|
110525885 زائر
من 1 محرم 1425
هـ
|
|
|
>>
<< |
البرامج التربوية الفردية والتدريس الجماعي |
الكاتب : أ.د. عبدالله بن محمد الوابلي |
القراء :
8323 |
البرامج التربوية الفردية والتدريس الجماعي أ.د. عبدالله بن محمد الوابلي أستاذ التربية الخاصة كلية التربية - جامعة الملك سعود
مقدمة إن الشخص المتمعن في هذه الورقة "البرامج التربوية الفردية والتدريس الجماعي" قد يجد أمامه أكثر من أسلوب تعليمي في آن واحد مما يتبادر إلى ذهنه العديد من التساؤلات المحيّرة التي تدور في معظمها حول ماهية كل أسلوب وطبيعة الخصائص التي يتمتع بها كل أسلوب بالإضافة إلى كيفية الجمع بينهما. وقد يكون مصدر هذه الحيرة لدى القارئ أو السامع يكمن في الدلالة اللفظية لمصطلحي فردي وجماعي اللذين يعبران عن وجود تضاد وظيفي بينهما. هذه الحيرة التي مكمنها ذلك التضاد تدفعنا إلى طرح التساؤل الرئيس لتلك الورقة "ما مدى إمكانية الجمع بين البرامج التربوية الفردية وأساليب التدريس الجماعي؟".
إن الإجابة الدقيقة عن ذلك التساؤل يدعونا إلى طرح التساؤلات المساندة الآتية: -ما التربية الخاصة والتربية العامة؟ -ماذا نعني بالبرامج التربوية الخاصة والبرامج التربوية العامة؟ -ما خصائص الأساليب والاستراتيجيات التعليمية والتدريسية الفردية والجماعية؟ -ما الفرق بين تفريد التعليم ومراعاة الفروق الفردية؟ -هل جميع التلاميذ في مجال التربية الخاصة معوقين ومتفوقين بحاجة إلى أسلوبي التعليم الفردي والجماعي معاً؟ ما التربية الخاصة والتربية العامة؟ تعتبر التربية الخاصة منظومة من البرامج والمواد والاستراتيجيات الخاصة التي تعمل في مجملها على الارتقاء بقدرات التلاميذ في مجال التربية الخاصة وعلى مواجهة احتياجاتهم المتباينة وغير المتجانسة، وهذا بدوره يجعل من التلميذ المعوق في نهاية المطاف فرداً مقبولاً وصالحاً اجتماعياً، ومن التلميذ المتفوق فرداً قادراً بإبداعاته وابتكاراته على دعم التنمية الوطنية في صورها المختلفة. ولكي نحقق تلك الغاية، علينا اتباع الأساليب والاستراتيجيات التربوية الحديثة والمناسبة. لقد أكدت الكثير من التوجهات النظرية والفلسفية على مسألة تفريد التعليم كأسلوب تعليمي وتدريسي يناسب ويلبي الاحتياجات التربوية المتباينة لدى الكثير من التلاميذ في مجال التربية الخاصة. من جهة أخرى، نجد أن التربية العامة أو ما يقدم من تعليم في مدارس التعليم العام هو عبارة عن منظومة من البرامج والمواد والاستراتيجيات المعدة سلفاً لمواجهة احتياجات أطفال وتلاميذ يتماثلون تقريباً في خصائصهم المعرفية والوجدانية والبدنية علاوة على تماثلهم في الأعمار الزمنية. وعلى هذا الأساس، أكدت النظريات التربوية والتعليمية بهذا الخصوص على مسألة تجميع التعليم أو القيام بالعملية التعليمية بصورة جماعية كأسلوب تعليمي وتدريسي يناسب خصائص التلاميذ العاديين. إذاً هذا الاختلاف في مضمون وجوهر التعريفين يقودنا لطرح السؤال الثاني:
ماذا نعني بالبرامج التربوية الخاصة والبرامج التربوية العامة؟ تعبّر البرامج التعليمية الفردية والجماعية عن خطط ومناهج تعليمية مختلفة سواء في بُنى محتواها أو آليات تنفيذها، إلا أن الغايات التربوية لهما واحدة وهي الارتقاء بقدرات الفرد موضع العملية التعليمية إلى الحد الأدنى من القبول الاجتماعي أو ما يسمى بالمواطنة الصالحة. وهكذا، فإن البرامج التربوية الخاصة في منظومتها المتكاملة تبنى على مبدأ تفريد الإجراءات والعمليات المؤدية إلى تكوين البرامج التربوية الفردية، وبالتالي تؤلف تلك البرامج في مجملها الكثير من الفعاليات والأنشطة المعرفية والمهارية التي تغطي مدى واسع من المجالات الحيوية التي قد يحتاجها التلميذ المعوق أو المتفوق موضع العملية التعليمية الفردية، ولكن في إطار التصاميم التعليمية الفردية. من جهة أخرى، تبنى البرامج التربوية العامة في منظومتها المتكاملة على مبدأ فرضية تماثل القدرات والاحتياجات وفق مراحل عمرية معينة (أعمار زمنية تقريباً واحدة)، لذلك يتم تصميم محتوى المادة أو البرنامج المقدم للتلاميذ العاديين في إطار خصائصهم النمائية المتنوعة (معرفي، ووجداني واجتماعي وبدني) التي تمثل احتياجات مرحلة عمرية معينة. في ظل ذلك الاختلاف الجوهري بين التوجهين على مستوى طبيعة البرامج وأسس بنائها، فإن هذا الأمر يدفعنا لطرح السؤال الثالث:
ما خصائص الأساليب والاستراتيجيات التدريسية الفردية والجماعية؟ في ظل السؤال القائم والمستمر "كيف ندرّس؟، نجد أن العملية التعليمية في البرامج التربوية الفردية الخاصة تنهج عادة أسلوباً تدريسياً وتدريبياً فردياً يختلف في استراتيجياته باختلاف الأهداف التعليمية والسلوكية لواقع وطبيعة احتياجات كل تلميذ معوق أو متفوق على حده. وهذه الخاصية لأسلوب التعليم والتدريس الفردي تفرضها الاعتبارات التالية: - إن بنى وتركيبة البرامج التربوية الخاصة تنحى منحى التوجه الفردي بل الشخصي مما يتطلب أن تعرض تلك البنى وما تحتويه على التلميذ بأساليب تعليمية مناسبة لتلك التركيبة كأسلوب التعليم الفردي الذي بدوره يحدد طرائق التدريس الفردية المناسبة. - إن طبيعة الخصائص للتلميذ المعوق وما يترتب عليها من جوانب قوة وضعف تتمثل في احتياجات تختلف في نوعيتها ومستواها من تلميذ معوق إلى آخر في الفئة الواحدة (كالتخلف العقلي). - إن طبيعة ومستوى الميول والرغبات والاتجاهات التي يظهرها كل تلميذ متفوق تستوجب وجود مساحة من الحرية تساعده لبلوغ ما يسعى إليه من خلال الأساليب التعليمية الفردية وتعينه على التخلص من قيود التعليم الجماعي. يواجه كل من معلم التربية الخاصة ومعلم التعليم العام الكثير من المشكلات المتنوعة التي يظهرها تلاميذ التربية الخاصة مما يستدعي الأمر أن يتعامل كل معلم مباشرة وعن قرب مع كل تلميذ على حدة مما يساعده على تفهم ميوله ومزاجه وتفاصيل شخصيته وتقديم الحلول المناسبة المطلوبة. في المقابل كيف لنا أن ندرّس البرامج التربوية العامة؟ إن عملية تعليم المناهج الدراسية العامة يُتبع فيها عادة أسلوباً تدريسياً جماعياً يختلف في طرائقه التدريسية باختلاف الأهداف التعليمية والسلوكية لواقع وطبيعة المرحلة العمرية التي يمر بها التلاميذ العاديون. وهذه الخاصية التي تتمتع بها أساليب التعليم الجماعي تفرضها الاعتبارات التالية: - إن تركيبة ومحتوى البرامج التربوية العامة قد تم تصميمها على مبدأ توافق القدرات والاحتياجات حسب كل مرحلة عمرية لدى جميع التلاميذ العاديين وبالتالي يمكن أن يتم تلقي هذا المحتوى التعليمي بأساليب تعليمية جماعية كأساليب المناقشة، والمحاضرات، والتلقين الجماعي أو حل المشكلات بالطريقة الجماعية. - إن خصائص المراحل العمرية المختلفة لدى جميع التلاميذ العاديين تتطلب أيضاً إطاراً واحداً من الاحتياجات المعرفية والاجتماعية واللغوية والمهارية علاوة على الاحتياجات الوجدانية، وهذا الإطار الجماعي يتطلب في مقابل أساليب تدريس جماعية. - إن الرغبات والميول لدى التلاميذ العاديين لا تصل في تباينها أو عدم تجانسها إلى ذلك المستوى الذي يمكن أن يكون عليه التلاميذ المتفوقين والموهوبين مما يمكن مراعاة تلك الفروق، ولكن التعامل معها لا يصل إلى مستوى التفريد وهذا الأمر يقودنا إلى طرح السؤال الرابع: ما الفرق بين تفريد التعليم ومراعاة الفروق الفردية؟ قد يظن البعض أنه لا فرق بين مصطلحي تفريد التعليم ومراعاة الفروق الفردية، ولكنني أرى ومن منظوري الشخصي المستند على المنطق العلمي، إن الفرق بينهما يكون في الإجراء والمضمون وذلك للعوامل التالية: - إن عملية التفريد كإجراء تشمل عمليات التقييم والقياس الموجهة بقصد الكشف عن نوعية الاحتياجات ومستواها وذلك باتباع إجراءات فردية مناسبة للفرد موضع تلك العمليات، في حين تعنى عملية التفريد كمضمون تحديد الاحتياجات الأساسية الفريدة التي فرضتها طبيعة القدرة لدى الفرد سواء كان فرداً معوقاً أو متفوقاً. - إن عملية مراعاة الفروق الفردية لا تتطلب الإجراءات الفردية السابقة، لأن الاحتياجات المطلوبة لدى التلاميذ تحددها مرجعية عامة هي طبيعة المرحلة العمرية وخصائصها، وقد يكون هناك فروقاً في الرغبات والميول ولكن لا ترقى إلى درجة الفردية الفريدة أو الخاصة التي يترتب عليها وجود برامج فردية خاصة. - إن استخدام مراعاة الفروق الفردية كإجراء بين التلاميذ العاديين لا يُلزم بإعداد البرامج التربوية الفردية لهم، ولكن تراعى تلك الفروق في الميول والرغبات بطريقتين: أ ) الطريقة الجماعية: قد يكون لدى مجموعة من التلاميذ العاديين نفس الرغبات والميول وبالتالي لا يحتاجون إلى تفريد العملية التعليمية، بل تبقى العملية في إطار الأسلوب التعليمي الجماعي ولكن بأعداد قليلة جداً مثل أسلوب التعلم التعاوني. ب) الطريقة الفردية: إن مسألة مراعاة الفروق الفردية من خلال هذه الطريقة أيضاً لا يستوجب وجود برامج تربوية فردية خاصة، ولكن يتم توجيه التلميذ إلى رغباته وميوله وفق أسلوب التعلم الذاتي.
