|
110525959 زائر
من 1 محرم 1425
هـ
|
|
|
>>
<< |
طفلي يشتمني ... ما الحل؟!! |
الكاتب : د. نســـــرين حاج يحيى |
القراء :
4794 |
طفلي يشتمني ... ما الحل؟!! د. نســـــرين حاج يحيى ابو احمد
لعل حبنا للأطفال ولعالمهم مرتبط بشكل مباشر بنقاء هذا العالم وطهارته وبالأساس لكونه عالما بريئا صادقا ورقيقا لا يشوبه خبث او حقد او نوايا سيئة... صور وردية ووجوه ملائكية هي تلك التي نتذكرها عند الحديث عنهم وعند التفكير بهم ، ولكن ازاء هذه الصورة المثالية هناك صورة اكثر واقعية وللأسف احيانا تكون بعيدة عن المثالية بتصرفات وتفوهات الصغار التي تكون غير رقيقة وغير بريئة كما نتصورهم فهذه الأفواه الناعمة الشفافة تخرج كما هائلا من الشتائم والمسبات واللعنات والكلمات النابية التي نقف امامها احيانا بذهول فلا ندري من اين لهم هذه الكلمات وكيف لديهم القدرة على قولها، والتجرؤ على توجيهها لنا ولإخوانهم ولمعلميهم، ولا ندري اين ذهبت البراءة واين هي الوداعة وكيف ذهبت الرقة في مهب الريح؟!
الكثير من المربين والآباء من لا يعرفون كيفية التصرف في هذه المواقف فيحتارون هل يعنفون هؤلاء الأطفال؟ هل يعتبرون انفسهم فاشلين في تربيتهم ويعيدون النظر في كل تعاملهم مع اطفالهم؟ ام هل يتجاهلون هذه الشتائم علها تذهب من حيث اتت؟ ام هل يشتمونهم بشتائم اقوى منها حتى يسكتوا ولا يستمرون؟ هل العقاب ام استعمال الأساليب مثل الحوار والتفسير للأطفال مدى بذاءة اقوالهم وضرورة التوقف عن قولها؟ فيما يلي - وبإذن الله- سوف نقدم بعض النصائح التي من شأنها ان توجه الأهل والمربين المحتارين ولعلهم إن نفذوها ان تساعد في احتواء هذه الظاهرة ومنع تكرارها واستمرارها او ظهورها اصلا.
اولا:الوقاية خير من العلاج: لعل ظاهرة الشتائم والكلمات البذيئة التي تطلقها ألسنة الصغار تنتشر في السنوات الأخيرة اكثر مما كان عليه من الأطفال في الماضي كأن يتجرأ على شتم ابيه او امه او جده، والسبب باعتقادي يكمن في الاختلاف القائم بين الأجيال وبجزء منه بسبب غياب القدوة الحسنة بمعنى ان المحيط الذي يعيشه الطفل مليء بالشتائم والمسبات ، فهذا ابوه يسبه ويسب امه وجاره وصديقه ولاعب كرة القدم الذي اخطأ المرمى ، وتلك معلمته التي تغضب من الطالب الكسول وهنا اخوه الذي يغرقه بشتائم عندما اخذ منه لعبته ناهيك عن الدائر في المدرسة وفي الشارع وفي المسلسلات خاصة تلك التي يشاهدها الصغار والمراهقون والمليئة بمظاهر العنف الجسدي والكلامي...
لذا فإن الطفل يتشبع بهذه المسبات والشتائم منذ نعومة اظفاره وتصبح في معجم كلماته وتتحول لجزء لا يتجزأ منه ومن حديثه، وبمجرد انه يغضب تنهمر هذه الدرر من فيه. اذن فالحل الجذري والأساسي هو وجود القدوة الصالحة في كل مكان وان لم نتمكن من توفير بيئة نقية فعلينا الاجتهاد على الأقل ان يكون البيت والمعلمة بعيدين عن معجم الشتائم. هذا فإن اكثر الشخصيات المؤثرة على نفسية الطفل هي الأب والأم، الجد والجدة والمعلمة ، فحتى وان كان المجتمع يستعمل هذه الكلمات فإن توجيه الأهل له وتأكيدهم ان هذه الكلمات سيئة وبذيئة مع تجنبهم قولها كفيل مع الوقت بأن يردع الأطفال عنها حتى وان استعملوها لفترة من الزمن ، فعلى المدى البعيد سيتجنبونها - بإذن الله- وستتحول الى حدث عابر لم يتم تذويته من قبل الطفل .
