|
110525781 زائر
من 1 محرم 1425
هـ
|
|
|
>>
<< |
النمو والنضج النفسي |
الكاتب : د. محمد السعيد أبو حلاوة |
القراء :
6361 |
هل تنمو بالفعل أم تتراكم سنوات عمرك وتصبح مسنًا فقط؟ اختيار وترجمة د. محمد السعيد أبو حلاوة مدرس الصحة النفسية وعلم نفس الأطفال غير العاديين كلية التربية بدمنهور، جامعة الإسكندرية
أولاً مقدمة:- وجد أحد المعلمين نفسه فجأة بعد مرور عشرين سنة من قيامه بالتدريس مرشحًا لوظيفة مدير المدرسة التي يعمل بها فسأل نفسه ترى ما الميزة النسبية التي تؤهلني دون بقية زملائي لاعتلاء هذا المنصب؟ هل لمجرد أني أكبر منهم في السن؟ أم لوجود خصائص وصفات أخرى تميزني عن زملائي؟ آه لو كانت الأولي فقط يال خسارتي!!!! ليتني لم أولد لأشهد اليوم الذي يصبح فيه عدد سنوات عمر الإنسان هو المحك الوحيد لترقيته إنها ليست ترقية إنها مجرد إعلان لبداية النهاية؟ هكذا هو مجتمعنا يعلن دومًا بداية نهايته كل يوم. وعلي كل من يبشر بترقية في سلم التدرج الوظيفي أن يسأل نفسه هل أستطيع بالفعل الاضطلاع بمهام ومسئوليات المنصب الجديد؟ آه لو وجه كل إنسان بصدق إلي نفسه هذا السؤال واجتهد بأمانة للإجابة عنه لكان الحال علي عكس ما عليه مجتمعنا ولأُعلن كل يوم عن بداية ميلاد مجتمع إنساني متميز بالفعل. وبالعودة إلي حالة معلمنا الذي بدأنا بها المقال الحالي تنص سيرته الذاتية أن زميلاً آخر توجه إلي رئيس مجلس إدارة المدرسة وصاح في وجهه قائلا له كيف تفعل هذا بي؟ أنا أقوم بالتدريس في هذا المدرسة منذ خمس وعشرون سنة وبالتالي أنا أحق منه بهذا المنصب!!!!. فابتسم رئيس مجلس إدارة المدرسة ورد بلطف لا سيدي الفاضل أنت لم تدرس بالمدرسة لمدة خمس وعشرين سنة لقد قمت بالتدريس سنة واحدة فقط خمس وعشرين مرة!!! ما هذا الذكاء يا رئيس مجلس الإدارة لقد أوجزت وأصبت الحقيقية بصورة مباشرة ولكن من يتأمل؟ إذن هناك فرق وأي فرق بين العمر الزمني (عدد السنوات التي تحسب لعمر الإنسان) والنضج والكفاءة الشخصية والتي تتشكل في ضوء نوعية وكثافة الخبرات التي يتعرض، يتجاوب، يتفاعل معها الإنسان خلال عدد السنوات هذه. فهل يتسق أو يتطابق نضجك الشخصي مع عمرك الزمني؟ هل تصبح في كل سنة تمر بك في حياتك أكثر حكمة، أكثر نضجًا من السنة التي سبقتها؟ أم أنك تعيش فقط سنة واحدة لمرات متكررة؟ لكي تكتشف مدي نضجك ورقيك الشخصي عليك أن تضع في اعتبارك المقاييس التالية للعمر.
