشفاق علية والإعفاء من المسئولية ، والإشعار المستمر بعدم القدرة و الحد و الحرمان من الحياة الطبيعية وإبراز جوانب العجز فيه وإهمال جوانب القوة فيه ، مما يزيد حالته النفسية تعقيدا ويجعل المعاق أميل و أسرع إلي العزلة وتحاشي الصدام الاجتماعي أو المناقشة حتى مع من يشبهونه في جوانب العجز أو نواحي القصور الجسمي أو العقلي ، وهنا يجب إشباع الحاجات الأساسية كالحاجة إلي الأمن و الحاجة إلي الشعور بالنجاح و الحاجة إلي إثبات الذات و الحاجة إلي الحب و التواد حتى يستعيد المعاق توازنه النفسي بينة وبين البيئة (35)
من هنا برزت علي الساحة قضية الدمج الاجتماعي و الأكاديمي كإستراتيجية تربوية بديلة أصبحت معظم بلدان العالم المتقدمة تأخذ بها بأمل أن يؤدي الفهم الأكبر لأوضاعهم إلي قبولهم و مراعاة احتياجاتهم المتنوعة في مدارسنا ومجتمعنا بهدف التمكين الاجتماعي لهم (36) .
ثالثا :- وعي المجتمع بمتطلبات ذوي الاحتياجات الخاصة :
لقد أدي الالتفات إلي الأهمية البالغة لمفهوم رأس المال البشري ودوره في نهضة المجتمع وتقدمه إلي أيلا أولوية متقدمة للتنمية البشرية في مجالات مثل رعاية الفقراء المهمشين وذوي الاحتياجات الخاصة وغيرهم كي نستفيد بما لديهم من طاقات وتركيزنا هنا علي ذوي الاحتياجات الخاصة فلكي نمكن لهم داخل المجتمع لا بد من تأهيلهم وتعليمهم وإدماجهم في مجتمعهم كقوي منتجة وفاعلة. فذوي الاحتياجات الخاصة مصطلح يشمل كل الفئات التي تحتاج إلي نوع خاص من الرعاية سواء كانت جسمية أو نفسية أو اجتماعية أو تربوية وتختلف قضايا ومشكلات وطرق رعاية كل فئة من هذه الفئات لاختلاف احتياجاتهم (37).
إن من أهم متطلبات تمكين ذوي الاحتياجات الخاصة هى توفير كافة أشكال المساندة الاجتماعية و الخدمات الصحية لأسر ذوي الاحتياجات الخاصة لخفض مستويات الضغوط النفسية الواقعة علي هذه الأسر (38).
وتشير " fahmeeda wahab " إلي أن ذوي الاحتياجات الخاصة يتعرضون في كافة المجتمعات إلي مختلف صور التمييز السلبي وخاصة الاستبعاد من كافة فعاليات وخبرات الحياة الاجتماعية، وتعد الإناث أكثر فئات المعاقين تعرضا للإهمال و التجاهل بصورة خاصة في المجتمعــات النامية ، وفي المنـاطق الريفيـة وترصد " fahmeeda" الكثير من صور التحيز السلبي ضد النساء المعاقات في الدول النامية في أسيا منها : قلة الدعم المادي المخصص للإنفاق في مجال تعليم الأطفال و المراهقين من الإناث المعاقات ، إضافة إلي عدم تأهيلهم بالصورة الكافية لدمجهم في المجتمع وبناء علية تترك المرأة المعاقة علي هامش المجتمع تعاني من العزلة الاجتماعية و النفسية وتتعرض للنبذ والإهمال الاجتماعي وينظر إليها بوصفها عبئ علي المجتمع ويدلل علي ذلك الكثير من الإحصائيات التي تظهر بوضوح الظلم الاجتماعي البين الواقع علي النساء المعاقات في العديد من الدول الآسيوية .