اذن فالوقاية خير من العلاج، لذلك فمن سبل الوقاية من استعمال الأطفال الكلمات البذيئة هي تربية الأطفال تربية صالحة وتحديدا دينية اسلامية ملتزمة ، فمن خلالها يتم التأكيد على اهمية الكلمة الطيبة الصالحة الرقيقة ومحبة الله للطفل الصالح ومحبة الرسول صلى الله عليه وسلم له والبركة التي تعمه وأهله ان حافظ على امساك لسانه وحفظ امانة اللسان الذي اعطاه اياه الله سبحانه وتعالى ليستعمله فيما هو صلاح له ولأهله وأمته. اذن فتربية الطفل على الورع والصدق وعلى مراقبة الله له والأجر العظيم على حفظ اللسان والاثم في اطلاقه دون رقيب او تهذيب لهو كفيل ايضا بضبط تفوهات ابنائنا.
ثانيا:عدم اعطاء الشرعية: من المهم الذكر هنا ضرورة عدم اعطاء الشرعية للطفل مهما كان التفوه بكلمات نابية، فعلى سبيل المثال :من المضر والخطأ ان يدافع الأب عن ابنه بالقول:"انه كان على حق عندما سب على معلمته، فهي غير ناجحة" او " لا عليك فإن ابن عمك سبك اولا" او ان نقول له " سب على اخيك مثلما سبك" او حتى هناك للأسف من الأهل من يشجعون ابناءهم من باب " اللعب" او " المزاح" او " فرحهم" لتطور قدرته على الكلام يشجعون ابناءهم على شتم الآخرين فيهمسون في اذنه " اذهب الى خالك وقل له ...." او الى عمك وقل له ..." وهذا طبعا هو العكس تماما من القدوة الحسنة والمثال الأعلى الذي نريد ان يحتذي به الطفل. واسأل هنا وأوجه سؤالا لمن ينهج هذا النهج :" لماذا الغضب اذن عندما يشتمك ابنك؟! ألم تكن من علمه وطلب منه ان يوجه نفس الشتيمة الى غيره؟!" " ألم تكن من قبل فخورا به وبقدراته " " وبشطارته" و " فصاحته" وحتى أنك وصفته بالقوي لأنه يمتلك من هذه الشتائم الكم الكبير؟!".
ثالثا: التجاهل: اذا كان الطفل صغيرا خاصة بين 2-3 سنوات فيفضل التجاهل التام والمطلق للطفل وكأن شيئا لم يكن فأستمر بأعمالي وكأنه لم يحدث اي شيء فلا اعاقبه ولا اعطيه ثوابا او اشجعه او ابتسم له، ذلك ان الأطفال بهذا الجيل لا يفهمون معنى الكلمات النابية وإنما سمعوها من اشخاص آخرين ويريدون ان يفحصوا مع امهم او ابيهم مدى قبولهم لها وما طبيعة رد فعلهم بخصوصها فإذا شاهد الأبناء اهتماما كبيرا من الأهل من الممكن ان يستعملوها سلاحا لهم ، وكلما غضبوا او استاءوا من امر ابرزوها لكي يثيروا غضب اهلهم ويكونوا لهم بالمرصاد، ولكن اذا ذكر الطفل هذه الكلمات نقلا عن آخرين " فهو بالتأكيد لم يخترعها" ولم يبد الأهل اي اكتراث مهما كررها ستذهب تماما كما أتت وكأن شيئا لم يكن ، اما اذا كان هناك تشجيع ايجابي للأهل فسوف يتم ترسيخها كما ذكرنا. واما اذا كان اهتمام كبير جدا بها ورفضت بشكل مبالغ فيه من قبل الأهل فسيعلم الطفل ان هذا محط اهتمامهم ، ولذا فكلما اراد اثارة اهتمامهم نجده يستعملها وبكثرة.