ثانياً المقاييس المختلفة للعمر 1. العمر الزمني:- . العمر الزمني هو عدد السنيين التي يعيشها الإنسان (عمره بعدد السنوات). 2. العمر الفسيولوجي:- يشير العمر الفسيولوجي إلي درجة نمو أعضاء الجسد اتساقًا مع أو تطابقًا مع العمر الزمني. 3. العمر العقلي:- وهو يشير إلى ما إذا كان ذكاء هذا الشخص أقل أو أكثر أو مساوي لعمره الزمني ( أي الذكاء بالنسبة للعمر الزمني ) . 4. العمر الاجتماعي : - وهو يقارن النمو الاجتماعي للشخص بعمره الزمني ، بمعنى: " هل هذا الشخص يتعامل مع الناس اجتماعياً كما يتوقع لمن هم في مثل عمره الزمني ؟ 5. العمر الانفعالي: وهو يقارن النضج الانفعالي للشخص بعمره العقلي وعمره الزمني، بمعنى : " هل هذا الشخص يتعامل مع مشاعره كما يفعل من هم في مثل عمره الزمني ؟ Jerome Murray(2002). Are you growing up, or just getting older وهذه الأنواع المختلفة من الأعمار لا تسير متوازية ومتساوية في أغلب الأحوال ، فنجد بعضها يسبق الآخر ، وكلما كانت المسافة كبيرة بينها كلما أدى ذلك إلى اضطراب التوافق فنجد مثلاً رجلاً قد بلغ الستين من العمر ولكن علاقاته الاجتماعية تشبه إلى حد كبير علاقات المراهقين ، كما أن نضجه الوجداني لا يتعدى نضج الأطفال . ولا توجد لنا أدني سيطرة علي عمرنا الزمني، وربما نملك سيطرة قليلة للغاية علي عمرنا العقلي وعمرنا الفسيولوجي؛ ومع ذلك نمتلك في الواقع القدرة علي اختيار عمرنا الاجتماعي وعمرنا الانفعالي. إذ يمكن علاج أشكال القصور أو التأخر في عمرنا الاجتماعي وعمرنا الانفعالي بالجهد الدؤوب ومن خلال تعلم المهارات الاجتماعية المناسبة وتنمية النضج الانفعالي لنصبح أشخاصًا ناضجين بالفعل. وقد يكون الشخص ناضج زمنيًا لكنه غير ناضج انفعاليًا وقد يكون الشخص علي مستوي مرتفع من النضج العقلي لكن ينقصه النضج الانفعالي. وبالتالي لا يوجد علاقة بين العمر الزمني، العمر العقلي، العمر الاجتماعي، أو العمر الانفعالي. ومجرد كبر الشخص في العمر لا يعني هكذا تلقائيًا وبالضرورة وصوله إلي النضج الانفعالي. واقتران العمر الزمني والنضج العقلي بعدم النضج الانفعالي أمرًا مثبتًا لدي الكثير من الأشخاص وهو ظاهرة مدمرة في واقع الأمر. فالشخص الذي بدنه وعقله راشد ولكن نموه الانفعالي لا يختلف عن مستوي نمو الطفل قد يرتكب حماقات سلوكيات مدمرة لحياته ولحياة الآخرة في نفس الوقت. وتتوقف العلاقات الاجتماعية الإيجابية المتبادلة لنا مع الآخرين علي مستوي نمونا الانفعالي أكثر من أي عامل آخر. وأفضل طريقة لتفهم علاقاتك الاجتماعية المتبادلة أن تفهم ذاتك أولاً. والمهمة الوحيدة الأكثر أهمية في الحقيقة لأي شخص يرغب في تحسين علاقاته الاجتماعية المتبادلة مع الآخرين هي أن يحسن تقدير الذات وأن يسعى بكل ما به من جهد إلي تنمية نضجه الانفعالي. ولكي تقرر مستوي نضجك الانفعالي قارن سلوكياتك بأعراض عدم النضج الانفعالي وبخصائص النضج الانفعالي التالية:- ثالثًا أعراض عدم النضج الانفعالي. (1) اضطراب الانفعالات والمشاعر: ويستدل عليه من الكثير من المؤشرات منها السلوك الاندفاعي، ثورات الغضب والتهيج الانفعالي العام، تدني وسيط تحمل الإحباط، الاستجابات السلوكية غير المتسقة مع المثيرات المنشطة، الحساسية المفرطة، عدم تقبل النقد، الغيرة غير المبررة، عدم القدرة علي التسامح، التغير الدائم غير المبرر في الحالة المزاجية.
(2) الاعتماد الزائد علي الآخرين: ينتقل النمو الاجتماعي السوي بمراحل معينة هي الاعتماد المطلق علي الآخر (أنا أحتاج إليك دائمًا) إلي الاستقلال (أنا لا أحتاج أي شخص) إلي الاعتماد المتبادل (كلانا يحتاج الآخر). ويشير الاعتماد المفرط علي الآخر إلي: (أ) الاعتماد غير المناسب عندما يعول الشخص علي الآخر بينما بإمكانه الاعتماد علي نفسه. (ب) الاعتماد الشديد لمدة طويلة ويتضمن ذلك سرعة التأثر بالآخرين، التردد والحذر الشديد والميل إلي الأحكام المتسرعة المبتسرة. ويخاف الأشخاص المعتمدون علي الآخرين من التغير ويفضلون المواقف المألوفة المعتادة وغالبًا ما ينقصهم التوافق الإيجابي مع التغير أو الأحداث الطارئة وهم بصفة عامة حذرين وكتومين وشديدي التحفظ.