وترجع ذلك إلي القصور في التشريعات القانونية المتعلقة بتعليم ورعاية هذه الفئة وهي تعد من ضمن أهم الأسباب التي ترتبط بهذا الظلم الاجتماعي وتؤكد بناء علي ذلك علي ضرورة إدخال تشريعات قانونية تدعم حق هذه الفئة وتمكن لهم فرص متكافئة( 39) وأحيانا ما تتسم النظرة إلي وصول طفل معوق في الأسرة بالخوف و القلق و الشعور بحلول كارثة .. وقد تعمد الأسرة إلي عزل الطفل المعوق عن البيئة المحيطة ( الخوف علية من عدم التكيف ، التجنب لما يرتبط بتدريبه وتعليمه وخدمته ، الصعوبات و المشاكل المترتبة علي ذلك الوقت و الجهد ) – وقد يكون للأسرة بعض العذر في ذلك – غير أن ما يجب الإشارة إليه هو أن آثار الإعاقة السلبية تؤثر تأثيرا عميقا في نفسية المعوق ، وأنه إذا ما عزل فسوف يحرم من فرص استخدام ما لدية من قدرات واستعدادات ومهارات وتستطيع الأسرة إذا ما تقبلت الطفل المعوق بشكل طبيعي أن تساعده علي تقدير نفسه بشكل واقعي و التخطيط لحياته أو تقييم قدراته واستعداداته بصورة صحيحة دون زيادة أو نقصان(40).
وقد نبهت نتائج البحوث التربوية إلي أهمية المشاركة الكاملة للأسرة لما لها من آثار إيجابية وفعالة في تحقيق التوافق الاجتماعي والإنجاز و التحصيل التعليمي لهؤلاء الأطفال (41)
وهنا تطرح قضية العلاقات المتداخلة بين مستوي التحصيل الدراسي للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة و النموذج الاجتماعي و الانفعالي لهم . إذ يمكن التأكد بصفة عامة على أن ذوي الاحتياجات الخاصة – يتعلمون بصورة أفضل حال تواجدهم في بيئة تفاعل اجتماعي يشعرون فيها بالأمن و القيمة و الثقة في المعلمين و التفاهم التام و التقبل للتنوع والاختلافات في القدرات و الخصائص بينهم وبين الأطفال العاديين ويعد الاهتمام بالسياق أو المناخ الاجتماعي والانفعالي للتعلم من القضايا ذات التأثير الفعال (42)
ويعد التعليم من أهم أساليب التمكين إذ تعتمد عملية التعليم ورعاية ذوي الاحتياجات الخاصة بصورة أساسية علي ما يعرف " بالخطة التربوية التعليمية Individual Educational plan (IEP) ويقصد بها أن تعلم ذوي الاحتياجات الخاصة يجب أن يعتمد علي أسلوب تفريد التعليم فلكل طفل احتياجات تعليمية خاصة يفترض أن تقوم مناهج وطرق التعليم علي تلبيتها وذلك من خلال طرق التدريس الخاصة التي تعكس التنوع في المداخل المستخدمة لتحقيق أو تلبية الاحتياجات التعليمية الخاصة للتلاميذ غير العاديين في فصول التعليم سواء أكانت ضمن إطار ما يعرف بالتربية العادية أو التربية الخاصة(43).
وهناك خبرات ناجحة لم يتم الاستفادة منها كخبرات الأزهر الشريف في رعاية المكفوفين بجانب أقرانهم الأسوياء ودمجهم داخل المجتمع العادي و الذي نادي به ديننا الحنيف (44)
يشير (ألفرد أدلر ) الذي تأثر بوجهة النظر الاجتماعية التي تنادي بأن العوامل الثقافية و العلاقات الاجتماعية السائدة في البيئة و العناصر المكونة لها هي المؤثر الأول علي السلوك ، ولا يعني ذلك إنكار الدور الذي تلعبه العوامل الفطرية و القدرات الطبيعية و الاستعدادات الجسمية ، إلا أن ما يهمنا بالدرجة الأولي لتحقيق التمكين الاجتماعي هو التأكيد علي تأثير البيئة الاجتماعية و العوامل الثقافية علي الطريقة التي يستخدم بها الفرد قدراته واستعداداته (45)
ويري الأفراد المعاقين الراشدين المدافعين عن تطبيق وتنفيذ تشريعات ما يعرف بقانون الحق في التربية لكل المعاقين أن العجز في حد ذاته لا يؤدي بالضرورة وتلقائيا إلي الإعاقة والاتجاهات الاجتماعية والتصورات النمطية الجامدة وظروف الإسكان و النقل وغيرها من المعوقات الاجتماعية التي تسهم في تحويل القصور أو العجز إلي إعاقة حقيقية تحد من المشاركة في فعاليات (46) وخبرات الحياة الاجتماعية.