وأخيراً، بصرف النظر عن تلك المفارقات بين مفهومي التفريد ومراعاة الفروق الفردية، نجد أن تلبية الاحتياجات الأساسية والمطلوبة للتلاميذ في مجال التربية الخاصة تتم عبر أساليب تعلمية مختلفة، وهذا يدعونا إلى طرح التساؤل المساند الأخير: هل جميع التلاميذ في مجال التربية الخاصة معوقين ومتفوقين بحاجة إلى أسلوبي التعليم الفردي والجماعي معاً؟ إن أساليب التعلم الفردي والجماعي يقصد بها تلك الاستراتيجيات المتبعة لإحداث عملية تغيير شبه دائمة في سلوك المتعلم سواء تم بطريقة فردية أو جماعية. وعلى هذا الأساس، نجد أن معظم تلاميذ التربية الخاصة (التفوق والموهبة، والتخلف العقلي، والتوحد، والاضطرابات السلوكية، والإعاقات الشديدة، والإعاقات المتعددة بالإضافة إلى المتلازمات) يتلقون احتياجاتهم التعلمية والتدريبية وفق البرمجة التربوية الفردية وبأساليب تعليمية أو تدريسية فردية، في حين أن البعض منهم يتلقون احتياجاتهم الأكاديمية وغير الأكاديمية وفق البرمجة التربوية العامة (الإعاقات البصرية، والسمعية والإعاقات الصحية والبدنية) وبأساليب تدريسية جماعية، بينما البعض الآخر قد لا يستغني عن البرمجة التربوية الخاصة والبرمجة العامة( صعوبات التعلم واضطرابات التواصل) وبأساليب تدريبية مختلفة حسب البرنامج المتبع (انظر الشكل رقم 1). ويتضح مما سبق أنه يمكن استخدام الأسلوبين وفقاً للاحتياجات والإمكانات المختلفة التي يظهرها تلاميذ التربية الخاصة على أن تراعى العوامل التالية: - طبيعة البرنامج التربوي وعلاقته بالبيئة المكانية المناسبة لتنفيذه. - طبيعة القدرات والاحتياجات معاً ونوعية البرنامج التربوي الملائم. - طبيعة القدرات والاحتياجات معاً ونوعية المكان التعليمي المطلوب فيه تقديم الخدمة. تلك الأمور الثلاثة بدورها تحدد طبيعة أساليب التدريس التي ينبغي استخدامها مع كل برنامج تربوي كما يظهر في الشكل رقم (2).
في ظل نتائج الإجابة على التساؤلات المساندة السابقة، نعيد طرح التساؤل الرئيس لهذه الورقة مرة أخرى على النحو التالي: "ما مدى إمكانية الجمع بين البرامج التربوية الفردية وأساليب التدريس الجماعي؟" إن المفارقات الواضحة في محتوى كل برنامج وآليات تنفيذه أو تدريسه ما هو إلا دليل علمي على أنه لا يمكن الجمع بين أسلوبين متضادين في الأسس والاستراتيجيات وذلك للأسباب التالية: - إن الأصل في فكرة أساليب التدريس الجماعي قامت أساساً على التجانس في الإمكانيات والأداء والتشابه في الاحتياجات لدى التلاميذ موضع هذا التوجه، هذا الأمر يتعارض تماماً مع مضمون وجوهر البرامج التربوية الفردية الخاصة. - إن البرامج التربوية أيّ كانت خاصة أو عامة ينبغي أن تنفّذ أو تدرّس بأساليب تدريسية لا تتعارض مع أسس كل برنامج واستراتيجياته كالبرامج التربوية الخاصة والمتمثلة في الخطط التعليمية الفردية التي تعمل على مواجهة احتياجات أطفال وتلاميذ يظهرون فوارق كبيرة في القدرات والإمكانيات لدى الفرد نفسه ومع الآخرين مما يستوجب التعامل معها بأساليب واستراتيجيات خاصة بكل تلميذ على حدة. - إن الاحتياجات الأساسية المبرمجة والمبنية أساساً على خاصية كل طفل وتلميذ لديه حالة إعاقة أو تفوق لا تسير جميعها في خطوط متوازية سواء كانت أفقية أو عمودية، كما لا يوجد بينها أرضية مشتركة مما لا يسمح تماماً باستخدام أساليب تدريس جماعية، بل إن استخدام تلك الأساليب هو في الحقيقة بمثابة إلغاء وتدمير لتلك الاحتياجات الفردية. - ينبغي أن نميز في العمل التربوي بين التدريس الجماعي أو التدريس الفردي والأنشطة اللاصفية، وهذا لا يتعارض مع مبدأ وأسس جميع البرامج التربوية أي كانت فردية أو عامة. - إن الجمع بين البرامج التربوية الفردية الخاصة وأساليب التدريس الجماعية هو في الحقيقة كالجمع بين السالب والموجب الذي نتيجته معروفة وتتمثل في التباعد والتنافر كحقيقة فيزيائية والتي يمكن القياس عليها في ظواهر المجالات الإنسانية كالمجال التربوي. |
أطبع
المقال |
أرسل المقال لصديق
|
|
|