(3) الرغبة في الإشباع الفوري المباشر: وتتضمن هذه الخاصية طلب والإلحاح في واقع الأمر علي الانتباه والإشباع الآني الفوري للاحتياجات والرغبات وعدم القدرة علي إرجاء تلبية هذه الرغبات أو تلك الاحتياجات بمعنى أنهم يريدون الحصول على ما يريدون من اهتمام وإشباع في اللحظة الحالية ، وليست لديهم القدرة على تأجيل إشباع بعض الرغبات سعياً لمستوى إشباع أفضل ، فهم يريدون كل شيء الآن وحالاً . وهؤلاء الأشخاص يتميزون بالسطحية وعدم القدرة على التفكير وهم مندفعون غالباً ، وولاءهم لا يستمر إلا بقدر ما يحققون من فائدة من العلاقة. وهم يهتمون بالأشياء الهامشية ، وقيمهم الأخلاقية سطحية وهشة ، كما أن حياتهم الاجتماعية والمالية تتسم بالعشوائية والاضطراب . (4) التمركز حول الذات : والعلامة الأهم للتمركز حول الذات هي الأنانية ، والأنانية تكون مصحوبة بانخفاض تقدير الذات ، فالشخص الأناني لا يعطي اعتباراً للآخرين وهو في نفس الوقت لا يعطي إلا اعتباراً ضئيلاً لنفسه . وهذا الشخص مشغول دائماً بأحاسيسه ومشاعره فقط ويطلب - بشكل زائد - الاهتمام والرعاية والتعاطف والإشباع من الآخرين . وهو لا يستطيع أن يرى نفسه بواقعية ، ولا يتحمل مسئولية أخطائه أو قصوره ، ولا يستطيع أن ينقد نفسه نقداً بناءاً ، وليست لديه الحساسية لأحاسيس الآخرين .
(5) عدم القدرة على التعلم من خبرات الحياة ( وجهة الضبط الخارجية ) : حيث أنه يرى أن ما يحدث له دائماً هو نتيجة الحظ أو الظروف أو أخطاء الآخرين ، لذلك لا يسعى إلى التغير للأفضل بل يظل يكرر أخطاءه مرة بعد مرة . وقد يصح القول بأن التمركز حول الذات محور عدم النضج الانفعالي فالأشخاص المتمركزون حول أنفسهم لا يرون أنفسهم بواقعية، لا يتحملون مسئولية أخطائهم الشخصية، لا يعترفون بأوجه قصورهم الشخصي، غير قادرون علي نقد أنفسهم بصورة بناءة، وغير حساسين لانفعالات ومشاعر الآخرين. والناضجون انفعاليًا فقط هم الأشخاص القادرون بالفعل علي التعاطف مع الآخرين والتعاطف مع الآخرين المطلب الرئيسي في واقع الأمر للنجاح في العلاقات الاجتماعية المتبادلة معهم.
رابعًا خصائص النضج الانفعالي. (1) القدرة علي أن يُحِبْ وأن يُحَبْ: إذ يعزز النضج الانفعالي إحساس المرء بالثقة والأمان. والشخص الناضج انفعاليًا يعبر بوضوح وصراحة عن مشاعر وانفعالات الحب والتواد للآخرين ويتقبل بسعادة وبشر تعبيرات الآخرين عن حبهم وتوادهم معه. أما الشخص غير الناضج انفعاليًا فعلي العكس من ذلك نجده ميالاً إلي التركيز علي النقائص وأوجه القصور ويعاني من صعوبات واضحة في التعبير عن أو تقبل مشاعر الحب والتواد مع الآخرين كأني به يبتني مقولة أن الآخر هو الجحيم. وقد يدفعه تمركزه حول ذاته وعشقه للذات الإلحاح في الحاجة إلي أن يظهر له الآخرون الحب والتقبل دون أن يبادلهم ذلك الحب والتقبل إذ يفشل مثل هذا الشخص عادة في إدراك احتياج الآخرين إلي الحب والتواد فهو كمن يأخذ علي طول الخط و لا يعطي ألبته.