إن قضية تمكين ذوي الاحتياجات الخاصة ودمجهم في المجتمع اندماجا كليا هي قضية إنسانية تتعلق بالمجتمع ككل وتحتاج إلي كامل جهوده حتى يتحقق الإقبال الجماهيري و الوعي بها وإزالة المعوقات والاتجاهات السائدة التي تعزز المفاهيم الاجتماعية الخاطئة التي تري أن الإعاقة مصدرا من مصادر النقص التي تحط من قدر صاحبها .لأن الناس بطبيعتها تكره المواقف التي تؤثر فيها انفعاليا و تجعلها تشعر بعدم الراحة وبالتالي الابتعاد عن مصدر القلق أو علي أحسن تقدير لا يملكون – لأن الناس لم تتعلم بعد كيفية التفاهم مع المعوق بشكل سليم ومقبول بدلاً من البعد عنه وتحاشيه – إلا أن يشعروا حيال المعوق بالرثاء دون أن تسمح لهم خبرتهم بعمل شئ إيجابي تجاه المعوق – إلا أن يشعروا حيال المعوق . كما أن الإنسان بطبيعته يخشى ما لا يفهمه و يهاب الشيء الجديد أو غير المفهوم والمألوف فمن يشاهد مريضا صرعيا أثناء النوبة الصرعية لأول مرة أو مصابا بالشلل المخي وهو يعاني من التشنجات قد يشعر بردة فعل سلبية تجاه ما يري لأنه لا يفهم له تفسيرا أو تعليلا مما يجعله يقف موقف العاجز الذي لا يدري ما يفعل وقد يسارع بالابتعاد عن الموقف (47)
ويذهب William Roth إلى أن إعاقة مثل الشلل المخى لا يعد مأساة أو كارثة ويقول أن للبيئة دلالة أكثر أهمية من التكوين الجينى ، مثال ذلك الشخص الفقير الذي يعيش في منزل غير جيد التهوية ومحاط بمصادر التلوث ( الرصاص مثلاً ) ويصعب التحكم في درجة الحرارة وهو غير قادر فى نفس الوقت على تقديم الخدمات الطبية لأطفاله والتي تعد الانتصار الحقيقي للطب الحديث ، لاشك أن تواجد الأطفال في مثل هذه الظروف يفضى إلى معاناتهم من إعاقات شديدة وتلقى هذه التصورات مسئوليات جسام على المجتمع لتغيير مختلف الظروف المجتمعية التي تفضي إلى الإعاقة أو التي تعمق حالة الإعــاقة لـدى المصابين بها ( 48 ).
ففي ألمانيا ( على سبيل المثال ) يتمتع المعوقون بالمساواة مع سائر المواطنين ولهم كل الحقوق والمجتمع لا يحرمهم أو يعوق حركتهم حيث يتكامل المعوقين مع المجتمع على أساس برنامج حكومي شامل وجامع يقدم لهم إجراءات تنسيقية في مجالات مختلفة من الحياة الاجتماعية في مجال الصحة العامة والرفاهية الاجتماعية والتعليم العام والعمل والثقافة بالإضافة إلى التعرف المبكر وتعليم الأطفال المعوقين بدنياً وعقلياً وتوضح نمو عملية تحقيق الأهداف العامة للتعليم سواء بطريقة كاملة أو حسب ظروف الإعاقة وشدتها . ويعتبر تعليم المعوقين في الدنمراك ضمن النظام التعليمي العادي واندماجهم في الحياة المدرسية . وتقوم سياسة المدرسة وسياسة المجتمع على خلق صلات وثيقة بين الناس على حد سواء لا فرق بين العاديين منهم والمعوقين . ونجد في إيطاليا القانون ينص على التعليم الإلزامي للأطفال المعاقين مع الأسوياء باستثناء حالات الإعاقة الحادة والتي تعوق الإدماج في الفصول العادية (49).
ولقد توصلت نتائج البحوث والدراسات السابقة من أن البرامج الموجهة لهؤلاء الأطفال أثبتت كفاءتها وفاعليتها في تنشيط قدراتهم العقلية وتحسين مستوى كفاءتهم الشخصية والاجتماعية وتمكينهم من الانخراط في علاقات وتفاعلات اجتماعية مثمرة مع أقرانهم من العاديين (50) .