رابعا: التوجيه: اذا استمر هذا الحال الى ما بعد الثلاث سنوات ، فيجب ان نوجه الأبناء برقة ولطف ودون تعنيفهم وضربهم، بل بالقول لهم بأن هذه الكلمات غير لائقة وممنوع ان نتفوه بها مع التفسير لهم المرة تلو الأخرى دون ان نكل ، وفي كل مرة من جديد نذكرهم عندما يذكرون هذه الشتائم بأن هذه الكلمات غير مسموح باستعمالها وغير جيدة، وهي مضرة وغير جميلة وعلينا التخلص منها.
خامسا:الثواب والعقاب: من الممكن استعمال اسلوب الثواب والعقاب في مرحلة متقدمة ، فحين يقوم الطفل باستعمال هذه الكلمات بالرغم من تنبيهنا المتكرر له بضرورة الابتعاد عنها ، فيمكن لنا ان نعاقبه بما يتناسب وجيله وما قاله. واذا رأينا انه لا يستعمل هذه الكلمات فإننا من الممكن ان نثني عليه ونكافئه ونعزز عنده الابتعاد عن هذه الشتائم والتلفظ بها.
سادسا: التأسف: من المهم ان نعلم الطفل ضرورة قول متأسف لمن اساء اليه بشتيمة، ومن المتوقع في البداية ان يرفض ولكننا يجب ان نصر على ذلك حتى يعلم الطفل ان مثل هذا الأمر لهو مؤذ ويتوجب علينا طلب الاعتذار من الآخرين عليه، على ان لا نكتفي بعقابه فقط بالاعتذار لأن الأطفال قد يستهينون بكلمة اسف مع الوقت ويظنون ان اقصى ما يطلب منهم هو الأسف لذا فسوف يشتمون ويتأسفون ويكررون ذلك. لذا من المهم ان يكون الأسف بعد تلقيهم العقاب على قولهم او اضافة له وكبداية لإعطائهم فرصة من جديد يتخلصون من خلالها من هذه الكلمات.
سابعا: لغة الحوار: من المهم ان نعلم ابناءنا لغة الحوار وان يعبروا بالكلام عن مشاعرهم وليس بالغضب والشتم والضرب وغيرها. ويكون ذلك من خلال القدوة بأن نعبر نحن اولا عن انفسنا من خلال الحوار معهم او حتى مع الآخرين وبذلك يقتدون بنا. اضافة الى ذلك من المهم ان نسألهم دائما عن احوالهم ومشاعرهم ونطلب منهم ان يترجموا غضبهم واحتجاجهم ليس عبر الصراخ والبكاء والشتم، وإنما بالكلمات ليكون بيننا اساس للتفاهم وبهذا فيمكن ان نتجنب ايضا امكانية التعبير عن الغضب من خلال الشتائم.
ثامنا: التعليق: علينا محاولة عدم كشف الأطفال لوسائل اعلامية او مشاهد او مسلسلات تعلمهم الرذيلة، وإن حدث وشاهدوا مشهدا فيه اقوال واعمال غير لائقة فعلينا التعليق مباشرة ان هذا الأمر غير لائق وغير مقبول مع التعليق والتفسير لماذا هو غير مقبول ومرفوض كذلك الحال بالنسبة لسماع هذه الشتائم من قبل الآخرين سواء في البيت او خارج البيت.
تاسعا: القصص: من الممكن استعمال القصص لتأكيد هذه القيمة في نفوس الأطفال ، فعندما نربطهم بشخصيات اتسمت بالصدق وحسن الخلق وامساك اللسان، ومواقف انتصر بها القول الصادق فإنهم قد يذوتون هذه القيم في داخلهم بشكل اكبر واسرع واسهل.كأن نذكر امامهم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يقول :" امسك عليك لسانك" وغيره من الاحاديث التي تربي وترشد الى تهذيب اللسان.
في النهاية نقول ان عملية تنقية أفواه الصغار من الشتائم والمسبات لهي عملية تحتاج الى الوقت والصبر ، فليس هنا حل سحري فوري لها، وإنما تحتاج منا للثبات والاستمرارية في الموقف الرافض للشتائم، ودون عنف وتعنيف يمكن لنا ان نذوت في داخلهم هذا الرفض ومن ثم تجنب التفوه بمثل هذه الكلمات. المصدر - مجلة البلاغ |
أطبع
المقال |
أرسل المقال لصديق
|
|
|