(2) القدرة علي مواجهة الواقع والتعامل الإيجابي معه. فالأشخاص غير الناضجين انفعاليًا يتجنبون مواجهة الواقع ويهربون دائمًا من هذه المواجهة ويؤجلون علي الدوام حل مشكلات علاقاتهم الاجتماعية المتبادلة مع الآخرين. في حين نجد أن الأشخاص الناضجين انفعاليًا تواقون لمواجهة الواقع ويعرفون أن الحل الصحيح للمشكلة يتطلب التعامل الفوري معها. ويرتبط مستوي النضج الانفعالي للشخص بصورة عامة بدرجة مواجهته لمشكلاته أو تجنب هذه المشكلات فالأشخاص الناضجون يواجهون مشاكلهم ولا يألون جهدًا في التغلب عليها أما الأشخاص غير الناضجون يهربون من مواجهة مشاكلهم وربما يتكلون بصورة مطلقة علي الآخرين لحلها لهم. (3) الاهتمام بالعطاء بقدر الاهتمام بالأخذ وربما أكثر: فإحساس الشخص الناضج انفعاليًا بالأمن الشخصي يدفعه إلي احترام وتقدير مطالب ورغبات الآخرين ويدفعه إلي العطاء قدر الإمكان سواء من ماله، من وقته، أو من جهده كل ما يمكن أن يحسن جودة حياة من يحبهم. ويسمح الناضجون انفعاليًا للآخرين بالاستمتاع بلذة كون المرء في وضعية العطاء لذلك يتقبلون برضي واحترام وتقدير ما يقدمه الآخرون لهم وهنا إحداث نوع من التوازن في النضج فالعطاء دون مقابل علي طول الخط مثالية يتعذر الوصول إليها والأخذ دون عطاء علي طول الخط خطأ أخلاقي قد لا يتحمل المرء تداعياته وبالتالي فالأخذ والعطاء المتوازن هو تجسيد للنضج الانفعالي في أعلي مستوياته.
(4) القدرة علي الارتباط والانفتاح الإيجابي علي خبرات الحياة المختلفة: إذ ينظر الشخص الناضج إلي خبرات الحياة باعتبارها فرصًا للتعلم ، وعندما تكون هذه الخبرات إيجابية يستمتع بها ويعمل علي استمرارها وإعادة تخليقها أو إنتاجها، بينما عندما تكون بعض منها سلبي وهذا أمرُ وارد لا محالة يتقبلها بمسئولية شخصية ويثق في قدرته علي التعلم منها كل ما يفضي إلي تحسين حياته فالخبرات السلبية فرص رائعة للتعلم مثلها مثل خبرات الفشل فعندما لا تسير الأمور علي ما يرام يتلمس الشخص الناضج انفعاليًا فرصًا للنجاح بل يسعى لخلق أو إنتاج مثل هذه الفرص. أما الشخص غير الناضج انفعاليًا تراه دائمًا يلعن الظروف ولا يري في الحياة إلا المنغصات ومصادر الكدر والضيق الانفعالي.
(5) القدرة علي التعلم من الخبرة: تفضي القدرة علي مواجهة الواقع والارتباط الإيجابي بخبرات الحياة إلي القدرة علي التعلم من الخبرة. فالأشخاص غير الناضجون لا يتعلمون من الخبرة سواء كانت هذه الخبرة إيجابية أم سلبية إذ تراهم يتصرفون كما لو كانت لا توجد أدني علاقة بين ما يصدر عنه من سلوكيات والتداعيات التي تترتب علي ذلك. فهم ينظرون إلي الخبرات الجيدة والخبرات السلبية كما لو كانت نتيجة للحظ والصدفة فقط أو القدر وبالتالي لا يتقبلون المسئولية الشخصية. أما الشخص الناضج فلديه القدرة على تحمل مسئولية الأخطاء ، والقدرة على النقد الذاتي والتغير للأفضل حتى لا تتكرر نفس الأخطاء السابقة ، فالشخص الناضج لا يلقي اللوم على الحظ أو الظروف أو الآخرين بل يراجع نفسه ويتعلم من أخطائه وخبراته . (6) القدرة علي تقبل وتحمل الإحباط: فعندما يواجه الشخص الناضج إحباطاً فإنه لا يتجمد في مكانه ولا تتوقف أنفاسه ولا يسب القدر أو الدهر ( كما يفعل غير الناضجين ) وإنما يحاول التعامل بطرق أخرى مع المشكلة ويجرب حلولاً جديدة ومبتكرة ويتحرك في اتجاهات شتى حتى يتغلب على المصاعب التي واجهته .
(7) القدرة على التعامل الإيجابي مع مشاعر العدوان : عندما يتعرض الشخص الناضج لإحباط فهو لا يبحث عن شخص آخر يلقي عليه اللوم ( كما يفعل غير الناضج ) ، وإنما يجتهد فوراً في البحث عن حل للمشكلة التي أحبط بسببها ، فغير الناضجين يهاجمون الناس بينما الناضجون يهاجمون المشكلات .
(8) التحرر النسبي من أعراض التوتر : فالشخص الناضج وجدانياً يتمتع بحالة سلام داخلي ولديه إحساس بالأمن وإحساس بالقدرة على الحصول على ما يريده من الحياة ، على عكس غير الناضج الذي تمتلئ نفسه بمشاعر القلق والرفض والتشاؤم والغضب والغيرة والإحباط .