ويستخدم أسلوب العلاج الجماعي في علاج الكثير من المشكلات التي تعانيها الأسرة ، حيث تمثل الجماعة أداة فعالة لعلاج الكثير من المواقف وذلك بتكوين جماعات للمساعدة الذاتية حيث أن هذه الجماعات تتكون من أسر لديها اهتمامات مشتركة ويأتون معاً في فترة زمنية معينة ويقوم كل منهم بمساعدة الآخر والعمل على حل مشاكله وتعتبر الخبرة الجماعية جزء مهم في حياة الفرد فاشتراك الأسر الذين يعانون من مشكلات نوعيه في جماعة واحدة يعطى إحساسا بالأمن . حيث تشعر كل أسرة بأنها ليست وحدها التي تعانى من تلك المشكلات أو الضغوط وإنما يشاركها آخرون مثلها ، وذلك يعزز من استعداد كل منهم لمواجهة تلك المشكلات(51) .
إشكالية الإعاشة والسكن :- يعمل المعلمون مع الآباء ورجال الأعمال وهيئات المجتمع لتحسين نوعية حياة ذوى الاحتياجات الخاصة على المستوى المجتمعي أو على المستوى المنزلي فبعد إكمال مشوار التعليم نجد السؤال يفرض نفسه .. أين يفضل أن يعيش الأفراد المعاقين ؟ . فبعد الانتقال من المدرسة إلى عالم العمل يتضمن التعامل مع العديد من الإشكاليات أهمها ازدياد مسئولية ذوى الاحتياجات الخاصة في الاعتماد على أنفسهم . وهل يعنى ذلك أنهم سيظلون معتمدين على آبائهم أم سيكونوا قادرين على العيش بصورة مستقلة . ففي الماضي كان يعيش الأشخاص ذوى الإعاقات المتوسطة والشديدة في مؤسسات إيواء كامل .
وتوجد الآن خيارات أخرى متاحة لمن لا يرغب من المعاقين في العيش مع اسرته فى المنزل منها :-
البيوت المجتمعية : وهى بيئة أقل تقييدا اقتضت العيش في مؤسسات اجتماعية تتشابه إلى حد ما مع ترتيبات الحياة العادية كلما أمكن .
بيوت التبني : يعيش بعض المعاقيين في أسر بديلة توفر لهم رعاية مؤقته إلى أن يتم توفير ظروف حياة طبيعية بديله لهم . وتوفر بيوت التبني خبرات حياة ايجابية للمعاقين مثل المشاركة في الخبرات الأسرية العادية وتكوين صداقات ايجابية .
العيش بصورة مستقلة : وهى تتيح فرص كبرى للمشاركة الاجتماعية الطبيعية ، وهذا الأمر قد لا يتاح للكثير من ذوى الاحتياجات الخاصة خاصة ذوى الإعاقات المتوسطة والشديدة منها.
المؤسسات : وتوفرها الدول لمن لا يستطيعون العيش بصورة مستقلة(52).
رابعا: نتائج الدراسة الميدانية :-
يتضـح من تحليـل استجابـات حـالات الدراســة المـيدانية للشرائح الثلاث ( العاملون في مجال تعليم الاحتياجات الخاصة – المهتمون بقضايا ذوي الاحتياجات الخاصة: المواطنون والجمعيات الأهلية – أسرة الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة) كي نمكن لذوي الاحتياجات الخاصة في المجتمع ما يلي:-
1- العاملون في مجال تعليم ذوي الاحتياجات الخاصة :
وقد جاءت آرائهم معبره عن معاناة ذوي الاحتياجات الخاصة من حيث طريقة معاملتهم وما يرتبط بها من أفكار مجتمعية خاطئة وسائده منها ، انه انطوائي ، عديم الثقة في نفسه او في الآخرين .. الي غير ذلك من صفات سلبية ، كما أشارت نتائج الدراسة الميدانية إلي انه لا يكفي أن نزود المعوق باداه معينة في شكل أسلوب تعليمي او تدريبي ولكن الأهم هو مساعدته كعاملين في هذا المجال علي تقبل إعاقته بشكل طبيعي وواقعي بالإضافة إلي دور أفراد المجتمع في الوعي بمتطلباتهم النوعية من خلال تقديم كافة أشكال الدعم الحكومي والأهلي من تشريعات وخدمات صحية واجتماعية وترفيهية وفرص العمل المناسبة كما إشارة الحالات إلي تدني كفاءة عدد من زملائهم المعلمين العاملين في هذا المجال بما لا يفي باحتياجات ومتطلبات ذوي الاحتياجات الخاصة اجتماعيا وتعليميا ، إضافة إلي قصور البرامج اذ أن هناك حالات يتطلب التعامل معها في بيئة معينة أو وفق برنامج خاص يصلح للتعامل مع صاحب الإعاقة علي ضوء ما يشعر به وما يفكر فية وكيفية تعامله مع الأشياء ، وليس كيفما يريد غيره له
يؤكد هذا التجربة الرائدة لجامعة أسيوط والتي تتمثل في ان انسب الحلول في تعليم المعاقين يتمثل في عملية التأهيل والتي تنقسم بدورها إلي رعاية الذات والتنمية ( 53 ) وهذا يتطلب التوسع في إنشاء مدراس التربية الفكرية كما ذهبت نتائج الدراسات ( 54 ) كما يؤكد ذلك تقرير التنمية البشرية ( 55 ) ويتضح من تحليل استجاباتهم ما يلي : -
أ – وجود اتجاهات اجتماعية سلبية تجاه المعاقين .
ب- النظرة إلي المعاق بوصفة عبء اجتماعي لا مردود من ورائه لعجز المعاق عن الإتيان بأية سلوكيات تفيد المجتمع.
جـ – الأساس في تحسين وضعية المعاقين في المجتمع يعتمد علي تغير الاتجاهات والمعتقدات الاجتماعية ، وذلك من خلال برامج توعية أفراد المجتمع بكافة قضايا الإعاقة والمعوقين .
د- إحداث تغييرات هيكلية جوهرية فى النظام التعليمي العام من حيث اطرة التشريعية وإجراءاته ليستوعب المعاقين فى إطاره بتوفير مختلف الفرص التعليمية المتاحة لغير المعاقين .
2- المهتمون بقضايا ذوى الاحتياجات الخاصة:-
وقد جاءت آرائهم متمثلة فى أن نظرة المجتمع تقوم على تجنبهم وعدم تقبلهم خاصة فى حالات الاعاقه الشديدة . يذكى ذلك سلوك أسرهم بمحالة عزلهم . كما يرون ان المجتمع مسئول مسئولية كاملة ومباشرة عن رعاية وتعليم وتأهيل ذوى الاحتياجات الخاصة . وذلك بتغير المناخ الاجتماعي بما يحقق لهم الاندماج داخل المجتمع والتركيز على ان المعوق إنسان يمكن ان يعطى ولدية قدرات وله قيمه، والعمل على تصحيح المفاهيم الخاصة بهم لان هذا يمنعه بل يحرمه من العيش فى بيئة اجتماعية ترفضه وبالتالي تؤثر على خبراته وعلاقته بالآخرين ، كما جاءت آرائهم متبنية لمشكلاتهم وان قضاياهم يجب التعامل معها على انها واجب إنساني واخلاقى قبل ان تعتبر واجبا اجتماعيا ووطنيا ، بل وتهيئة البيئة المناسبة التي تسهم في توافقهم وتكيفهم مع أقرانهم الأسوياء من خلال جعل الظروف المحيطة بهم عادية وعدم إساءة معاملتهم بأي شكل من الأشكال .
ويتضح من تحليل استجاباتهم ما يلي .
أ- العمل على تفعيل الاهتمام بالشخص ذاته وما لدية من قدرات ومميزات خاصة يتم التركيز عليها وتنميتها
ب- تدنى مختلف أشكال المساندة الاجتماعية والنفسية للمعاقين وأسرهم
جـ- المطالبة بتوفير كافه خدمات الرعاية الصحية
د - دعم مؤسسات التأهيل المهني العاملة في المجال .