9- القدرة على حل الصراعات : فالحياة لا تخلو من صراعات بين البشر ، والإنسان الناضج يعترف بهذه الحقيقة ، ويمتلك آليات كثيرة لحل الصراعات بشكل آمن دون مواجهات مدمرة لنفسه أو للآخر .
10 - قبول الاختلاف والبعد عن التعصب : فالاختلاف من السنن الكونية في هذه الحياة ، وبالتالي علينا أن نتعامل معه ونستفيد منه في إثراء الحياة من خلال التواصل الجيد والتعايش السلمي البناء مع الآخر المختلف
11- التوازن : لا تجد في الشخص الناضج نتوءات أو تشوهات نفسية أو خلقية ، بل هو متوازن في كل شيء ، والتوازن هو من أهم سمات النضج الوجداني والصحة النفسية ، وهو الوسط العدل البعيد عن الإفراط والتفريط.
(12) الدافعية للإنجاز : والدافعية هنا ذاتية وداخلية ، فالشخص الناضج يعرف ما يجب عليه فعله ، وهو مدفوع داخلياً لتحقيق أهدافه المشروعة ، ولا يحتاج لدفع خارجي بل يكفيه دوافعه الداخلية ليبقى منتجاً طول الوقت .
(13) الإبداع : وثمرة الإحساس بالأمان والإحساس بالحب والتوافق النفسي والاجتماعي أن يتوجه الناضج وجدانياً نحو الإبداع ، فهو لديه رؤية إيجابية للحياة تجعله ينصت لأسرارها وبدائعها ويكتشف العلاقات بين الأشياء المتباعدة ، وبذلك يصبح مبدعاً ومطوراً لنفسه ولمجتمعه ولحياته . وهذا الإبداع يجعل الشخص الناضج متجدداً وطازجاً طول الوقت ويعطيه مذاقاً خاصاً وبريقاً مشعاً وتوهجاً دائماً .
(14) القدرة على العمل الجماعي : وبما أن الشخص الناضج يقبل الاختلاف والتعدد ، ولديه مشاعر حب للآخرين ويريد أن يبدع ويضيف في هذه الحياة ، لذلك نتوقع منه أن ينجح في العمل كفريق ، تلك الملكة الاجتماعية التي لا يمكن الاستغناء عنها لتحقيق الإنجازات الكبيرة .
(15) التوافق والانسجام مع النفس ومع الناس ومع الله : وثمرة كل ما سبق من علامات وخصائص النضج هو حالة من السلام الشامل والتوافق مع النفس ومع الناس ومع الله إذا كان ما سبق يمثل أعراض عدم النضج الانفعالي وخصائص النضج الانفعالي فما هو المقصود إذن بالنضج الانفعالي؟ وما هي أبعاده أو مكوناته؟ خامسًا تعريف النضج الانفعالي وأبعاده:- تعرف سوزان دنهام 1998 النضج الانفعالي بأنه " القدرة علي التعبير عن، فهم، ضبط وتنظيم الانفعالات والمشاعر" وتؤكد علي أن النضج الانفعالي عنصرًا أساسيًا بالنسبة للأداء السلوكي النفسي الوظيفي للطفل ولتمكينه في نفس الوقت من إقامة والاستمرار في التفاعلات الاجتماعية الإيجابية السوية المتبادلة مع الآخرين. وتشير دنهام إلي أن مصطلح النضج الانفعالي يعطي تقريبًا نفس معني مصطلح الكفاءة الانفعالية. ولكن يتضمن مصطلح النضج الانفعالي فكرة التغييرات النمائية التي تعتري مكوناته الأساسية (الحساسية، الضبط، التعبير الانفعالي) عبر مختلف المراحل النمائية في إطار مجمل المتغيرات الشخصية والبيئية الاجتماعية التي تشكله في حين يشير مصطلح الكفاءة الانفعالية إلي الدلالات السلوكية للنضج الانفعالي مضافًا إليها فكرة التقييم الاجتماعي والذاتي علي اعتبار أن الكفاءة الانفعالية ترتبط بتحقيق الأهداف الشخصية في سياق العلاقات الاجتماعية المتبادلة مع الآخرين بطرق إيجابية يترتب عليها تلقي الطفل تعزيزات اجتماعية إيجابية وتفادي التعزيزات الاجتماعية السلبية من الآخرين(Denham,1998,PP.2-3) .
وتشير إيديل ياربو 2005 إلي الزخم الهائل في الكتب والإصدارات العلمية التي تسمي بكتب مساعدة الذات التي تخبرنا بضرورة الاقتراب من والتعايش مع انفعالاتنا ومشاعرنا وتطرح سؤال أساسيًا هو لماذا؟ وتجيب ببساطة لأن انفعالاتنا ومشاعرنا تمكننا من إدارة حياتنا. وانفعالاتنا ومشاعرنا أقوي المتغيرات التي تحدد كيف نتصرف، كيف نصنع ونتخذ القرارات، كيف نضع حدودًا شخصية، وكيف نتواصل مع الآخرين. وبالتالي من الممكن أن نقول أن تفهمنا وضبطنا وتنظيمنا لانفعالاتنا ومشاعرنا تمكننا من تحسين جودة حياتنا الشخصية والاجتماعية. وقد حظي النمو الانفعالي للأطفال باهتمامات متزايدة في واقع الأمر منذ فترة طويلة ولكن اتخذت هذه الاهتمامات مسارات جديدة بعد أن صك بيتر سالوفي من جامعة ييل وجون ماير من جامعة نيوهامبشير مصطلح الذكاء الانفعالي ليصفا به مواصفات الأشخاص الأذكياء انفعاليًا مثل: تفهم المرء لانفعالاته الشخصية، تعاطفه مع انفعالات ومشاعر الآخرين، وإدارة المرء لانفعالاته ومشاعره الشخصية. بالإضافة إلي التدريج الكمي لما اصطلحا علي تسميته بمعامل الذكاء الانفعالي علي مقاييس فنية سيكومترية مقننة افترض أن معامل الذكاء الانفعالي أفضل طريقة للتنبؤ بفرص المرء للنجاح في الحياة. فكلما زاد معامل الذكاء الانفعالي كلما زادت قدرة المرء علي إدارة مشاعره وانفعالاته وكلما تمكن من التفاعل الاجتماعي الإيجابي مع الآخرين وبالتالي تزداد فرص نجاحه في حياته الشخصية والاجتماعية. وتواصل إيديل ياربو القول بأن معامل الذكاء الانفعالي ما هو إلا دالة للنضج الانفعالي للمرء علي اعتبار أن للنضج الانفعالي متعلقات معرفية واجتماعية تتخلق عبر مختلف المراحل الارتقائية، كما أن الذكاء الانفعالي ما هو إلا الدلالات السلوكية للنضج الانفعالي. وفيما يتعلق بأبعاد النضج الانفعالي تشير إيديل ياربو إلي أن النضج الانفعالي يتكون من الأبعاد التالية (Jarboe,2005,PP.34-35): (1) الوعي الانفعالي Emotional Awareness: ويرتبط الوعي الانفعالي بالوعي بالذات ويعني الأخير إدراك المرء للانفعالات التي يشعر بها مع معرفة الأسباب التي أدت إليها.ويتضمن الوعي بالذات أيضًا: الأمانة مع الذات؛ معرفة المضامين السلبية والمضامين الإيجابية لما يشعر به المرء والاستجابة السوية لكلا النوعين في إطار الثقة بالجدارة والأهلية والقدرات الشخصية. وبالتالي فالوعي الانفعالي هو القدرة علي رؤية وتفهم الارتباط بين ما يشعر به المرء والطريقة التي يتصرف بها تجاوبًا مع هذه الانفعالات والمشاعر. أكثر من ذلك يسمح الوعي الانفعالي للمرء بالتحدث عن نفسه والإفصاح عن نفسه للآخرين بسبب الارتياح أثناء التواصل أو التعبير الانفعالي.
(2) الحساسية الانفعالية Emotional Sensitivity . يشير التعاطف إلي القدرة علي التفهم والتجاوب الإنساني مع انفعالات ومشاعر الآخرين في سياق احترام وتقدير وجهات نظرهم الشخصية. ومن مواصفات الأشخاص ذوي المستوي المرتفع من النضج الانفعالي الحساسية الانفعالية لانفعالات ومشاعر الآخرين فهم قادرون علي الانتباه إلي العلامات أو الهاديات غير اللفظية وقادرون علي الإنصات الفعال للآخرين بما يمكنهم بطبيعة الحال من التواصل الفعال مع الآخرين. فهم يحترمون مشاعر الآخرين ولا يسفهونها مهما كانت. كما أن لدي الأشخاص ذوي المستوي المرتفع من الحساسية ضمير اجتماعي social Conscience حي أو يقظ. فعند سعيهم لتحقيق أهدافهم الشخصية لا يهتمون فقط بالنتائج الشخصية أو الذاتية لهذه الأهداف بل يراعون ويهتمون كذلك بتداعيات أو تأثيرات أهدافهم وأفعالهم علي الآخرين. وبالتالي تمكنهم الحساسية الانفعالية من التصرف والتفاعل في سياق كل من التوجيه الذاتي والتوجيه الاجتماعي.