3- أسر الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة :-
وقد جاءت آرائهم معبره عن رضائهم بقضاء الله عز وجل وان هذا قدرهم ،آما المجتمع فمشغول عنهم – إلا في بعض الأمور الشكلية وغالبا لا تنفذ حسب قول حالات الدراسية المداينة - وما يواجهونه من مشاكل فهي كثيرة ومتنوعة( تمثل في مجملها عبئا ثقيلا على أهله ) منها ما هو على مستوى الأسرة وتتمثل في أحاسيسهم بأن طفلهم معاق فهم يقدمون لة كل المساعدة وبالتالي فهم يضرونه لأنهم لا يساعدوه على استخدام قدراته ومحاولة تنميتها – رغم علمهم بذلك – ويقولون أن مثل هذة الحالات تحتاج إلى مؤسسات أخرى تتعامل مع الطفل بصورة علمية موضوعية خارج أسرته وهى غير متوفرة في المجتمع الريفي . أما على صعيد المؤسسات والخدمات فهناك قصور واضح على المستوى الصحي والتعليمي أما على مستوى أفراد المجتمع فتتراوح النظرة بين الشفقة أو الابتعاد والرفض خاصة إذا كانت حالته من الإصابات الشديدة مما يضطر الأسرة إلى القيام بعزلة باعتباره وصمة عار ارتبطت بالأسرة خاصة في المجتمع الريفي وقد كشفت بعض الدراسات الميدانية في هذا المجال على ان اتجاهات الأسرة نحو ابنها المعاق تتمثل فى عدة مراحل تبدأ بالصدمة عند الولادة وعند العلم بإعاقة الابن ثم الإنكار ويظهر فى رفض الأسرة أعاقه طفلها والتشكك فى رأى المتخصصيـن ، يلي ذلك الغضـب ، فالشعــور بالذنب والحزن ثم التقبل والاعتراف( 56 )
ويتضح من تحليل استجابتهم ما يلي :
أ - قلة خدمات الرعاية الصحية لهذه الأسر وخاصة خدمات الاكتشاف المبكر.
ب - قصور خدمات التدخل المبكر .
ج - محاولة توفير دور الحضانة الخاصة بذوي الاحتياجات .
د - العمل على توسيع شبكة العلاقات الاجتماعية لتتمكن هذه الأسر من تجاوز محنة اكتشاف وتشخيص الإعاقة .
أهم النتائج :-
1- تدني وضعية ذوي الاحتياجات الخاصة فى المجتمع ومعاناتهم من الكثير من المشكلات الاجتماعية والنفسية الناتجة أصلا عن نظره المجتمع إليهم وليست المترتبة على الإعاقة في حد ذاتها.
2- لوحظ عدم حصول المعاقين على الكثير من الحقوق والخدمات مقارنه بأقرانهم العاديين.
3- عدم توافر فرص العمل الكافية لذوى الاحتياجات الخاصة حتى في إطار نسبه الـ 5% من فرص العمل حسب ما ورد في القانون وفى حاله عمل هؤلاء الأفراد يلاحظ أنهم يعملون في أعمال أو وظائف لا تتناسب مع ما يرد في شهادة التأهيل الاجتماعي التي تعطى لهم من مكاتب العمل والشئون الاجتماعية .
4- العجز المادي وفقر الرعاية الصحية يزيد من معاناة ذوى الاحتياجات الخاصة وأسرهم وينعكس ذلك على تدنى مشاركتهم في الأنشطة المجتمعية المختلفة وميلهم للعزلة.
أهم التوصيات :-
باستعراض نتائج البحث يمكن الانتهاء إلي التوصيات التالية :
1- الإعاقة قضية اجتماعية في المقام الأول تتخلق في ظل ظروف اجتماعية معينة تحد من تفعيل ما يمكن تسميته بفائض الطاقة لدي ذوي الاحتياجات الخاصة ، وبالتالي فان استغلال فائض الطاقة هذا متوقف علي وعي وادارك المجتمع بمختلف نظمه ذات العلاقة بالتفاعل الاجتماعي والخصائص النفسية والسلوكية للمعاقين ، ومن هنا تأتي وجاهة المناداة بإنشاء مراكز علمية متخصصة لدراسة كافة الموضوعات المرتبطة بالإعاقة والمعوقين.
2- دعم أنشطة وبرامج الجمعيات الأهلية العاملة في مجال رعاية وتربية ذوي الاحتياجات الخاصة بمختلف أشكال الدعم المالي والفني .
3- إنشاء نوادي اجتماعية ورياضية متخصصة توفر سياقا لممارسة ذوى الاحتياجات الخاصة وأسرهم كافة الأنشطة الرياضية والترفيهية.
4- إنشاء مراكز التدريب والتأهل المهني لإكساب ذوى الاحتياجات الخاصة المهارات التي تمكنهم من العمل المهني بمختلف صيغه لمساعدتهم علي الحياة المستقلة .
|
أطبع
المقال |
أرسل المقال لصديق
|
|
|