(3) إدارة الانفعالات والمشاعر Emotion Management. وتتمثل في القدرة علي تحمل المسئولية عن التصرفات المرتبطة بالانفعالات والمشاعر والتعامل الإيجابي مع الانفعالات والمشاعر والسعادة الشخصية. والأشخاص ذوي المستوي المرتفع من معامل الذكاء الانفعالي لا يضعون فقط أهدافًا واقعية لأنفسهم ولكنهم قادرون في نفس الوقت علي إحداث نوعًا من التوازن بين الانفعال والعقل عند اتخاذ القرارات. وباختصار هم قادرون علي ممارسة ما يعرف بضبط الذات. ويشير العلماء إلي أننا مفطورون علي الإحساس بالانفعالات والمشاعر قبل أن نفكر. ومن ناحية ثانية عندما يدرك المرء ما يشعر به تزداد لديه احتمالات التعامل الناجح مع مشاعره وانفعالاته. إذ أن القدرة علي الوقوف علي واكتشاف ما تشعر به يسمح لك أولاً بممارسة ضبط الذات وثانيًا توظيف مهارات المواجهة أو التوافق وثالثًا الاسترخاء والهدوء النفسي وقت الأزمات والضغوط. ويعد التفاؤل استراتيجية أساسية لإدارة الانفعالات والمشاعر والتفاؤل هو القدرة علي النظر إلي المضامين الإيجابية لخبرات التفاعل الشخصي والاجتماعي حتى وإن كانت هذه الخبرات ذات طبيعة سلبية. بمعني آخر فإن معرفة كيفية التعامل البناء مع الغضب، الرفض، والفشل ما هو إلا بمثابة إدارة مثلي للانفعالات. كما أن من أهم مكونات إدارة الانفعالات والمشاعر الإصرار والمثابرة في مسار تحقيق الأهداف برغم الصعوبات والتحديات مع توافر قدرًا من المرونة الشخصية التي قد تمكن المرء من تغيير المسار والإجراءات ومن هنا تأتي زيادة احتمالات نجاح الأشخاص ذوي المستوي المرتفع من القدرة علي إدارة الانفعالات والمشاعر.
سادسًا كيف يمكنك تحسين نضجك الانفعالي:- باختصار، الأشخاص الناضجون انفعاليًا قادرون علي معرفة ما يشعرون به وما يشعر به الآخرون من انفعالات والتصرف الأخلاقي بناء علي ذلك بضمير اجتماعي حي. بمعني آخر قد يكون للكتب المتميزة والناس المتميزون قيمة متساوية ولكن النضج الانفعالي يجعل من الإنسان إنسانًا بكل ما في الكلمة من معني . فالأشخاص الناضجون انفعاليًا قادرون :علي إحداث نوعًا من التوازن بين الانفعال والعقل؛ توجيه وتحفيز وجعل الآخرين يشعرون بحسن الحال في نفس وقت الحفاظ علي الكرامة والجدارة الشخصية نتيجة الثقة في الذات المبنية علي الأمانة مع الذات والمعرفة بالذات. فهؤلاء الأشخاص يعرفون أن سعادتهم الشخصية أمرًا خاصًا بهم وربما ليس من الضروري أن يكون موضوعًا يهم الآخرين وبالتالي قبل أن يسقط مثل هؤلاء الأشخاص أوصافًا أو مسميات علي الآخرين بناء علي أفعالهم أو تصرفاتهم فإنهم يتحققون أو يختبرون أولاً انفعالاتهم ومشاعره الشخصية. إذ يقتنع الأشخاص الناضجون انفعاليًا بأن الحياة ليست حكرًا أو وقفًا عليهم فهناك دائمًا آخرون يشاركونهم هذه الحياة ومن هنا تكمن فكرة التوازن والتوفيق الحياتي علي المستوي الشخصي والاجتماعي وبالتالي الارتباط الوثيق بين النضج الانفعالي والكفاءة الاجتماعية. ويمكن تلخيص أهم محددات تحسين النضج الانفعالي في الإرشادات التالية:
(1) افهم/تفهم ذاتك، وتقبل ذاتك. اسعي بكل أمانة إلي معرفة ردود أفعال الآخرين تجاه تصرفاتك ثم كن موضوعيًا وانظر إلي نفسك كما يراك الآخرون وتجنب حيل الدفاع عن الذات فاللجوء إلي مثل هذه الحيل لا يفضي إلي تحقيق ذاتك واعلم أنك قادر علي الفعل علي تغيير ذاتك إلي الأفضل. فقط واجه الواقع، لا تهرب منه، وتعامل معه بصورة إيجابية. (2) مارس سلوك الإيثار وتجنب الأنانية وحب الذات. فقط جرب ماذا ستخسر ولاحظ كيف ستشعر؟ وما ردود أفعال الآخرين تجاهك؟ لا شك أن من يؤثر الآخر علي نفسه يشعر بالرضي عن الذات ويحتل مكانة اجتماعية متميزة. وقارن الفرق بين ردود أفعال الآخرين تجاه سلوك الأشخاص الأنانيين المحبين لذاتهم وردود أفعالهم تجاه سلوك الأشخاص المحبين للآخرين المؤثرين إياهم علي أنفسهم ستجد نفسك بالتأكيد ميالاً إلي تفضيل الصنف الثاني من البشر. وربما يصح القول بأن التوجه للعطاء في حقيقة الأمر أسمي مراتب حب الذات لماذا؟ لأن الفوائد الشخصية التي تعود علي الشخص في هذه الحالة كثيرة جدًا. (3) لا تحاول السيطرة علي الآخرين. فبدلاً من السيطرة والتحكم في الآخرين حاول أن تتعاون معهم ، وعندما يكون هناك صراع أو خلاف مع طرف آخر فحاول أن تصل إلى حل يكون الطرفان فيه رابحين ، ولا تحرص على أن تكون أنت الرابح الوحيد دائماً . (4) كن مستعداً لتغيير صلاتك الاجتماعية : تجنب الناس والمواقف التي تخرج أسوأ ما فيك ، واحرص على أن تعرض نفسك للناس وللمواقف التي تخرج أحسن ما فيك . (5) ابحث عن معنى للحياة يتجاوز حدود ذاتك : ذلك المعنى الذي يعطيك منظوراً تلسكوبياً واسعاً للحياة ، وليس ذلك المعنى المحدود الضيق الذي لا يتجاوز حدود اهتمامك الذاتي . وإذا كان لديك هذا المعنى الكبير الممتد للحياة فإنك ستعمل للخلود وبالتالي ستكون أهدافك عظيمة ومحفزة لقدراتك لكي تنمو بشكل مضطرد . وعلامة نجاحك في الوصول إلى هذا المعنى هي شعور ثري وممتلئ بالحياة ، ليس حياتك فقط بل أيضاً حياة الآخرين ، وعمارة الكون ، ذلك الشعور الجميل لا يحس به إلا من وصلوا إلى النضج الوجداني سعياً لوجه الله الذي امتدح صفات النضج الوجداني في رسوله صلى الله عليه وسلم قائلاً : " فبما رحمة من الله لنت لهم ، ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك ، فاعف عنهم واستغفر لهم ، وشاورهم في الأمر ، فإذا عزمت فتوكل على الله " . (6) تحمل مسئولية انفعالاتك وسعادتك الشخصية. (7) اختبر وتحقق من انفعالاتك بدلاً من التوجه المباشر للحكم علي أفعال ودوافع الآخرين. (8) اكتسب مهارات التوافق أو المواجهة أو التعامل الإيجابي مع مختلف الحالات المزاجية. تعلم الاسترخاء والهدوء النفسي والبدني عندما تجتاحك الانفعالات السلبية أو الإيجابية الشديدة. (9) تعلم لعبة كيف تكون صيادًا ماهرًا وانظر دائمًا إلي الأبعاد أو الجوانب المرحة المبهجة أو العظة أو الدرس الذي يمكن أخذه من المواقف السلبية. تلمس واسعي إلي توقع الإيجابي ورؤية الإيجابي في كل مواقف التفاعل الاجتماعي. (10)كن أمينًا مع نفسك. اعترف بمشاعرك السلبية، ابحث عن مصادرها، واسعي بفاعلية لحل المشكلة الكامنة ورائها. (11)كن محترمًا عن طريق أولاً تقدير واحترام مشاعر وانفعالات الآخرين. (12)تجنب الأشخاص الذين لا يحترمون مشاعر وانفعالاتك واحذر الاصطدام بهم. (13)استمع ضعف ما تتحدث. (14)انتبه إلي التواصل غير اللفظي. فنحن نتواصل بكامل تكوينا البدني والنفسي. راقب الوجه، أنصت إلي نبرة الصوت، ولاحظ لغة الجسد. (15)كن علي قناعة بان تحسين نضجك الانفعالي يحتاج إلي ممارسة، وقت، وصبر. |
أطبع
المقال |
أرسل المقال لصديق
|
|
|